في ضوء موجة حرائق الغابات التي اندلعت في محافظة اللاذقية منذ 3 يوليو 2025، وامتدت إلى أكثر من 15,000 هكتار من الغطاء النباتي والزراعي، يقدّم جهاز Pyri –الذي يستوحي آلية عمله من ظاهرة من ظواهر فريدة أشجار الصنوبر– حلاً مستقبلياً لاستشعار البؤر الحرارية الناشئة قبل تفشّيها، مما يساهم في تقليص زمن الاستجابة وتعزيز قدرات الدفاع المدني.
خلفية وضع حرائق اللاذقية الحالية
بدأت الحرائق المتسارعة في المناطق الجبلية شمال اللاذقية (جبال ربيعة، قسطل معاف، الفرنلق، القسّاب).
🟥 بلغت رقعة الأراضي المحروقة أكثر من 15,000 هكتار حتى 11 يوليو 2025.
🟥 اضطرت السلطات إلى إغلاق الطرق المؤدية إلى كسب وقُرى ربيعة تحت إجراءات طوارئ.
🟥 شاركت فرق الإطفاء السورية والأجنبية (تركيا، الأردن، العراق، لبنان)، باستخدام 16 طائرة إطفاء وأكثر من 300 آلية وبرية، لكن التضاريس الصعبة وذخائر الحرب غير المنفجرة أعاقت سرعة الوصول.
حلول مُبتكرة وجب تبنيها
جهاز “بيري” هو نظام كشف حرائق مبكر مستوحى من ظاهرة pyriscence في أشجار الصنوبر، وهي ويجمع بين التركيب البيولوجي والتقنيات العضوية المنخفضة التكلفة لتوفير إنذارات آنيّة عند اندلاع حريق صغير قبل أن يتحول إلى كارثة.
ظاهرة pyriscence ببساطة هي قدرة بعض النباتات—مثل أنواع معينة من الصنوبر—على فتح مخاريطها وإطلاق بذورها فقط عندما ترتفع درجة الحرارة إلى مستوى عالي (عادة فوق 60–75 °C) بسبب اشتعال حريق قريب.
يتميز بقدرته على العمل بلا صيانة لسنوات، وانصهاره الكامل بلا بقايا ضارة، وبنشره الواسع عبر الطائرات أو يدويًا في المناطق الوعرة. يتيح “بيري” دعم اتخاذ القرارات الميدانية المستندة إلى بيانات الأحوال الجوية والأقمار الصناعية، مما يقلص زمن الاستجابة ويحد من الخسائر البشرية والبيئية.
تطمح الشركة المُصنِّعة “Pyrence” إلى طرحه تجاريًا عام 2027، مع خطط لتوسيع نطاق الكشف وتحسين التكامل مع شبكات الاتصالات المحلية والفضائية.
خلفية الابتكار ووحدة “PyriPod”
الإلهام البيولوجي
يستوحي Pyri تصميمه ووظيفته من ظاهرة يُطلق عليها “pyriscence”؛ حيث تُحرّر أشجار الصنوبر المسماة “serotinous” بذورها فقط عند تعرضها لحرارة نشطة (تتجاوز 60 °C)، ما يجعلها مثالًا حيًا على التكيف مع الحرائق الطبيعية. عكس هذا المبدأ، صُمّم “PyriPod” ليكتشف الحرارة الناشئة من أي بؤرة حريق خفيفة، ويطلق صافرة إنذار لاسلكي منخفض التردد تنقل الموقع الفعلي للحريق.
المكوّنات والهيكلية
كل PyriPod يتألّف من:
🟥 غلاف شمعي عضوي يذوب عند 60–75 °C ليُطلق محلولًا ملحيًا؛
🟥 دائرة إلكترونيات عضوية تولّد تيارًا كهربائيًا عبر ملامسة المحلول للأقطاب؛
🟥 هوائي من مركب الفحم (Charcoal composite) يُرسل إشارة راديوية إلى أبراج الاتصال أو مستقبلات مخصصة حتى مسافة 50 كم؛
🟥 مواد قابلة للتحلل صديقة للبيئة، تخلو من معادن الأرض النادرة وذات أثر بيئي أدنى بكثير من نظيراتها البلاستيكية.
هذه البنية البسيطة تجعل الجهاز قابلًا للنشر في المناطق النائية والصعبة دون حاجة للصيانة الدورية أو استبدال البطاريات. مع تشغيل الحرارة، يحترق PyriPod كليًا بلا مخلفات سامة، ما يضمن حماية الغطاء النباتي والتربة.
الشركة المُصنِّعة والرؤية المستقبلية
فريق “Pyrence” وأصول المشروع
أسّسته كارينا غونادي وريتشارد “بليك” جودوين وتانغهاو يو وريتشارد ألكسندر كفريق من خريجي برنامج Innovation Design Engineering المشترك بين كلية الإمبريال بلندن وكلية الفنون الملكية بلندن. بدأوا المشروع كجزء من مساق دراسي، قبل أن يفوز ابتكارهم بجائزة James Dyson Award 2024 لفئة التصميم الهندسي.
مسيرة التطوير وخطط التسويق
-
2023–2024: تجارب أولية ونماذج مخبرية شارك فيها أكثر من 20 خبير حرائق وممثلين عن المجتمعات المحلية في كندا والبرازيل وتركيا5.
-
2025: مراحل اختبار ميداني أولية في أستراليا وكاليفورنيا؛ وجمع بيانات الأداء تحت ظروف مناخية متقلبة.
-
2026–2027: التحضيرات للإنتاج التجاري؛ توقيع شراكات مع شركات الطيران المروحية والخدمات الحكومية للدفاع المدني؛ ونشر بنية تحتية لاستقبال الإشارات الراديوية محليًا ودوليًا.
تسعى Pyrence لإنتاج ملايين أجهزة PyriPod سنويًا بأسعار منخفضة (يُتوقع أقل من 5 دولارات للجهاز الواحد عند الإنتاج الضخم)، مع إمكانية تخصيص الحساسات لتتوافق مع تضاريس وأنماط حرائق محلية67.
المزايا التقنية والتشغيلية
الكشف الفوري دون صيانة
يعمل PyriPod لسنوات دون تدخل بشري أو صيانة تقنية، بخلاف الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة أو أبراج المراقبة التي تتطلب تكاليف تشغيلية وصيانة عالية.
توزيع واسع وبنية استقبال مرنة
يمكن نشر PyriPods عن طريق:
-
يدويًا على الأراضي الوعرة؛
-
جويًا عبر إلقاء من المروحيات؛
-
بحريًا ضمن صناديق تطلق تلقائيًا عند الاقتراب من التضاريس الصعبة.
تُبنى محطات استقبال الإشارات على أبراج اتصال قائمة أو عبر محطات استقبال متنقلة طاقة تعمل بالطاقة الشمسية أو الشبكات المحلية مثل LoRaWAN، ما يضمن تغطية حتى المناطق المحرومة من البنية الاتصالية.
التكامل مع الذكاء الاصطناعي والبيانات
بعد استلام إشارة الحرارة من PyriPod يتم:
-
تحديد الموقع عبر تقنية تثليث الإشارات من عدة مستقبلات؛
-
مزامنة البيانات مع خرائط الغطاء النباتي وقوة الرياح والرطوبة الأرضية المأخوذة من الأقمار الصناعية؛
-
نمذجة انتشار الحريق باستخدام خوارزميات تعلّم آلي للتنبؤ بمسار الامتداد؛
-
إرسال تنبيهات للسلطات والسكان المحليين مع توصيات التبليغ والإخلاء الفوري.
الدمج بين الكشف الفيزيائي والبيانات الجوية والفضائية يوفر قيمة استشرافية فورية تقلل زمن الاستجابة من ساعات إلى دقائق.

مقارنة بالحلول التقليدية
التقنية | المزايا | العيوب |
---|---|---|
الأقمار الصناعية | تغطية عالمية، بيانات متعددة الأطياف | تأخير زمني (ساعات)، تكاليف الاشتراك العالية |
أبراج المراقبة الحرارية | كشف بصري مباشر، عمل مستمر | مدى رؤية محدود، تكاليف بناء وصيانة باهظة |
الدرونز (طائرات مسيرة) | مرونة في المواقع والمسارات | اعتمادية محدودة على الوقود/الطاقة، تعقيدات لوجستية |
Pyri | منخفض التكلفة، لا صيانة، صديق للبيئة، نشر سريع | نطاق كشف محلي (يتطلب شبكة استقبال متكاملة)، مرحلة أولى من الإنتاج |
توفر Pyri حلًا متوسطًا يجمع بين كفاءة الكشف المبكر وتخفيض التكلفة والتأثير البيئي، مع قابلية التوسع بوتيرة أسرع من أي تقنية حالية.
الأبعاد الاقتصادية والبيئية
خفض النفقات وتقليل الخسائر
-
تكلفة جهاز بين 3–5 دولارات عند الإنتاج بالجملة، مقارنةً بتكلفة برج مراقبة حراري تتجاوز 500,000 دولار.
-
اقتصاديات الصيانة تُحسَّن بنسبة 80% بغياب الحاجة للصيانة الدورية للبطاريات أو الأنظمة الميكانيكية.
أثر بيئي أخف
-
انصهار واحتراق PyriPod بالكامل يترك أثرًا معدومًا تقريبًا على التربة والهواء، بعكس الأجزاء البلاستيكية الإلكترونية التقليدية.
-
تحجيم مساحة الحرائق يقلل من انبعاثات الكربون بنسب تصل إلى 25% في المناطق التي تعتمد الكشف المبكر، حسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 20242.
تحديات وفرص التوسع
التحديات
-
البنية الاتصالاتية: إنشاء شبكة مستقبلات راديوية في المناطق النائية والحروب
-
التمويل: تأمين استثمارات كافية للمراحل الأولى من الإنتاج والتوزيع
-
التشريعات: الحصول على موافقات حكومية لنشر أجهزة لاسلكية في المناطق المحمية
الفرص
-
الشراكات الدولية: دعم من منظمات الإغاثة ووكالات مكافحة الحرائق العالمية
-
التطوير التقني: إصدارات مستقبلية مزودة بأجهزة استشعار دخان ومحيط صوتي
-
التوسع القطاعي: استخدام Pyri للكشف المبكر عن انبعاثات غازية أو حرائق صناعية ضمن منشآت النفط والغاز
يشكل جهاز Pyri نقطة تحول في استراتيجيات الكشف المبكر للحرائق، نظرًا لجمعه بين الطبيعة والابتكار التقني بأسلوب بيئي واقتصادي مستدام. توصيات مستقبلية:
-
تعزيز بنية الاستقبال: دمج Pyri مع شبكات LoRaWAN وأقمار صناعية صغيرة لتوسيع نطاق الكشف؛
-
بناء شراكات ميدانية: إشراك فرق الإطفاء والطيران المروحي والمنظمات الإغاثية لنشر واسع وسريع؛
-
التسريع التجاري: دعم حكومي وتمويلي لتسريع الإنتاج وخفض التكلفة؛
-
تطوير متكامل: إضافة حساسات أخرى (دخان، غازات) لنظام متعدد المخاطر.
بتطبيق هذه التوصيات، يُمكن لابتكار Pyri أن يقلص زمن الاستجابة لمكافحة الحرائق من ساعات إلى دقائق، ويقي ملايين الهكتارات من البقاء بلا إنذار، ما يقلل الأضرار البشرية والطبيعية ويحدّ من دوامة التغير المناخي.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز