في 12 يوليو 2025، أعلن وزير الطاقة السوري محمد البشير عن توقيع اتفاقية مع شركة النفط الوطنية الأذربيجانية “سوكار” لتوريد الغاز الطبيعي إلى سوريا، وذلك خلال زيارة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع إلى أذربيجان. تأتي هذه الاتفاقية في سياق جهود الحكومة السورية الجديدة لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد وتولي الشرع الرئاسة في يناير 2025. يهدف هذا التقرير إلى تحليل أبعاد الاتفاقية، سياقها السياسي والاقتصادي، وتداعياتها المحتملة على سوريا والمنطقة.
السياق السياسي والاقتصادي
الوضع السوري بعد التغيير السياسي
بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، شهدت سوريا تحولات سياسية كبيرة، حيث أعلنت الإدارة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع في 29 يناير 2025. يواجه النظام الجديد تحديات جمة، أبرزها إعادة إعمار البنية التحتية، واستعادة استقرار الاقتصاد، وتأمين احتياجات الطاقة. يعاني قطاع الطاقة السوري من تدهور كبير نتيجة الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من عقد، حيث انخفض إنتاج النفط من 386 ألف برميل يوميًا قبل الحرب إلى حوالي 15 ألف برميل يوميًا، وإنتاج الغاز من 27 مليون متر مكعب إلى 10 ملايين متر مكعب يوميًا، مما يغطي فقط 30% من احتياجات البلاد من الغاز و3-4% من احتياجات النفط.
العلاقات السورية-الأذربيجانية
تأتي الاتفاقية مع “سوكار” في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين سوريا وأذربيجان، والتي شهدت تطورًا ملحوظًا بعد سقوط نظام الأسد. في مايو 2025، زار وفد أذربيجاني رفيع المستوى دمشق، برئاسة نائب رئيس الوزراء سمير شريفوف، لمناقشة التعاون في مجالات الطاقة، الصناعة، الصحة، والتعليم. أعربت أذربيجان عن استعدادها لدعم سوريا لتصبح قوة فاعلة على الساحة الدولية، مع التركيز على مشاريع إعادة الإعمار.
دور تركيا في التعاون الثلاثي
تلعب تركيا دورًا محوريًا في تعزيز التعاون بين سوريا وأذربيجان، حيث أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار في يوليو 2025 أن “سوكار” قد تكون شريكًا في خطط تركيا لتزويد سوريا بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب حدودي، مما سيسهم في زيادة إنتاج الكهرباء في سوريا بنحو 1300 ميغاواط. كما أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى استعداد أذربيجان لدعم سوريا في مجال الغاز، مما يعكس التنسيق الثلاثي بين أنقرة، دمشق، وباكو.

تفاصيل الاتفاقية
الأطراف الموقعة
- سوريا: ممثلة بوزير الطاقة محمد البشير.
- أذربيجان: ممثلة بشركة “سوكار”، ووقّع الاتفاقية من الجانب الأذربيجاني وزير الاقتصاد ميكائيل جباروف، رئيس مجلس الرقابة في الشركة.
الأهداف
- توريد الغاز الطبيعي: تهدف الاتفاقية إلى تأمين إمدادات الغاز الطبيعي لسوريا لدعم توليد الكهرباء وتلبية احتياجات الصناعة والتدفئة.
- الاستقلال في الطاقة: تسعى سوريا من خلال هذه الاتفاقية إلى تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة المحلية المحدودة، وتعزيز استقرار إمدادات الطاقة.
- شراكات استراتيجية: بناء علاقات اقتصادية طويلة الأمد مع أذربيجان وتركيا لدعم إعادة الإعمار.
السياق الإقليمي
تأتي الاتفاقية في وقت تسعى فيه سوريا إلى تنويع مصادر الطاقة، حيث أبرمت في يونيو 2025 اتفاقية مع الأردن وقطر لتسريع توريد الغاز القطري عبر خط أنابيب يمر بالأردن، مما يعكس استراتيجية دمشق لتأمين إمدادات الغاز من مصادر متعددة. كما أن مشاركة “سوكار” قد تكون جزءًا من مشروع أوسع يشمل ربط شبكات الغاز بين سوريا وتركيا، مع إمكانية استضافة سوريا لبنية تحتية تابعة للشركة الأذربيجانية.

التداعيات المحتملة
على الصعيد الاقتصادي
- تحسين إنتاج الكهرباء: يعاني السوريون من نقص حاد في الكهرباء، حيث تعتمد العديد من الأسر على مولدات الديزل الخاصة باهظة التكلفة. ستساهم إمدادات الغاز في زيادة ساعات تشغيل محطات الكهرباء، مما يخفف من معاناة المواطنين.
- إعادة إعمار قطاع الطاقة: يمكن أن تسهم خبرات “سوكار” في تطوير حقول النفط والغاز في شمال شرق سوريا، خاصة بعد استعادة الحكومة السورية السيطرة على هذه الحقول من “قوات سوريا الديمقراطية” في مارس 2025.
- جذب الاستثمارات: نجاح هذه الاتفاقية قد يشجع شركات دولية أخرى على الاستثمار في سوريا، خاصة مع تخفيف العقوبات الاقتصادية من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في 2025.
على الصعيد السياسي
- تعزيز الشرعية السياسية: يمنح نجاح الحكومة السورية في إبرام مثل هذه الاتفاقيات زخمًا سياسيًا للرئيس الشرع، مما يعزز شرعيته في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
- توازن القوى الإقليمية: تشير مصادر إلى أن دمشق تسعى إلى موازنة القوى الإقليمية من خلال التعاون مع تركيا وأذربيجان، مما قد يخفف من المخاوف الإسرائيلية بشأن الحكومة الانتقالية.
- تعزيز العلاقات الثنائية: الزيارة الرسمية للشرع إلى باكو والتوقيع على الاتفاقية يعكسان رغبة البلدين في تعميق العلاقات الاقتصادية والسياسية، مما قد يفتح الباب لمشاريع مشتركة أخرى.
على الصعيد الجيوسياسي
- الدور التركي: تعزز هذه الاتفاقية دور تركيا كوسيط إقليمي رئيسي في إعادة إعمار سوريا، حيث تسعى أنقرة لاستغلال موقعها الجغرافي لتصبح ممرًا لنقل الغاز من الشرق الأوسط إلى أوروبا.
- التعاون مع أذربيجان: خبرة “سوكار” في استكشاف وإنتاج الغاز، كما في مشاريعها في إسرائيل وتركيا، تجعلها شريكًا استراتيجيًا لسوريا.
- تداعيات إقليمية: قد تسهم الاتفاقية في إحياء مشاريع خطوط أنابيب طويلة الأمد، مثل خط الغاز القطري عبر الأردن وسوريا إلى تركيا، مما يعزز مكانة سوريا كممر استراتيجي للطاقة.
التحديات والمخاطر
- البنية التحتية: يتطلب نقل الغاز إلى سوريا إصلاح وتأهيل خطوط الأنابيب التي دمرت خلال الحرب، مما قد يستلزم استثمارات كبيرة.
- الاستقرار الأمني: لا تزال سوريا تعاني من عدم الاستقرار في بعض المناطق، مما قد يعيق تنفيذ المشاريع.
- التوازنات الإقليمية: مشاركة أذربيجان، وهي حليف لإسرائيل، قد تثير مخاوف أطراف إقليمية أخرى، مثل إيران، التي كانت حليفًا رئيسيًا لنظام الأسد السابق.
- الاعتماد على الغاز المستورد: رغم أن الاتفاقية تعزز إمدادات الطاقة، إلا أنها قد تزيد من الاعتماد على الواردات في المدى القصير، مما يتطلب استراتيجية طويلة الأمد لتطوير الحقول المحلية.
تعد اتفاقية توريد الغاز بين سوريا وشركة “سوكار” الأذربيجانية خطوة استراتيجية نحو تحقيق الاستقلال في الطاقة ودعم إعادة إعمار سوريا. تعكس الاتفاقية طموح الحكومة السورية الجديدة لتعزيز التعاون الإقليمي مع أذربيجان وتركيا، مما يساهم في استقرار قطاع الطاقة وتعزيز الشرعية السياسية للإدارة الانتقالية. ومع ذلك، يتطلب نجاح هذه الاتفاقية معالجة التحديات المتعلقة بالبنية التحتية والاستقرار الأمني، مع السعي لتحقيق توازن بين القوى الإقليمية. في المستقبل، قد تمهد هذه الاتفاقية الطريق لمشاريع طاقة أكبر، مما يعزز مكانة سوريا كممر استراتيجي للطاقة في المنطقة.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز