spot_img

ذات صلة

جمع

القصف الإسرائيلي في السويداء: أداة لإعادة تشكيل سوريا أم حماية المصالح؟

في 14 و15 يوليو 2025، هزت الغارات الإسرائيلية على...

ما هي دوافع إسرائيل من قصف الأرتال السورية المتوجهة لفرض الأمن بالسويداء

في يوليو 2025، شهدت محافظة السويداء جنوب سوريا تصعيدًا...

استشهاد القيادي محمد فرج الغول: سيرة طاهرة ألهمت شعب فلسطين

استشهد فجر اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025، المستشار محمد...

صواريخ “باتريوت” لأوكرانيا عبر حلفاء الناتو وتمويل الولايات المتحدة

تُعتبر صواريخ باتريوت (MIM-104 Patriot) من أبرز أنظمة الدفاع الجوي في العالم، حيث تُشكل العمود الفقري للدفاع ضد الصواريخ الباليستية والطائرات المعادية. في ظل النزاع المستمر في أوكرانيا، تواجه كييف تحديات كبيرة بسبب الهجمات الجوية الروسية المكثفة التي تستخدم صواريخ كروز، صواريخ باليستية، وطائرات بدون طيار. منذ يوليو 2025، أعلنت الولايات المتحدة عن خطة مبتكرة لدعم أوكرانيا من خلال تمويل حلفاء الناتو لشراء وتحويل بطاريات باتريوت إلى أوكرانيا، مع ضمان استبدال هذه الأنظمة لاحقًا عبر عقود تمويلية. يهدف هذا التقرير إلى تحليل هذه الصفقة من الناحيتين العسكرية والدبلوماسية، مع التركيز على الجوانب الفنية والاستراتيجية.

 خلفية الصفقة وآلية التمويل

عجز المخزون الأمريكي

تعاني الولايات المتحدة من نقص في مخزون صواريخ باتريوت نتيجة الاستخدام المكثف في عملياتها العسكرية بالشرق الأوسط وآسيا. وفقًا لتقارير، فإن مخزون صواريخ باتريوت الأمريكية انخفض إلى حوالي 25% من المستوى المطلوب لضمان الجاهزية التشغيلية للقوات الأمريكية، مما دفع البنتاغون إلى إعادة تقييم تخصيص الموارد. هذا النقص دفع الإدارة الأمريكية إلى تجنب التفريط المباشر ببطارياتها، خوفًا من تعريض عملياتها العسكرية للخطر.

التحويل عبر حلفاء الناتو

بدلاً من التبرع المباشر بالبطاريات، اختارت واشنطن استراتيجية غير مباشرة تتيح لحلفاء الناتو (مثل ألمانيا، إسبانيا، هولندا، ورومانيا) شراء أنظمة باتريوت من شركة لوكهيد مارتن وتحويلها إلى أوكرانيا. هذه الآلية تتيح للولايات المتحدة الحفاظ على مخزونها مع دعم أوكرانيا عسكريًا.

🟥 ألمانيا: أعلنت عن استعدادها لتمويل شراء بطاريتين على الأقل، مع إمكانية زيادة العدد.

🟥 إسبانيا: التزمت بتحويل ثلاث بطاريات تشمل صواريخ PAC-3 ومنصات إطلاق.

🟥 هولندا: ساهمت ببطارية مركبة من قطع غيار لتسريع التسليم.

🟥 رومانيا: تشارك في إنتاج مشترك لصواريخ GEM-T لدعم مخزون الناتو.

برنامج التمويل العسكري الأجنبي (FMF)

ما هو برنامج FMF؟

برنامج التمويل العسكري الأجنبي (Foreign Military Financing – FMF) هو آلية تمويلية تديرها الحكومة الأمريكية، تهدف إلى دعم حلفائها عبر تقديم منح مالية لشراء أسلحة ومعدات عسكرية أمريكية الصنع. في سياق صفقة صواريخ “باتريوت”، يلعب هذا البرنامج دورًا محوريًا في تمكين دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مثل ألمانيا وإسبانيا، من شراء أنظمة باتريوت وتحويلها إلى أوكرانيا، دون أن تتحمل هذه الدول تكاليف الشراء من موازناتها الخاصة.

كيف يعمل البرنامج؟

ببساطة، يمكن تشبيه البرنامج بـ”محفظة” تمويلية يديرها الكونغرس الأمريكي. يقرر الكونغرس تخصيص أموال لدول صديقة، مثل ألمانيا أو إسبانيا، على شكل منح، أي أموال لا تتطلب السداد. هذه الأموال تُستخدم لشراء أنظمة باتريوت من شركات أمريكية، مثل “لوكهيد مارتن”، التي تصنّع هذه الصواريخ. الدول الحليفة، بدورها، ترسل هذه الأنظمة إلى أوكرانيا لدعم دفاعاتها الجوية.

لماذا هذا النظام؟

🟥 حماية المخزون الأمريكي: بدلًا من أن ترسل الولايات المتحدة صواريخها مباشرة إلى أوكرانيا، مما قد يُضعف مخزونها العسكري الذي تحتاجه في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط، فإنها تستخدم هذا البرنامج لضمان بقاء مخزونها سليمًا.
🟥 دعم أوكرانيا بسرعة: يتيح البرنامج نقل الأسلحة إلى أوكرانيا بسرعة عبر حلفاء الناتو، دون تأخير ناتج عن نقص المخزون الأمريكي.

  • 🟥 تحفيز الاقتصاد الأمريكي: من خلال هذه المنح، تحصل الشركات الأمريكية على عقود جديدة لتصنيع الأسلحة، مما يعزز الاقتصاد الأمريكي.

مثال توضيحي:
تخيّل أن الولايات المتحدة هي صديق ثري يريد مساعدة أوكرانيا، لكنه لا يرغب في التفريط بممتلكاته الخاصة. بدلًا من ذلك، يعطي صديقه الألماني مبلغًا من المال لشراء أسلحة جديدة من متجر أمريكي، ثم يطلب منه إرسال هذه الأسلحة إلى أوكرانيا. بهذه الطريقة، يحصل الجميع على الفائدة: أوكرانيا تحصل على السلاح، ألمانيا لا تدفع من جيبها، والمتجر الأمريكي يكسب المال.

تجهيز منصة إطلاق صواريخ باتريوت مع جنود أميركيين
تجهيز منصة إطلاق صواريخ باتريوت مع جنود أميركيين

استبدال البطاريات عبر وكالة التعاون الأمني الدفاعي (DSCA)

ما هي DSCA؟

وكالة التعاون الأمني الدفاعي (Defense Security Cooperation Agency – DSCA) هي جهة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، مهمتها تنظيم وتسهيل صفقات الأسلحة بين الولايات المتحدة ودول العالم. في هذه الصفقة، تقوم الوكالة بضمان أن الدول الحليفة التي تتبرع ببطاريات باتريوت لأوكرانيا، مثل ألمانيا وإسبانيا، تحصل على تعويض عبر تزويدها بأنظمة بديلة أو تحديث مخزونها.

كيف تعمل هذه العملية؟

عندما ترسل دولة مثل ألمانيا أو إسبانيا بطاريات باتريوت إلى أوكرانيا، فإنها تفقد جزءًا من قدراتها الدفاعية. هنا تأتي دور وكالة DSCA، التي تعمل كوسيط لتنظيم صفقات جديدة لتعويض هذه الدول. على سبيل المثال:

🟥 ألمانيا: وقّعت صفقة بقيمة 5 مليارات دولار للحصول على بطاريات باتريوت جديدة أو تحديث أنظمتها القديمة، لتعويض ما أرسلته إلى أوكرانيا.

🟥 إسبانيا: حصلت على صفقة بقيمة 2.8 مليار دولار تشمل 51 صاروخًا من طراز PAC-3 و24 منصة إطلاق، لتعزيز دفاعاتها بعد التبرع.

لماذا هذا مهم؟

🟥 إبقاء حلفاء الناتو أقوياء: إذا أرسلت ألمانيا أو إسبانيا صواريخها إلى أوكرانيا دون تعويض، فقد تصبح دفاعاتها ضعيفة، مما يعرض أمنها القومي للخطر. DSCA تتأكد من أن هذه الدول تبقى قوية عبر تزويدها بأنظمة جديدة.

🟥 استدامة الدعم: هذه الآلية تشجع دول الناتو على مواصلة دعم أوكرانيا، لأنها تعلم أن الولايات المتحدة ستعوضها لاحقًا.

🟥 تنظيم سلس: DSCA تتولى التفاصيل الدقيقة لهذه الصفقات، مثل التفاوض مع الشركات المصنعة وتحديد مواعيد التسليم، مما يضمن سلاسة العملية.

مثال توضيحي:
تخيّل أن صديقك (ألمانيا) أعطى سيارته لجارك (أوكرانيا) ليساعده في التنقل أثناء أزمة. لكن الآن، صديقك بلا سيارة. هنا تأتي DSCA، وهي زي مكتب تأمين يقول له: “لا تقلق، سنعطيك سيارة جديدة أو نجدد سيارتك القديمة”. هكذا، يبقى الجميع راضين: أوكرانيا تحصل على الدعم، وألمانيا تحافظ على قوتها.

مكونات الصفقة وأهميتها التشغيلية

الحليف

قيمة الصفقة

عدد البطاريات

المكونات الرئيسية

ألمانيا

5 مليارات دولار

2 أو أكثر

صواريخ PAC-3 MSE، رادارات، وحدات قيادة، مولدات

إسبانيا

2.8 مليار دولار

3 بطاريات

51 صاروخ PAC-3، 24 منصة إطلاق، 4 رادارات

هولندا

غير محدد (جمعي)

1 بطارية

منصات إطلاق مركبة من قطع غيار

رومانيا

ضمن صفقة الناتو

إنتاج مشترك

صواريخ GEM-T لتعزيز المخزون

المواصفات الفنية

  • صواريخ PAC-3 MSE: صواريخ اعتراضية متقدمة تتميز بدقة عالية ضد الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى والطائرات. تتمتع بمدى فعال يصل إلى 35 كم وارتفاع اعتراض يصل إلى 24 كم.

  • صواريخ GEM-T: صواريخ توجيه محسّنة تُستخدم لتعزيز الدفاع ضد التهديدات الجوية التقليدية، مثل طائرات بدون طيار وصواريخ كروز.

  • الرادارات (AN/MPQ-53/65): توفر قدرة كشف وتتبع تصل إلى 100 هدف في وقت واحد، مع مدى رصد يتجاوز 160 كم.

  • محطات القيادة والتحكم: تتيح إدارة العمليات الدفاعية وتنسيق إطلاق الصواريخ بدقة عالية.

الأهمية التشغيلية

  • تغطية شاملة: تتيح هذه الأنظمة لأوكرانيا حماية المناطق الحيوية، مثل العاصمة كييف والمنشآت الصناعية، ضد هجمات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار.

  • المرونة: يمكن نشر البطاريات بسرعة في مناطق الصراع، مما يعزز الدفاع الطبقي (Layered Defense) بالتكامل مع أنظمة S-300 وNASAMS.

  • الكفاءة العالية: أثبتت بطاريات باتريوت فعاليتها في أوكرانيا، حيث نجحت في إسقاط صواريخ باليستية روسية، بما في ذلك صواريخ Kh-47M2 Kinzhal التي كانت تُعتبر “غير قابلة للإسقاط”.

المبررات الاستراتيجية والدبلوماسية

دعم أوكرانيا دون استنزاف المخزون الأمريكي

تتيح هذه الصفقة للولايات المتحدة دعم أوكرانيا دون التضحية بجاهزيتها العسكرية. من خلال تمويل حلفاء الناتو، تحافظ واشنطن على مخزونها الاستراتيجي مع ضمان وصول الأسلحة إلى الجبهة الأوكرانية.

تعزيز الردع في شرق أوروبا

نقل بطاريات باتريوت عبر دول الناتو يعزز الوجود الدفاعي على الحدود الشرقية لأوروبا، مما يرسل إشارة قوية إلى روسيا دون الحاجة إلى نشر قوات أمريكية مباشرة في أوكرانيا.

دعم صناعة الدفاع الأوروبية

من خلال الشراكة بين Raytheon وMBDA في ألمانيا (COMLOG)، يتم تعزيز الإنتاج المحلي لصواريخ باتريوت في أوروبا، مما يقلل الاعتماد على الشحن من الولايات المتحدة ويسرّع وتيرة التسليم. هذا النموذج يدعم الاقتصادات الأوروبية ويعزز التعاون الصناعي ضمن الناتو.

كييف متعطشة لإمدادات جديدة من الأسلحة الغربية
كييف متعطشة لإمدادات جديدة من الأسلحة الغربية

الآفاق التشغيلية على أرض الواقع

تغطية الجبهة الجنوبية

مع وصول ما لا يقل عن 9 بطاريات تشغيلية إلى أوكرانيا، بات بإمكان كييف حماية محاور استراتيجية، خاصة في الجنوب، حيث تتركز الهجمات الروسية على البنية التحتية والمنشآت الصناعية. هذه الأنظمة تغطي التهديدات الرئيسية مثل صواريخ كروز والطائرات بدون طيار.

سرعة التسليم

تتيح آلية FMF + التبادل تقليص المدة بين الطلب والتسليم إلى أسابيع بدلاً من أشهر، مما يعزز قدرة أوكرانيا على الاستجابة السريعة للتهديدات.

تحديات الإنتاج

رغم اتفاق الناتو على شراء 1,000 صاروخ باتريوت بقيمة 5.5 مليار دولار، يظل الإنتاج العالمي عاجزًا عن مواكبة معدلات الاستنزاف في ساحة المعركة. هذا التحدي يتطلب توسيع خطوط الإنتاج في أوروبا والولايات المتحدة.

مسارات وتحديات

نموذج تمويل ديناميكي

يُعد نموذج FMF مثاليًا لتحويل الأسلحة الحرجة إلى دول في حالة طوارئ دون المساس بالجاهزية الأمريكية. يجب تعميم هذا النموذج ليشمل أنظمة دفاعية أخرى، مثل NASAMS أو THAAD.

توسيع الإنتاج الأوروبي

يجب تعزيز خطوط إنتاج Raytheon-MBDA في أوروبا لتلبية الطلب المتزايد على صواريخ باتريوت، مما يقلل الاعتماد على الشحن عبر الأطلسي ويحد من فترات النقص.

التدريب والصيانة

مع دخول أنظمة جديدة إلى الخدمة في أوكرانيا، يجب تكثيف برامج التدريب للقوات الأوكرانية على تشغيل وصيانة بطاريات باتريوت، لضمان استدامة الأداء التشغيلي.

التخطيط طويل الأمد

يجب وضع خطة دورية لاستبدال الصواريخ المستخدمة في أوكرانيا، مع تخصيص مخزون احتياطي لضمان استمرارية الدفاع الجوي خلال النزاعات المستقبلية.

تشكل آلية تمويل الولايات المتحدة لحلفاء الناتو لشراء وتحويل بطاريات باتريوت إلى أوكرانيا نموذجًا مبتكرًا يحقق توازنًا بين دعم الحليف الأوكراني والحفاظ على الجاهزية الأمريكية. هذا النموذج لا يعزز قدرات الدفاع الجوي في أوكرانيا فحسب، بل يعزز التعاون الصناعي والدبلوماسي ضمن حلف الناتو، ويضمن استدامة الدعم العسكري في مواجهة التهديدات الروسية المتصاعدة.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

spot_imgspot_img