spot_img

ذات صلة

جمع

موجز أحداث اليوم 15 يوليو في السويداء

تصاعد الأزمة ودخول القوات الحكومية شهدت محافظة السويداء ذات الأغلبية...

القصف الإسرائيلي في السويداء: أداة لإعادة تشكيل سوريا أم حماية المصالح؟

في 14 و15 يوليو 2025، هزت الغارات الإسرائيلية على...

ما هي دوافع إسرائيل من قصف الأرتال السورية المتوجهة لفرض الأمن بالسويداء

في يوليو 2025، شهدت محافظة السويداء جنوب سوريا تصعيدًا...

استشهاد القيادي محمد فرج الغول: سيرة طاهرة ألهمت شعب فلسطين

استشهد فجر اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025، المستشار محمد...

لماذا تستمر الصراعات دون حسم؟

تكشف التجارب التاريخية، مثل الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان، أن الانتصارات العسكرية السريعة لا تكفل الاستقرار الدائم، بل قد تُفضي إلى إخفاقات طويلة الأمد. ورغم الفوارق الهائلة في القوة العسكرية بين الأطراف المتحاربة، تظل العديد من الصراعات العالمية مستمرة دون حسم نهائي. من أبرز الأمثلة المعاصرة: الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والنزاع بين إسرائيل وحماس في غزة. يهدف هذا التحليل إلى استكشاف أسباب استمرار هذه الصراعات، مع التركيز على فروقات القوة، العوامل المعقدة التي تعيق الحسم، والتحديات الإنسانية مثل التهجير القسري، القصف العشوائي، وسياسات الأرض المحروقة.

 

فروقات القوة: التفوق العسكري لا يكفي

إسرائيل 🇮🇱 وحماس ☝️

تتمتع إسرائيل بتفوق عسكري واضح، مدعوم بقدرات جوية واستخباراتية متطورة، وأنظمة دفاعية متقدمة مثل القبة الحديدية، العصا السحرية، ونظام آرو. يعزز الدعم الأمريكي هذا التفوق من خلال التكنولوجيا والتمويل. في المقابل، تعتمد حماس على أساليب مقاومة غير نظامية، مثل الأنفاق، القنص، العبوات الناسفة، والطائرات المسيرة منخفضة التكلفة. رغم هذا التباين الكبير، تفشل إسرائيل في القضاء على حماس بشكل كامل، وتتكبد خسائر بشرية وتكتيكية متكررة.

روسيا 🇷🇺 وأوكرانيا 🇺🇦

تُصنف روسيا كثاني أقوى قوة عسكرية عالميًا وفق مؤشر Global Firepower، بأكثر من 1.1 مليون جندي نشط، ترسانة نووية لا مثيل لها، وأسطول ضخم من الطائرات والصواريخ الباليستية. قبل الحرب، كانت أوكرانيا تُعتبر ضعيفة عسكريًا، لكن الدعم الغربي من حلف الناتو والولايات المتحدة – بما في ذلك منظومات باتريوت، دبابات ليوبارد، وصواريخ HIMARS – غيّر المعادلة. ورغم ذلك، عجزت روسيا عن تحقيق نصر حاسم، خاسرةً آلاف الجنود وأراضٍ احتلتها في بداية النزاع.

تعقيدات الميدان: الحرب الحديثة تتجاوز الأرقام

في الحروب المعاصرة، لا تُحدد القوة بالعتاد العسكري فحسب، بل بعوامل ميدانية معقدة. في المناطق الحضرية، تُعيق الأنفاق، الأبنية، والكثافة السكانية استخدام القوة المفرطة دون تكبّد خسائر مدنية باهظة. في غزة، تندمج المقاومة مع البيئة السكانية، مما يجعل استهداف المقاتلين دون إلحاق الضرر بالمدنيين شبه مستحيل. وفي أوكرانيا، تستفيد كييف من المناطق المدنية لإبطاء التقدم الروسي، مع استغلال الخسائر المدنية لكسب التعاطف الدولي.

يؤدي القصف العشوائي إلى مذابح، مما يعزز “حرب السرديات” التي تمنح الطرف الأضعف دعمًا سياسيًا عالميًا. صورة واحدة أو تقرير إعلامي قد يغيّر مجرى الرأي العام، مما يجعل النصر التقليدي هدفًا بعيد المنال.

انفجار عنيف في غزة يُسبب في قتل مدنيين
انفجار عنيف في غزة يُسبب في قتل مدنيين

الكلفة البشرية والسياسية: معضلة الحروب الحضرية

تتطلب الصراعات في مناطق مكتظة بالسكان استراتيجيات دقيقة. في غزة، يعيش أكثر من مليوني شخص في مساحة محدودة، وتتسبب العمليات العسكرية في تهجير جماعي وضغوط سياسية وقانونية على إسرائيل. على سبيل المثال، أثارت عمليات التهجير في رفح انتقادات دولية حادة، قلّصت من قدرة إسرائيل على تصعيد عملياتها.

في أوكرانيا، تُعيق مقاومة الشوارع والتكتيكات غير النظامية – مثل القنص والعبوات الناسفة – السيطرة الروسية على مدن كبرى مثل خاركيف وكييف، محوّلةً الاحتلال إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.

الاحتلال: انتصار ظاهري بلا جدوى

تتجنب إسرائيل احتلال غزة بالكامل، مدركةً أن إدارة سكان معادين وسط دمار شامل أمر غير عملي. بدلاً من ذلك، تسعى لإضعاف حماس دون تقديم رؤية واضحة لمستقبل القطاع. وتواجه روسيا تحديات مماثلة في أوكرانيا، حيث تفتقر إلى البنى الإدارية والأمنية اللازمة للسيطرة المستدامة على الأراضي المحتلة.

سياسات الأرض المحروقة: سلاح ذو حدين

اعتمدت روسيا تكتيكات الأرض المحروقة في مدن مثل باخموت وماريوبول، بهدف تدمير البنية التحتية وكسر إرادة الخصم. وفي غزة، لجأت إسرائيل إلى تدمير أحياء بأكملها مثل الشجاعية ورفح بنهج مشابه. لكن هذه السياسة تحمل مخاطر كبيرة:

تراجع الفعالية: القوة الخام تفقد قيمتها دون حل سياسي شامل.

تحديات ما بعد الحرب: إعادة الإعمار والسيطرة على السكان تصبح أكثر تعقيدًا من الحرب ذاتها.

تُظهر التجارب الأمريكية في العراق وأفغانستان أن السيطرة العسكرية السريعة قد تنتهي بانسحاب مهين بعد عقود من الفشل في تحقيق الاستقرار.

جنود أميركيين في أفغانستان، يفتشون السُكان بحثًا عن سلاح أو أي تهديد
جنود أميركيين في أفغانستان، يفتشون السُكان بحثًا عن سلاح أو أي تهديد

تكتيكات المقاومة: الإبداع في مواجهة التفوق

في غزة، تستخدم حماس أساليب مبتكرة لإطالة أمد الصراع:

🟥 عبوات الشواظ: تُدمر المركبات المدرعة وتتسبب في خسائر متكررة للجنود الإسرائيليين.

🟥 حرب العصابات: هجمات سريعة تليها انسحابات فورية لتجنب المواجهة المباشرة.

🟥 الأنفاق: شبكات تحت الأرض تُستخدم للتنقل وتنفيذ العمليات بعيدًا عن المراقبة الجوية.

هذه التكتيكات تُجبر إسرائيل على إعادة تقييم استراتيجياتها باستمرار، مما يُطيل النزاع.

 

حروب الإرادات: الصمود يتغلب على القوة

تُقاتل أوكرانيا بدافع الدفاع عن أرضها، مما يمنح جنودها وشعبها دافعًا قويًا يتجاوز الأسلحة. في غزة، تعتمد حماس على الروح العقائدية والارتباط بالقضية لإعادة بناء قدراتها رغم الضربات. على النقيض، تتعامل روسيا وإسرائيل مع الصراع كمهمة أمنية، مما يعزز صمود خصومهما. يقول البروفيسور أندريه لوكاشينكو: “في حروب الإرادات، يصبح الصمود الفلسفي للضعيف أقوى من صواريخ القوي. النصر لم يعد احتلال الأرض، بل احتلال الزمن والذاكرة الجمعية.”

الصورة من كمين خانيونس، حاول فيه المقاومون أسر جندي إسرائيلي، ولكن لاذ بالفرار بتاريخ 10-7-2025
الصورة من كمين خانيونس، حاول فيه المقاومون أسر جندي إسرائيلي، ولكن لاذ بالفرار بتاريخ 10-7-2025

الزمن: سلاح الطرف الأضعف

تراهن حماس وأوكرانيا على استنزاف خصومهما مع مرور الوقت. في روسيا، تتدهور المعنويات، يتراجع الاقتصاد، وتتفاقم العقوبات، مما يُضعف الدعم الشعبي للحرب. وفي إسرائيل، تتصاعد الضغوط الداخلية والدولية، مع تكلفة يومية للحرب تُقدر بـ267 مليون دولار (وفقًا لوزارة المالية الإسرائيلية، ديسمبر 2023). تكتيكات حماس منخفضة التكلفة، مثل الطائرات المسيرة، تُجبر إسرائيل على إنفاق مبالغ طائلة، مما يحوّل التفوق العسكري إلى عبء مالي.

الشرعية الأخلاقية: معركة تتجاوز السلاح

في الحروب الحديثة، لا تُقاس النتائج بالسيطرة الجغرافية وحدها، بل بشرعية الطرفين في الساحة الدولية. تواجه إسرائيل اتهامات بارتكاب جرائم حرب، وروسيا بممارسة التطهير العرقي، مما يُقيّد قدرتهما على تحقيق حسم شامل. تحولت الحرب إلى صراع متعدد الجبهات – قانوني، سياسي، وإعلامي – مما يجعل النصر التقليدي أمرًا بعيد التحقق.

في النهاية يُبرز النزاعان بين روسيا وأوكرانيا وإسرائيل وحماس كيف تستمر الصراعات رغم التفوق العسكري الساحق لأحد الأطراف. يعود ذلك إلى تعقيد الأهداف السياسية، قدرة الطرف الأضعف على تعطيل النصر التقليدي عبر حروب المدن والأنفاق، والدعم الخارجي الذي يعزز صموده. تُضاف إلى ذلك القيود القانونية والإنسانية التي تحد من حركة الطرف الأقوى، مما يُنتج أزمات مثل التهجير القسري والدمار الشامل. في النهاية، تتحول هذه الصراعات إلى معادلة استنزاف تجعل الحسم العسكري استحالة سياسية مكلفة.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

spot_imgspot_img