spot_img

ذات صلة

جمع

ثورة في صناعة القصص العربية: كيف تعيد جوجل تشكيل عالم الحكايات بميزة Storybook

تشهد صناعة المحتوى العربي الرقمي نقلة نوعية مع إطلاق...

عربات جدعون: عملية الوهم الكبير التي انتهت بالفشل الذريع

في صباح 4 أغسطس 2025، أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي...

ثورة تقنية جديدة: إطلاق ChatGPT 5 رسمياً للجميع بخطط تسعير متنوعة وقدرات ذكاء اصطناعي متقدمة

يشهد عالم الذكاء الاصطناعي تطوراً تاريخياً مع الإعلان الرسمي...

سيسكو .. رهان اليونايتد الكبير

سيسكو .. رهان اليونايتد الكبير انتقال بنجامين سيسكو إلى مانشستر...

دراسة تركية لحماية تركيا: في ضوء الحرب بين إيران وإسرائيل

شهدت منطقة الشرق الأوسط موجة تصعيد بين قوتين إقليميتين،...

عربات جدعون: عملية الوهم الكبير التي انتهت بالفشل الذريع

في صباح 4 أغسطس 2025، أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير رسمياً انتهاء عملية “عربات جدعون” بعد ثلاثة أشهر من العمليات العسكرية المكثفة في قطاع غزة. لكن خلف هذا الإعلان الهادئ تختبئ واحدة من أكثر العمليات العسكرية فشلاً في التاريخ الإسرائيلي الحديث – عملية كلفت إسرائيل 25 مليار شيكل و48 جندياً قتيلاً، ولم تحرر أسيراً واحداً.

هذه ليست مجرد أرقام جافة، بل قصة حقيقية عن كيف يمكن للغرور السياسي والحسابات الخاطئة أن تقود إلى كوارث حقيقية. قصة تكشف بوضوح فشل منطق القوة العسكرية المفرطة، وتؤكد أن الطريق الوحيد لتحرير الأسرى يمر عبر التفاوض وليس القتال.

الأرقام لا تكذب: فشل مدوٍ في الهدف الأساسي

صفر أسرى محررين في ثلاثة أشهر

العدد الأهم في هذه القصة هو صفر – هذا هو عدد الأسرى الإسرائيليين الذين حررتهم عملية “عربات جدعون” رغم كل الضجيج والتهديدات والوعود. هذا الرقم يصبح أكثر إيلاماً عندما نضعه في السياق الصحيح:

🟥 المحررون بالتفاوض: من أصل 250 أسيراً أُسروا في 7 أكتوبر 2023، تم تحرير 105 أسرى خلال صفقة التبادل في نوفمبر 2023 – وذلك خلال 4 أيام فقط من الهدنة. بالإضافة إلى 4 أسرى أطلقتهم حماس من جانب واحد، ليصل المجموع إلى 109 أسرى محررين بالطرق السياسية.

🟥 المحررون بالقوة: طوال 22 شهراً من الحرب، استطاع الجيش الإسرائيلي تحرير 8 أسرى فقط بالعمليات العسكرية. هذا يعني أن التفاوض كان أكثر فعالية بـ13 ضعفاً من القوة العسكرية.

الحساب المؤلم: الثمن مقابل النتائج

عملية “عربات جدعون” كلفت إسرائيل:

  • 48 جندياً قتيلاً في ثلاثة أشهر فقط

  • 25 مليار شيكل كتكلفة مباشرة

  • صفر أسرى محررين – الهدف الأساسي المعلن

في المقابل، صفقة نوفمبر 2023 حررت 105 أسرى في 4 أيام دون خسائر عسكرية إسرائيلية واحدة. هذه المقارنة البسيطة تكشف حجم الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته القيادة الإسرائيلية.

القصة الحقيقية وراء الأرقام

الشعارات الكبيرة والأوهام الباهظة

عندما أطلقت إسرائيل عملية “عربات جدعون” في مايو 2025، جاءت محملة بشعارات ضخمة ووعود براقة. تحدث المسؤولون الإسرائيليون عن “الحسم العسكري النهائي” و”تدمير حماس” و”تحرير جميع الأسرى”. وزير الدفاع الإسرائيلي وعد بـ”السيطرة على 75% من قطاع غزة”، بينما تحدث آخرون عن “منع حماس من السيطرة على المساعدات الإنسانية”.

لكن الواقع كان مختلفاً تماماً. بعد ثلاثة أشهر من القتال المكثف، لم تتحقق أي من هذه الأهداف الكبرى. الأسرى بقوا في الأسر، حماس لم تُدمر، والمساعدات الإنسانية عادت لتدخل عبر الطرق التقليدية التي “فشلت” العملية في منعها.

تجربة فاشلة في توزيع المساعدات

أحد أهداف العملية كان منع حماس من السيطرة على المساعدات الإنسانية من خلال إنشاء “مؤسسة غزة الإنسانية” الغامضة لتوزيع المساعدات مباشرة. هذه التجربة تحولت إلى كارثة إنسانية عندما فتح الجنود الإسرائيليون النار على المدنيين الجائعين الذين تجمعوا حول نقاط التوزيع، مما أدى لسقوط عشرات القتلى والجرحى.

النتيجة؟ تراجعت إسرائيل تحت الضغط الدولي وعادت للسماح بدخول المساعدات عبر الشاحنات – نفس الطريقة التي كانت تزعم أنها “تقوي حماس”. فشل آخر يُضاف لسجل العملية المأساوي.

لماذا فشلت عربات جدعون؟

خطأ في قراءة طبيعة المواجهة

المشكلة الأساسية في عملية “عربات جدعون” كانت اعتمادها على منطق خاطئ – الاعتقاد أن الضغط العسكري المكثف سيجبر حماس على التنازل عن الأسرى. هذا المنطق تجاهل طبيعة الصراع الحقيقية وخصائص المقاومة الفلسطينية.

المقاومة في غزة لا تعمل بمنطق الجيوش النظامية التي تستسلم عند تكبدها خسائر معينة. إنها تعمل بمنطق “حرب البقاء” حيث كل مقاتل يدرك أن الاستسلام يعني الموت أو السجن مدى الحياة. هذا ما يجعلها قادرة على الصمود رغم الخسائر الفادحة.

الاستنزاف المتبادل: من يتحمل أكثر؟

الحرب في غزة تحولت إلى معركة استنزاف طويلة المدى. السؤال الحاسم: من يستطيع التحمل أكثر؟

🟥 الجانب الإسرائيلي:

  • جيش نظامي باهظ التكلفة (25 مليار شيكل في 3 أشهر)

  • معنويات منهارة (50+ جندي منتحر منذ بداية الحرب)

  • ضغوط سياسية داخلية متزايدة

  • اقتصاد يعاني من تضخم وعجز مالي

🟥 الجانب الفلسطيني:

  • مقاتلون لا يملكون خيار العودة للوراء

  • بنية عسكرية لامركزية صعبة التدمير الكامل

  • دعم شعبي واسع رغم الدمار، “روح الانتقام”

  • شعب يدفع الثمن الأقسى لكنه معتاد على المعاناة، وهذا لا يعني أنهم كائنات ملائكية أو أنهم أساطير، “للصبر حدود، وليس الجميع يملك الصبر والنفس الطويل”، وهذا يشكل ضغط على الجبهة الداخلية في غزة

فخ “المربع الأول”

أهم ما كشفته عملية “عربات جدعون” هو أن إسرائيل وجدت نفسها في “المربع الأول” بعد ثلاثة أشهر من القتال المكثف. كل الضغط العسكري الهائل لم يقرب تحرير الأسرى خطوة واحدة، بل ربما جعله أكثر صعوبة.

هذا ما أدركه رئيس الأركان إيال زامير عندما حذر من أن “أي عملية عسكرية واسعة النطاق قد تعرض حياة الأسرى للخطر”. التصعيد العسكري لا يحرر الأسرى، بل يعرضهم لمخاطر أكبر.

لماذا ينجح التفاوض؟

السبب بسيط: التفاوض يحقق مصلحة الطرفين. حماس تريد الأسرى الفلسطينيين، وإسرائيل تريد الأسرى الإسرائيليين. هذا تبادل منطقي يمكن أن يحقق مكاسب للجميع.

القوة العسكرية، في المقابل، تخلق لعبة صفرية حيث كل طرف يريد إلحاق أقصى ضرر بالآخر دون تنازلات. في مثل هذه التأثيرات، الخاسر الأكبر هم الأسرى من الجانبين، والمدنيين.

الوضع الحالي: 50 أسيراً في انتظار السياسة

الواقع المؤلم اليوم

اليوم، أغسطس 2025، لا يزال هناك 50 أسيراً إسرائيلياً في غزة – منهم حوالي 20 على قيد الحياة وعشرات الجتث. هؤلاء الأسرى دفعوا ثمن فشل سياسة “القوة أولاً” التي تبنتها القيادة الإسرائيلية.

عائلات هؤلاء الأسرى تعيش جحيماً يومياً، تراقب كيف تُستنزف أرواح أبنائها في صراع لا ينتهي بينما الحل واضح أمام أعين الجميع: التفاوض الجدي مع حماس لصفقة تبادل شاملة.

أصوات العائلات المنكسرة

عائلات الأسرى لم تعد تصدق الوعود العسكرية. منتدى عائلات الأسرى والمفقودين وصف قرار الحكومة الإسرائيلية بالتصعيد العسكري بأنه “حكم إعدام للأحياء واختفاء للموتى”. هذه ليست مجرد كلمات، بل صرخة ألم من أناس فقدوا الثقة في الحلول العسكرية.

خطة احتلال غزة الجديدة: تكرار نفس الأخطاء

من فشل إلى فشل آخر

الأمر المثير للسخرية والحزن معاً هو أن نتنياهو، بعد أيام قليلة من الإعلان الرسمي عن فشل “عربات جدعون”، اتخذ قراراً بخطة جديدة لاحتلال مدينة غزة. هذا يعني أن القيادة الإسرائيلية لم تتعلم شيئاً من الفشل الذريع للعملية السابقة.

إنه “هروب إلى الأمام” كلاسيكي – بدلاً من الاعتراف بالفشل والبحث عن بدائل، يتم مضاعفة الرهان على نفس الاستراتيجية الفاشلة. هذا ما يفعله المقامرون اليائسون في الكازينو: يراهنون أكثر أملاً في تعويض خسائرهم، فيخسرون أكثر.

الثمن سيكون أفدح

إذا كانت “عربات جدعون” كلفت 48 جندياً و25 مليار شيكل ولم تحرر أسيراً واحداً، فماذا ستكلف خطة احتلال كامل لمدينة غزة؟ التقديرات تتحدث عن آلاف القتلى الإضافيين، وعشرات المليارات إضافية، ولكن بنفس النتيجة: لا أسرى محررين.

الحقيقة المرة والطريق الوحيد

الحقيقة التي لا يريد أحد سماعها

عملية “عربات جدعون” أثبتت حقيقة مرة لا تريد القيادة الإسرائيلية الاعتراف بها: القوة العسكرية لا تحرر الأسرى، بل التفاوض السياسي هو الطريق الوحيد.

هذا ليس رأياً أو تحليلاً نظرياً، بل حقيقة مثبتة بالأرقام والوقائع. 22 شهراً من أقسى الحروب في التاريخ الحديث أنتجت 8 أسرى محررين بالقوة، بينما 4 أيام من التفاوض أنتجت 105 أسرى محررين.

الطريق الوحيد إلى الأمام

الطريق لتحرير الأسرى الـ50 المتبقين واضح ومُجرب: العودة إلى طاولة التفاوض والاتفاق على صفقة تبادل شاملة. حماس أعلنت مراراً استعدادها لإطلاق سراح جميع الأسرى مقابل إنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.

لكن هذا يتطلب شيئاً نادراً في السياسة: الشجاعة للاعتراف بالفشل وتغيير المسار. الشجاعة للقول أن 22 شهراً من القتل والدمار لم تحقق شيئاً سوى المزيد من الألم لجميع الأطراف.

رسالة للقراء

هذه ليست قصة عن إسرائيل وفلسطين فحسب، بل قصة عن خطر الغرور السياسي والاعتماد المفرط على القوة. إنها تذكرة أن الحروب لها منطق خاص بها، وأن الشعارات الكبيرة لا تغني عن التخطيط الذكي والأهداف الواقعية.

الأسرى الـ50 المتبقون في غزة – سواء كانوا أحياء أم أموات – لا يحتاجون لعملية عسكرية جديدة تكلف المزيد من الأرواح والمال. يحتاجون لرجال سياسة لديهم الحكمة والشجاعة للجلوس إلى طاولة التفاوض والاتفاق على تبادل يُنهي معاناة العائلات من الجانبين.

هذا هو الدرس الوحيد المفيد من فشل “عربات جدعون”: أحياناً، الطريق الأطول هو الأقصر، والحل السياسي أقوى من كل الدبابات والطائرات.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

spot_imgspot_img