تشير وكالة رويترز في تقرير رأي جديد صادر عن بريكنج فيوز إلى أن تكلفة تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي باتت تمثل تحديًا هائلًا أمام الشركات الكبرى، لا سيما تلك المعتمدة على معالجات نفيديا H100. تزداد فاتورة الطاقة والبنية التحتية بشكل سريع مع تزايد حجم الاستخدام ومعدلات الطلب، ما يدفع عمالقة التقنية مثل جوجل ومايكروسوفت إلى اتباع استراتيجيات طموحة لضبط التكاليف وضمان تحقيق هوامش ربحية مرتفعة.
بريكنج فيوز هي “العلامة التجارية” لعمود التعليقات المالية التابع لوكالة رويترز، وتُعنى بتقديم تحليلات ورؤى رأي متقدمة حول الأحداث الاقتصادية والصفقات والأسواق العالمية. تأسست بريكنج فيوز عام 1999 على يد هوجو ديكسون، محرر سابق لعمود «ليكس» في صحيفة فايننشال تايمز، وزميله جوناثان فورد، وانطلقت كموقع إلكتروني في يوليو 2000 قبل أن تستحوذ عليها تومسون رويترز في عام 2009
خلفية حول معالج نفيديا H100
أطلقت شركة نفيديا معالجها من الجيل الرابع المسمى H100 ضمن سلسلة Hopper المخصصة لتسريع عمليات التعلم العميق ومعالجة نماذج اللغة الكبيرة. يتميز هذا المعالج بقدرته على:
🟥 دعم بنية HBM3 بسعة 80 جيجابايت.
🟥 وحدات Tensor Cores متقدمة تزيد من سرعة الحسابات.
🟥 تقنية NVLink لربط المعالجات معًا بعرض نطاق يصل إلى 900 جيجابايت/ث.
لكن هذه القوة الحسابية تأتي بتكلفة طاقة عالية: يستهلك كل معالج H100 ما يصل إلى 700 واط في أقصى استهلاك. وعلى افتراض نسبة استخدام سنوية تبلغ 61%، يصل استهلاك الوحدة الواحدة إلى نحو 3,740 كيلوواط-ساعة سنويًا.
الأرقام الكبرى: حجم الاستهلاك العالمي
بحسب تقديرات شركة Stocklytics والتحليلات المنشورة مؤخرًا، من المتوقع أن يتجاوز إجمالي استهلاك معالجات H100 ما بين 1.5 و2 مليون وحدة بحلول نهاية 2024، ما يعني استهلاكًا سنويًا يقارب 13,000 غيغاواط-ساعة من الكهرباء. رقمٌ يعادل تقريبًا استهلاك دولة صغيرة مثل جزيرة قبرص أو كوستاريكا سنويًا.
يضع هذا الضغط الكبير على شبكات الطاقة المحلية والدولية، ويستدعي:
🟥 تأمين مصادر طاقة مستقرة بعقود طويلة الأمد (Power Purchase Agreements).
🟥 التحول نحو مصادر متجددة لتخفيف البصمة الكربونية والتأثيرات البيئية.
مكونات التكلفة الأساسية
العتاد (Hardware)
🟥 سعر بطاقة H100 يتراوح بين 10,000 و30,000 دولار للوحدة حسب السوق والعقد.
🟥 بناء خادم واحد يعتمد على 8 وحدات H100 قد يتجاوز 500,000 دولار دون احتساب التبريد والشبكات.
الطاقة والتبريد
🟥 سعر الكيلوواط-ساعة الصناعي في الولايات المتحدة يتراوح بين 10 إلى 15 سنتًا.
🟥 مراكز بيانات AI قد تستهلك ما بين 10 إلى 50 ميغاواط في الساعة، أي قدرة كهربائية تكفي مدينة صغيرة.
🟥 أنظمة التبريد المتقدمة (التبريد السائل أو تبريد الهواء الفائق) تزيد التكلفة التشغيلية بنسبة 30–50%.
البنية التحتية للشبكات والتخزين
🟥 الخوادم تتطلب شبكات ألياف ضوئية عالية السرعة لضمان التواصل بين المعالجات، بتكلفة إضافية تتجاوز 100,000 دولار لتركيب حل خادم كامل.
🟥 نظم التخزين السريعة (NVMe SSD) تزيد تكلفة الخادم بنسبة 10–20%.
استهلاك المستخدمين الفعلي (Token Pricing)
يستخدم مقدمو خدمات الذكاء الاصطناعي نماذج تسعير معتمدة على الوحدات أو “التوكينات”. فعلى سبيل المثال:
الخدمة | السعر لكل مليون توكينات إدخال | السعر لكل مليون توكينات إخراج |
---|---|---|
Azure OpenAI | 3 دولار | 12 دولار |
Google Gemini | 1.25–2.5 دولار | 10–15 دولار |
يرتبط هذا النموذج مباشرةً بكلفة الحساب: كل طلب للمستخدم يؤدي إلى استيقاظ مئات أو آلاف الوحدات الحسابية لدقائق معدودة، فتتراكم التكاليف بسرعة.

استراتيجيات شركات التقنية لمواجهة التحدي
توسيع بناء مراكز بيانات خاصة
🟥 جوجل ومايكروسوفت وأمازون تستثمر مليارات الدولارات سنويًا في إنشاء مراكز بيانات مخصصة للذكاء الاصطناعي حول العالم، لتتمتع بتحكم كامل على التكاليف التشغيلية والقدرة على استخدام تقنيات تبريد مبتكرة.
عقود شراء الطاقة طويلة الأمد (PPAs)
🟥 توقيع عقود شراء طاقة لسنوات تمتد إلى 10–20 عامًا بأسعار ثابتة، ما يقي الشركات من التقلبات الحادة في أسعار الكهرباء.
دمج مصادر الطاقة المتجددة
🟥 بناء مزارع شمسية ورياح ملاصقة للمراكز، أو استئجار إنتاج متجدد عبر شركات وسيطة لتخفيف تكاليف الطاقة وحماية سمعة الشركة بيئيًا.
تحسين الكفاءة البرمجية والعتادية
🟥 ضغط النماذج وتقنيات مثل quantization وpruning لتقليل العمليات الحسابية دون التأثير على الجودة.
🟥 تطوير معالجات جديدة أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، مثل معالجات نفيديا القادمة من سلسلة Blackwell التي تعد بتخفيض الاستهلاك إلى النصف.
واقع هوامش الربح وتأثيرها على المستخدم النهائي
على الرغم من إنفاقها الضخم، تحافظ الشركات الكبرى على هوامش ربحية تتراوح بين 60% و70% بفضل الحجم الضخم لعقودها وحيازة بنية تحتية خاصة. أما الشركات الأصغر التي تعوّل على استئجار موارد سحابية، فتواجه هوامش ضيقة للغاية قد لا تتجاوز 10–20%.
هذا الاختلاف في الهامش ينعكس في أسعار الخدمات:
🟥 تخفيض تكلفة التوكين لجذب المستخدمين على شكل عروض مجانية أو منخفضة السعر.
🟥 فرض حدود استخدام أو تقديم باقات تسعير متدرجة للحد من الاستهلاك المفرط.
المستقبل: هل تنخفض التكاليف حقًا؟
-
تطور المعالجات: معالجات أجيال “Blackwell” و”Hopper 2” قد تخفض استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 50%.
-
الكفاءة البرمجية: استراتيجيات جديدة لضغط النماذج قد تقلل حجم العمليات الحسابية بنسبة 30–40%.
-
أتمتة الطاقة: شبكات ذكية داخل المراكز Spreed الذكي لضبط استهلاك الكهرباء حسب الحمل الفعلي.
غير أن الطلب المتزايد على قدرات الذكاء الاصطناعي العميق سيبقي ضغطًا كبيرًا على الطاقة والتكاليف، خاصة مع دخول تطبيقات جديدة عالية الاستهلاك مثل الواقع المعزز والتعلم التوليدي.
لا توفر نماذج الذكاء الاصطناعي العملاقة خدماتها دون ثمن باهظ. فكلفة الأجهزة والكهرباء والتبريد والبنية التحتية تجعل من تشغيل أي نموذج ضخمي تحديًا لوجستيًا وماليًا. بفضل حجم استثماراتها، تستطيع الشركات الكبرى تصفية هذا التحدي عبر مراكز بيانات خاصة وعقود طاقة طويلة الأمد، وهو ما يترجم إلى خدمات أرخص للمستخدم النهائي. مع ذلك، فإن الاتجاه نحو معالجات أكثر كفاءة وطريقة إدارة الطاقة بشكل أذكى سيحدد مستقبل هوامش الربح وأسعار خدمات الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القادمة.
