أكثر من 100 ألف شهيد وأكثر من 300 ألف جريح. مدنٌ مُسوّاة بالأرض. مجاعة متعمدة. هذه ليست معركة عسكرية، بل آلة إبادة منهجية توظّف أحدث أسلحة القرن الـ21 ضد شعب أعزل. لكن وسط هذا الجحيم، تُكتب ملحمة صمودٍ تُحير العسكريين: كيف لا تزال المقاومة تُحدث خسائر ملموسة في صفوف جيشٍ مدججٍ بأسلحة الدمار؟ هذا التحليل ينقب عن الحقائق المُرّة بعيداً عن الخطاب الرومانسي، ويكشف كيف تُدار حرب وجود على حافة الهاوية.
المشهد الكارثي: أرقام تفضح جرائم الحرب الإسرائيلية
(إحصائيات واقعية تعكس حجم الجريمة)
🟥 الأرض المحروقة: 85% من مباني قطاع غزة مدمرة أو متضررة (مصادر أممية).
🟥 الإبادة الديموغرافية: 1.9 مليون نازح (90% من السكان) يعيشون بين الخيام والمدارس المُدمرة.
🟥 التجويع كسلاح: 95% من السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي (برنامج الأغذية العالمي).
🟥 استهداف المنظومة الصحية: 32 مستشفى فقط تعمل جزئياً من أصل 36.
الدمار الإسرائيلي ليس “ضرورة عسكرية”، بل عقاب جماعي لشعب رفض الرحيل. التجريف المتعمد للأحياء السكنية يهدف إلى جعل العودة مستحيلة، وتهجير الفلسطينيين قسراً – وهي جريمة حرب بموجب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة.
تكتيكات المقاومة: البقاء في مواجهة آلة الإفناء
(تحليل واقعي بعيداً عن “الأساطير”)
رغم الخسائر البشرية والمادية الجسيمة، حافظت المقاومة على قدرة قتالية مذهلة في سياق كارثي:
التكتيك | الواقع المرير | التحديات القاتلة |
---|---|---|
الأنفاق | وفق توقعات دمر الاحتلال كمبية كبيرة من شبكات الأنفاق، لكن شبكات جديدة تُحفر يومياً بأدوات بدائية، وهذا يٌفسر العمليات خلف الخطوط التي ظهرت في الآونة الأخيرة | العمل تحت القصف مع نقص الوقود والكهرباء. |
العبوات الناسفة | صناعة محلية من مخلفات القنابل الإسرائيلية. دمرت 120 آلية إسرائيلية رغم بدائيتها (وفق مصادر فلسطينية). | انعدام المواد الأولية بسبب الحصار. |
الهجمات الخاطفة | هجمات محدودة (5-7 دقائق) لتفادي الطيران. خسائر المقاومة فيها مرتفعة في حال حدوث أي خطأ أو رصد، لكنها تكبّد العدو خسائر معنوية. | صعوبة التنسيق بعد تدمير البنى التحتية للاتصالات. |
اللامركزية | خلايا من 3-5 مقاتلين تخطط وتنفذ محلياً. نجحت في استمرار العمليات رغم استشهاد قادة الألوية. | خطر الاختراق الأمني مع ضعف الإمكانيات. |
هذه التكتيكات ليست “عبقرية”، بل ضرورة حتمية للبقاء. كل عملية ناجحة للمقاومة تدفع ثمنها دماءً غزيرة. الحديث عن “انتصارات” في هذا السياق هو تشويه لفظاعة المشهد.

الجيش الإسرائيلي: تفوّق تكنولوجي.. وفشل استراتيجي صارخ
🟥 فشل الادعاءات الأمنية: رغم تدمير غزة، لم تُستأصل المقاومة. هجماتها اليومية من رفح إلى جباليا تثبت أن الاحتلال لم يسيطر سوى على “أرض محروقة”.
🟥 خسائر غير مسبوقة: 2500 جريح إسرائيلي (600 بإعاقات دائمة) و 350 قتيلاً في غزة (أرقام إسرائيلية رسمية) – الأعلى منذ 1973.
انهيار الأساطير العسكرية:
🟥 دبابة “ميركافا”: 40% من الخسائر في غزة بسبب عبوات مقاومة بدائية
🟥 نظام “القبة الحديدية”: فشل في اعتراض صواريخ محلية الصنع (مثل “أقصى 105”) في 70% من الحالات (تقرير معهد “أبحاث الأمن القومي” الإسرائيلي).
🟥 الاستنزاف الاقتصادي: تكلفة الحرب اليومية 250 مليون دولار (بنك إسرائيل). الاقتصاد منكسر بنسبة 20%.
إسرائيل تخسر حربها على ثلاث جبهات: عسكرياً (فشل حسم المعركة)، اقتصادياً (انهيار السياحة وهروب الاستثمارات)، أخلاقياً (اتهامات بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية).

المستقبل: مشاهد قاتمة.. وأسئلة وجودية
(تحليل صادم بعيداً عن التفاؤل الزائف)
🟥 المقاومة: قدرتها على التجنيد مستمرة رغم الدمار. 75% من الفلسطينيين في غزة يؤيدون المقاومة المسلحة كخيار وحيد بعد فشل “السلام”. (استطلاع مركز “القدس”)، وأيضًا سعي للانتقام بعد كل هذه المجازر التي أودت بحياة نسبة كبيرة من السُكان فكل شخص في غزة فقد عزيز على قلبه
🟥 إسرائيل: تدفع باتجاه تهجير جماعي تحت التهديد. مشاريع استيطانية جديدة في خانيونس ورفح تُنفذ أثناء الحرب.
🟥 المجتمع الدولي: عاجز عن تطبيق قرارات الأمم المتحدة (وقف إطلاق النار). دعم أمريكي/غربي لا محدود لإسرائيل يُغذي الإبادة.
غزة تُذكّر العالم بحقيقة واحدة: المقاومة الفلسطينية ليست خياراً، بل ضرورة وجودية لشعب يواجه إبادة ممنهجة. دماء الشهداء ليست “ثمن النصر”، بل هي الوقود الوحيد الذي يمنع محو فلسطين من الخريطة. كل شهيد، كل طفل يموت جوعاً، كل عائلة تُدفن تحت الأنقاض – هو شاهد حي على فشل النظام الدولي، وإثبات أن الاحتلال الإسرائيلي مشروع لا يعرف سوى لغة القتل.
لا تُختزل معركة غزة في “تكتيكات عبقرية” أو “صورة أيقونة”. إنها شعب يُباد بدم بارد، ومقاومة ترفض أن تموت صامتة. رغم كل الدمار، يظل التحدي الأكبر أمام إسرائيل هو الخلود الأبدي لسؤال الضمير العالمي: كيف سيقبل التاريخ أن يُباد شعبٌ كاملٌ في القرن الـ21 تحت سمع العالم وبصره؟ غزة تقول للاحتلال: قد تُسقط بيوتنا، لكنكم لن تسقطوا حقنا. كل شهيد يُخلّد هذا الحق، وكل مقاتل يُمسك سلاحه من تحت الأنقاض هو برهان على أن مشاريع الإبادة لا تقتل إلا أصحابها.
صحفي فلسطيني من غزة – كاتب بالشأن السياسي والعسكري بمنصة الواقع العربي، كما أملك خبرات بالتصميم الفني والإبداعي