في تطور مفاجئ يُعمق من تعقيدات العلاقات التكنولوجية بين القوتين العظميين، استدعت الصين شركة إنفيديا للاستفسار عن مخاوف أمنية محتملة في رقائق H20 المخصصة للذكاء الاصطناعي، مما يضع الشركة الأمريكية العملاقة في مواجهة تحديات جديدة تتجاوز القيود التجارية التقليدية لتدخل في نطاق الأمن القومي والخصوصية الرقمية.
تأتي هذه الخطوة بعد أسبوعين فقط من السماح لإنفيديا بإعادة بيع هذه الرقائق في الصين، مما يعكس التوتر المستمر والمتغير في ديناميكيات التجارة التكنولوجية العالمية.
السياق التاريخي: من التعاون إلى المواجهة
تعود جذور الأزمة الحالية إلى عام 2020 عندما بدأت الولايات المتحدة في تطبيق قيود صارمة على الشركات التكنولوجية الصينية، وتحديداً هواوي، مما أدى إلى قطع إمدادات الرقائق عنها.
تصاعد التوتر بشكل كبير في أكتوبر 2022 عندما فرضت إدارة بايدن قيوداً شاملة على صادرات الرقائق المتقدمة وأدوات التصنيع إلى الصين، مما أجبر إنفيديا على تطوير نسخ معدلة من رقائقها تتماشى مع القيود الأمريكية.
في هذا السياق، طورت إنفيديا رقاقة H20 في أواخر عام 2023 كحل وسط يلبي احتياجات السوق الصيني مع الامتثال للقيود الأمريكية. هذه الرقاقة، رغم كونها أقل قوة من رقائق H100 الرائدة، ظلت تحتفظ بقدرات كافية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
تفاصيل الاستدعاء: مخاوف الأمان الصيني
إدارة الفضاء الإلكتروني الصيني تحرك
في 31 يوليو 2025، أعلنت إدارة الفضاء الإلكتروني الصيني (CAC) رسمياً عن استدعاء ممثلي إنفيديا لبحث “قضايا أمنية خطيرة” متعلقة برقائق H20. في بيان رسمي، طالبت الإدارة الصينية الشركة بـ”توضيح مخاطر الأمان المتعلقة بالثغرات والأبواب الخلفية في رقائق H20 الحوسبية المباعة للصين وتقديم الوثائق الداعمة ذات الصلة”.
الادعاءات الأمنية المحددة
وفقاً للبيان الصيني، تتضمن المخاوف الأمنية الرئيسية:
🟥 تقنيات التتبع والموقع: زعمت السلطات الصينية أن خبراء الذكاء الاصطناعي الأمريكيين كشفوا عن وجود تقنيات “تتبع وتحديد موقع” ناضجة في رقائق إنفيديا الحاسوبية.
🟥 إمكانيات الإغلاق عن بُعد: أشارت إدارة الفضاء الإلكتروني إلى وجود تقنيات “إغلاق عن بُعد” متطورة مدمجة في الرقائق، مما يثير مخاوف حول إمكانية السيطرة الخارجية على الأنظمة الصينية.
🟥 مطالب المشرعين الأمريكيين: استشهد البيان الصيني بدعوات مشرعين أمريكيين لتجهيز الرقائق المتقدمة المصدرة من الولايات المتحدة بقدرات تتبع وتحديد موقع إجبارية.
رقائق H20: التصميم والمواصفات التقنية
المواصفات الأساسية
رقاقة H20 هي معالج ذكاء اصطناعي قائم على معمارية هوبر (Hopper) ومصممة خصيصاً للسوق الصيني. تتضمن مواصفاتها الرئيسية:
🟥 ذاكرة HBM3 بسعة 96 جيجابايت بعرض نطاق يصل إلى 4.0 تيرابايت/ثانية
🟥 14,592 نواة CUDA مع نوى Tensor محسنة لأحمال عمل الذكاء الاصطناعي
🟥 استهلاك طاقة 350 واط مقارنة بـ700 واط لرقاقة H100
🟥 أداء يصل إلى 900 TFLOPS في دقة FP16

الفروق عن الرقائق الرائدة
رغم قوتها، تم تصميم H20 بقيود محددة لتتماشى مع القيود الأمريكية:
🟥 قوة حاسوبية أقل من H100 وH200
🟥 سرعات اتصال مخفضة بين الرقائق
🟥 قدرات ذاكرة محدودة نسبياً
مفهوم “الأبواب الخلفية” في الرقائق
تعريف الأبواب الخلفية الرقمية
الأبواب الخلفية في الرقائق (Chip Backdoors) هي نقاط دخول سرية مدمجة في الرقائق تسمح بالوصول غير المصرح به والتحكم في الأنظمة التي تُنشر فيها. يمكن لهذه الأبواب الخلفية أن تمكن من التجسس وسرقة البيانات والتخريب على نطاق غير مسبوق مع تجنب إجراءات الأمان التقليدية.
مراحل إدخال الأبواب الخلفية
يمكن إدخال الأبواب الخلفية في الرقائق في ثلاث مراحل رئيسية:
🟥 مرحلة التصميم: من خلال استخدام نوى الملكية الفكرية من جهات خارجية وأدوات التصميم الإلكتروني الآلي.
🟥 مرحلة التصنيع: عبر إجراء تعديلات خبيثة على أقنعة التصوير الضوئي وعمليات التطعيم والاتصالات المعدنية.
🟥 مرحلة التجميع والاختبار: من خلال تغييرات في تعبئة الرقائق وتعديلات لوحة الدوائر المطبوعة.
التحديات في الكشف
كشف الأبواب الخلفية في الرقائق أمر بالغ الصعوبة لعدة أسباب:
-
قد تكون مصممة بمهارة عالية تجعل كشفها صعباً
-
يمكن أن تتنكر كثغرات عرضية
-
مسح النظام بالكامل للبحث عن رقاقة واحدة أو عدة رقائق قادرة على الأبواب الخلفية مهمة شاقة
ردود الفعل الأمريكية والدولية
موقف إنفيديا الرسمي
لم تصدر إنفيديا بياناً رسمياً مفصلاً حول الاستدعاء الصيني حتى الآن، لكن الشركة دافعت سابقاً عن أهمية الحفاظ على وصولها للسوق الصيني. الرئيس التنفيذي جنسن هوانغ أكد في زيارته الأخيرة لبكين أن الشركة “تأمل في مواصلة التعاون مع الصين”.
قانون أمان الرقائق الأمريكي
في مايو 2025، قدم السيناتور توم كوتون “قانون أمان الرقائق” الذي يتطلب:
-
آليات التحقق من الموقع على الرقائق المتقدمة الخاضعة لضوابط التصدير
-
الإبلاغ عن أي محاولات لتحويل أو العبث بالرقائق
-
تقييمات سنوية لآليات أمان رقائق جديدة لمدة ثلاث سنوات
الانتقادات الأمنية
عشرون خبير أمن قومي أمريكي، بما في ذلك مسؤولون سابقون من إدارتي بوش وترامب، حثوا واشنطن على إعادة فرض حظر H20، واصفين إياها بـ”مسرع قوي لقدرات الصين في الذكاء الاصطناعي المتقدم”.
التداعيات الاقتصادية والتجارية
الأرقام المالية المهمة
-
17 مليار دولار: إيرادات إنفيديا السنوية من الصين (13% من إجمالي المبيعات)
-
5.5 مليار دولار: الخسائر المتوقعة لإنفيديا من حظر H20 في أبريل 2025
-
300,000 رقاقة: الطلبية الجديدة من TSMC بعد رفع الحظر
-
18 مليار دولار: قيمة طلبيات H20 المتراكمة منذ يناير 2025
تأثير على TSMC والشركاء
شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC) سجلت ارتفاعاً في الأرباح بنسبة 61% سنوياً، مدفوعاً جزئياً بالطلب القوي على رقائق الذكاء الاصطناعي. الطلبية الجديدة من إنفيديا البالغة 300,000 رقاقة ستضاف إلى المخزون الحالي البالغ 600,000-700,000 رقاقة.
الشركات الصينية المتأثرة
الشركات التكنولوجية الصينية الكبرى التي زادت طلبياتها من H20 تشمل:
-
تينسنت: زيادة كبيرة في الطلبيات قبل الحظر
-
بايت دانس: طلبيات ضخمة لدعم منصاتها
-
علي بابا: استثمارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي
التأثير على الأسواق العالمية
رد فعل الأسواق المالية
أسهم إنفيديا ارتفعت بنسبة 4-5% عقب إعلان رفع الحظر، مما أضاف حوالي 200 مليار دولار لقيمتها السوقية. كما شهدت أسهم AMD وTSMC مكاسب مماثلة وسط التفاؤل حول تخفيف ضوابط التصدير الأمريكية.
الشركات المنافسة
AMD: حصلت أيضاً على موافقة لاستئناف مبيعات رقائق MI308 للصين، مما قلل من خسائرها المتوقعة البالغة 800 مليون دولار.
هواوي: تواصل تطوير بدائل محلية مثل رقاقة Ascend 910B، رغم تأخرها تقنياً عن منتجات إنفيديا.
الابتكارات التقنية والبدائل
الاستثمارات الصينية في البدائل المحلية
الشركات الصينية الكبرى تستثمر بكثافة في تطوير بدائل محلية:
-
بايدو: خصص جزءاً كبيراً من صندوق 1.6 مليار دولار لبناء بنية تحتية قوية للذكاء الاصطناعي
-
علي بابا: أعلن في فبراير عن خطط لاستثمار 380 مليار يوان (52.7 مليار دولار) في البنية التحتية السحابية
-
تينسنت: سرّع من شراء وحدات معالجة الرسوم في أواخر 2024
التطورات التقنية الأوروبية والآسيوية
الشركات الأوروبية والآسيوية برزت كبدائل مهمة، مما مكّن الشركات الصينية من تخفيف تأثير القيود الأمريكية جزئياً. هذا التنويع في مصادر التوريد يعكس استراتيجية أوسع لـ”تأمين سلاسل التوريد ضد الحروب التجارية”.
الآثار الجيوسياسية والاستراتيجية
إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية
النزاع حول H20 يسرع من إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية للرقائق. الشركات متعددة الجنسيات تعيد تقييم استراتيجياتها، مع استثمارات متزايدة في مرافق التصنيع خارج شرق آسيا.
الفصل التكنولوجي
الولايات المتحدة والصين تطوران أنظمة بيئية متوازية لأشباه الموصلات. الصين تصب مليارات الدولارات في الابتكار المحلي، بينما تعزز الولايات المتحدة قطاعها عبر قانون CHIPS الذي يخصص أكثر من 50 مليار دولار لدعم التصنيع المحلي والبحث والتطوير.
التأثير على الحلفاء
القيود الأمريكية أثرت على حلفاء رئيسيين مثل اليابان وهولندا، اللذين طُلب منهما تطبيق قيود مماثلة على تصدير تقنيات أشباه الموصلات للصين.
التحديات التقنية والأمنية المستقبلية
تطوير آليات الأمان
قانون أمان الرقائق المقترح يثير مخاوف حول خلق ثغرات أمنية جديدة. النقاد يحذرون من أن متطلبات التتبع قد تجعل الرقائق الأمريكية أقل أماناً، مما يهدد الأمن القومي والاقتصادي.
التوازن بين الأمان والابتكار
التحدي الأساسي يكمن في تحقيق التوازن بين حماية الأمن القومي وتعزيز الابتكار التكنولوجي. القيود المفرطة قد تعوق التقدم التقني العالمي وتؤدي إلى تكرار الجهود وبطء الابتكار.
زيارة جنسن هوانغ وجهود الدبلوماسية التجارية
الجولة الدبلوماسية في بكين
زيارة الرئيس التنفيذي لإنفيديا جنسن هوانغ لبكين في يوليو 2025 كانت بمثابة هجوم سحر منسق لإعادة بناء العلاقات مع الصين. خلال الزيارة:
-
التقى بنائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفنغ
-
أشاد بنماذج الذكاء الاصطناعي الصينية واصفاً إياها بـ”المستوى العالمي”
-
أكد على أهمية الصين كسوق حيوي لنمو إنفيديا
الرسائل الاستراتيجية
هوانغ نقل رسائل واضحة خلال زيارته:
-
السوق الصيني “أساسي” و”ديناميكي” ومليء بـ”عملاء ممتازين”
-
التعاون الصيني-الأمريكي في مجال الذكاء الاصطناعي يجب أن يتفوق على التنافس
-
سلاسل التوريد العالمية المستقبلية يجب أن تكون شبكات تعاونية وليس نقاط اختناق
التطلعات المستقبلية والسيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول: التصعيد المستمر
في حالة تصعيد التوترات، قد نشهد:
-
قيود صينية إضافية على الشركات الأمريكية
-
تطوير أسرع للبدائل التقنية المحلية
-
انقسام أعمق في الأسواق التكنولوجية العالمية
السيناريو الثاني: الاستقرار التدريجي
إمكانية التوصل لتوازن مؤقت يتضمن:
-
قبول متبادل لآليات المراقبة والشفافية
-
تنظيم دولي لمعايير أمان الرقائق
-
تعاون محدود في مجالات غير حساسة
السيناريو الثالث: التفاهم الشامل
على المدى الطويل، قد يؤدي الضغط الاقتصادي إلى:
-
اتفاقيات دولية شاملة حول أمان التكنولوجيا
-
معايير عالمية موحدة لأمان الرقائق
-
آليات تعاون في مواجهة التهديدات السيبرانية المشتركة
التوصيات الاستراتيجية
للشركات التكنولوجية
-
تنويع سلاسل التوريد: تطوير مصادر متعددة للتقنيات الحساسة
-
الاستثمار في الشفافية: بناء آليات مراجعة مستقلة لضمان أمان المنتجات
-
التعاون الصناعي: تطوير معايير صناعية مشتركة لأمان الرقائق
للحكومات
-
التوازن التنظيمي: تجنب القيود المفرطة التي قد تعوق الابتكار
-
التعاون الدولي: بناء أطر تعاون دولية لإدارة مخاطر التكنولوجيا
-
الاستثمار في التعليم: تطوير القدرات المحلية في أمان الأنظمة
للمجتمع الدولي
-
وضع معايير دولية: تطوير معايير عالمية لأمان أشباه الموصلات
-
آليات التحكيم: إنشاء منتديات دولية لحل النزاعات التكنولوجية
-
الشفافية المتبادلة: تطوير آليات للكشف المتبادل عن القدرات والنوايا
نحو عالم تكنولوجي أكثر تعقيداً
قضية استدعاء الصين لإنفيديا حول رقائق H20 تمثل نقطة تحول مهمة في تطور العلاقات التكنولوجية العالمية. ما بدأ كنزاع تجاري تقليدي تطور ليصبح صراعاً معقداً يتداخل فيه الأمن القومي والخصوصية الرقمية والمنافسة الاقتصادية والهيمنة التكنولوجية.
الاتهامات الصينية بوجود “أبواب خلفية” في رقائق إنفيديا، سواء كانت مبررة أم لا، تسلط الضوء على التحديات الأساسية في عالم تكنولوجي معولم حيث تصبح الثقة سلعة نادرة والشفافية ضرورة حتمية. هذا التطور يعكس حقيقة أن صناعة أشباه الموصلات لم تعد مجرد قطاع اقتصادي، بل أصبحت ساحة معركة جيوسياسية تحدد مستقبل القوة العالمية.
على الشركات والحكومات أن تدرك أن المستقبل يتطلب نهجاً أكثر دقة وتوازناً، يحمي المصالح الأمنية دون خنق الابتكار، ويعزز التعاون الدولي دون التنازل عن السيادة التكنولوجية. في هذا السياق، قد تكون قضية H20 ليس فقط اختباراً لقدرة إنفيديا على التنقل في البحار المضطربة للسياسة الدولية، بل أيضاً معياراً لقدرة المجتمع الدولي على إدارة التكنولوجيا المتقدمة بطريقة تحقق الأمان والازدهار للجميع.
إن النجاح في حل هذه الأزمة سيتطلب مستوى غير مسبوق من التعاون والشفافية والفهم المتبادل – وهي قيم قد تكون أكثر أهمية من التكنولوجيا نفسها في تحديد مستقبل العالم الرقمي.

مدير المحتوى التقني في الموقع، يقود تجربة المستخدم من خلال تصميم ذكي وواجهة سلسة. قام بتطوير الموقع ليُقدّم أفضل أداء ممكن، ويحرص على إثراء القسم التقني بمقالات دقيقة ومفيدة، تشمل ووردبريس، الذكاء الاصطناعي، والتحسين لمحركات البحث (SEO).