spot_imgspot_img

نزع سلاح حماس.. الملف الشائك الأكبر

في 17 نوفمبر 2025، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2803 الذي يضفي شرعية دولية على خطة الاستقرار الأمريكية لقطاع غزة. لكن في قلب هذا القرار يكمن ملف شائك يُعتبر الأكثر انفجاراً: نزع سلاح حركة حماس والفصائل الفلسطينية بالكامل.

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوضوح: “ستكون هذه المنطقة منزوعة السلاح وسيُنزَع سلاح حماس – إما بالطريقة السهلة أو بالطريقة الصعبة”.

لكن هذا التهديد يواجه حقيقة مُرعبة: حماس رفضت بوضوح كامل، وفي بيان صادر في 18 نوفمبر 2025 قالت إن “نشر قوة متعددة الجنسيات لتفكيك السلاح سينزع الحياد عنها ويحولها إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال”. هذا التحقيق الاستقصائي يكشف: هل نزع السلاح ممكن فعلاً؟ أم أنه وهم سياسي يخفي حقائق أعمق بكثير؟image.jpg+2

القسم الأول: من يريد نزع السلاح ولماذا؟

إسرائيل والهاجس الأمني

إسرائيل ترى في سلاح حماس تهديداً وجودياً. لقد عاشت الدولة العبرية سنوات من الصواريخ والهجمات، وتسعى الآن إلى ضمان ما تسميه “الأمن الدائم”. رئيس الأمن القومي الإسرائيلي السابق مئير بن شابات قال مباشرة: “لا يمكنك بناء سلام مستقر مع شريك يستعد علناً للمذبحة التالية”. وفي تحليل حاد، أشار إلى أن إسرائيل تراهن فعلياً على فشل نزع السلاح، لأن هذا الفشل يسمح لها بادعاء أن “الظروف الأمنية لم تكتمل” وبالتالي الحفاظ على وجود عسكري دائم في غزة.

الولايات المتحدة والرؤية الأمريكية

الإدارة الأمريكية، بزعامة الرئيس ترامب، جعلت نزع السلاح ركيزة أساسية في خطتها ذات 20 نقطة. البند العاشر من الخطة ينص صراحة على: “تفكيك البنية العسكرية لحماس والفصائل: تدمير الأنفاق ومرافق تصنيع الأسلحة، ونزع السلاح تحت إشراف مراقبين مستقلين”. لكن المحللين يشيرون إلى أن الهدف الأمريكي أوسع: تثبيت النموذج الأمريكي للسيطرة الإقليمية ومنع أي قوة مسلحة في المنطقة قد تشكل تحدياً لـ “التفهم” مع إسرائيل.

بعض الأنظمة العربية: التماهي والضغط

رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قال بوضوح في أكتوبر 2025: إن قطر تحاول “الضغط” على حماس “للإقرار بضرورة نزع سلاحها وسلاح كل الفصائل، لأنه جزء من الاتفاق”. هذا الموقف من قطر – الوسيط التاريخي لحماس – يعكس ضغطاً إقليمياً حقيقياً لكن أيضاً انسحاباً من الدعم التقليدي.

السلطة الفلسطينية: الشراكة المريبة

السلطة الفلسطينية، بزعامة محمود عباس، تدعم مطلب نزع السلاح، لكن لأسباب مختلفة تماماً: تريد استعادة احتكار السلطة على غزة والقضاء على منافسها السياسي. كما يشير المحللون، فإن السلطة تُتوقّع أن تكون شريكة في تنفيذ نزع السلاح، ما قد يضعها “في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الغزي وتيارات المقاومة”.

القسم الثاني: الآليات المخطط لها – أين يكمن المستحيل

المرحلة الأولى: القوة الدولية “غير المتحيزة”

وفقاً لقرار مجلس الأمن 2803 وخطة ترامب، ستُنشأ قوة استقرار دولية مؤقتة مهمتها نزع السلاح. البند الثاني عشر من الخطة ينص على: “قوة دولية مؤقتة (ISF): لدعم الشرطة الفلسطينية، تأمين الحدود، ومنع تهريب الأسلحة، بالتنسيق مع مصر والأردن”.

لكن هنا المشكلة الأولى:

  • من سيكون في هذه القوة؟ التقارير الأخيرة تشير إلى أن الدول المرشحة (بريطانيا، فرنسا، دول عربية) ترفض الاصطدام المباشر بقوى المقاومة. المحلل الأمني الإيطالي دانييلي جاروفالو قال بصراحة: “لا حماس ولا الجهاد الإسلامي لديهما أي نية لفقدان السيطرة على غزة”.

  • التمويل: من سيمول هذه القوة؟ وعلى مدى كم سنة؟ الخطة الأمريكية غامضة جداً في هذا البند.

المرحلة الثانية: آليات جمع الأسلحة (نظرياً)

الخطة تتحدث عن “وضع الأسلحة خارج الخدمة بشكل دائم، عبر عملية نزع سلاح متفق عليها”. لكن الواقع الميداني يكشف استحالة عملية:

1. الأنفاق والبنية التحتية العسكرية

سلاح حماس ليس جيشاً نظامياً يمكن تفكيكه بمرسوم. بل هو شبكة معقدة من:

  • أنفاق تحت الأرض: تقديرات تشير إلى أن حماس تملك أكثر من 500 كيلومتر من الأنفاق المحصنة. اكتشاف وتفكيك كل هذه الأنفاق سيستغرق سنوات، وليس أشهراً.youtube

  • مرافق تصنيع محلية: حماس طورت قدرة تصنيع محلية لدرونات وصواريخ. هذه المرافق منتشرة في الأحياء السكنية ولا يمكن تفكيكها دون إلحاق أضرار مدنية ضخمة.

  • شبكات تخزين موزعة: بدلاً من مستودعات مركزية، حماس توزع ذخائرها في مخابئ صغيرة في جميع أنحاء القطاع.

2. التصنيع المحلي المستمر

تقارير استخباراتية إسرائيلية وأمريكية تشير إلى أن حماس قد بدأت بالفعل في نقل أسلحة متطورة خارج غزة قبل وقف إطلاق النار. كما أن قدرتها على إعادة التصنيع تعني أن أي عملية نزع سلاح ستكون دورة لا نهاية لها.

3. شبكات التهريب الخارجية

المحللون يؤكدون أن حماس تملك مخزونات خارجية في اليمن، وأفريقيا، وربما دول عربية أخرى. نقل هذه الترسانات بعيداً عن المراقبة الدولية قد يكون قد حدث بالفعل منذ سنوات، وليس خلال الهدنة الحالية.

القسم الثالث: الواقع على الأرض – ماذا يحدث فعلاً؟

حماس ترفع السلاح ضد “الفوضى المحلية”

في خطوة لفتت الأنظار، رفعت حماس سلاحها مجدداً بعد بدء وقف إطلاق النار، لكن ليس ضد إسرائيل – بل ضد عشيرة دغمش في غزة، في محاولة واضحة لـ استعادة السيطرة الأمنية على القطاع. هذا يكشف حقيقة بسيطة لكن حاسمة: حماس ترى سلاحها أداة سيطرة محلية أولاً، وليس مجرد وسيلة مقاومة.

انتهاكات وقف إطلاق النار

وفقاً لتقارير أممية، استشهد أكثر من 300 فلسطيني منذ بدء وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر 2025. هذا يعني أن وقف إطلاق النار نفسه غير مستقر، ما يجعل أي عملية نزع سلاح أكثر استحالة.

الفراغ الأمني والفوضى المحتملة

وفقاً لمحللين عسكريين، في حالة نزع سلاح حماس بسرعة، ستحدث:

  • فراغ أمني: من سيضمن الأمن المحلي؟ الشرطة الفلسطينية؟ القوة الدولية؟ هذا غير واضح.

  • عودة العصابات والجريمة المنظمة: بدون سلطة أمنية قوية، الجريمة المنظمة والعصابات ستملأ الفراغ.

القسم الرابع: الأسئلة الكبرى – هل هذا واقعي فعلاً؟

هل يمكن نزع سلاح حماس دون قتل آلاف؟

الإجابة: لا.

كل سيناريو نزع سلاح عملي يتطلب:

  1. عمليات بحث عسكرية واسعة في الأنفاق (خطرة جداً)

  2. اقتحامات منازل للبحث عن أسلحة مخبأة

  3. اعتقالات جماعية للمسلحين والضباط

  4. مواجهات محتملة مع مسلحين يرفضون الاستسلام

كل هذا قد يؤدي إلى آلاف القتلى إضافيين.

كم الوقت المطلوب؟

المحللون العسكريون يقدرون أن نزع السلاح الفعلي والكامل سيأخذ:

  • على الأقل 5 سنوات إذا سارت الأمور بسلاسة

  • 10 سنوات أو أكثر في الواقع الفعلي مع المقاومة

  • ربما أبداً إذا أصرّت حماس على البقاء بسلاحها​

الخط الأحمر لحماس

في بيان رسمي صادر في 18 نوفمبر 2025، أوضحت حماس خطها الأحمر بكل وضوح:

“تكليف قوة ومهام نزع السلاح… سينزع الحياد عنها ويحولها إلى طرف في الصراع. نزع السلاح يتعارض مع حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه”.

وأضافت أن أي نقاش حول السلاح يجب أن يكون “داخلياً فلسطينياً” وليس بإملاء دولي.

القسم الخامس: لماذا تُصرّ حماس على الاحتفاظ بالسلاح؟

1. الحاضنة الشعبية والشرعية السياسية

سلاح حماس لا ينمو في فراغ. 79% من الفلسطينيين (حسب استطلاعات أخيرة) يعتبرون المقاومة المسلحة حقاً وواجباً ضد الاحتلال. نزع السلاح يعني فقدان حماس لـ شرعيتها السياسية وأساس قوتها.

2. البديل السياسي المفقود

ما البديل الذي تقدمه السلطة الفلسطينية أو المجتمع الدولي؟ لا شيء:

  • لا دولة فلسطينية

  • لا رفع الحصار

  • لا ضمانات أمنية دولية

  • لا انسحاب كامل للاحتلال

كيف يُطلب من حركة التخلي عن الضمانة الوحيدة لوجودها السياسي؟

3. الخوف من الانقضاض

نذكر ما حدث لـ حركات تحرر أخرى سلّمت أسلحتها:

  • حزب العمال الكردستاني (PKK): سلّم آلاف المقاتلين في التسعينات، لكن تركيا استمرت في قصفهم

  • حركات أفريقية: سلّمت السلاح مقابل وعود بالسلام، ثم تعرضت للإبادة الجماعية

حماس تخشى أن تكرار هذا النمط قد يحدث.

القسم السادس: السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول: فرض نزع السلاح بالقوة

المحتمل: منخفض جداً
التكلفة: عشرات الآلاف من القتلى
النتيجة: فوضى إقليمية واسعة

إذا حاولت القوة الدولية فرض نزع السلاح بالقوة، ستحدث حرب جديدة، لكن هذه المرة ضد قوى دولية. هذا سيؤدي إلى:

  • تحركات عسكرية من إيران وحزب الله

  • انهيار كامل لأي “سلام”

  • تدخل إسرائيلي بذريعة سلاح حماس

لذا: هذا غير محتمل.

السيناريو الثاني: نزع سلاح “تدريجي” وهمي

المحتمل: عالي جداً
التكلفة: منخفضة للظاهر
النتيجة: استقرار هش مؤقت

القوة الدولية تتظاهر بنزع السلاح:

  • تجمع بعض الأسلحة الخفيفة

  • تفكك بعض الأنفاق السطحية

  • تعلن “نجاحاً جزئياً”

بينما حماس تحتفظ بأسلحتها الثقيلة والأساسية. هذا سيناريو ترامب والإدارة الأمريكية المفضل.

السيناريو الثالث: الفشل الكامل والعودة للعنف

المحتمل: عالي جداً أيضاً
التكلفة: حرب جديدة
النتيجة: تكرار الدورة

بعد سنتين أو ثلاثة:

  • القوة الدولية تعترف بـ “فشلها”

  • تنسحب من غزة (أو تقلل تدريجياً وجودها)

  • إسرائيل تستخدم هذا كذريعة للعودة للعمليات العسكرية

  • حماس تعود للمقاومة المسلحة

الخلاصة: الملف الشائك الذي لن ينحل

الحقيقة المُرعبة

نزع سلاح حماس ليس ملف تقني أو عسكري. بل هو ملف سياسي وحضاري يتعلق بـ:

  • حق الشعوب في المقاومة: القانون الدولي يعترف بهذا الحق

  • طبيعة الاحتلال: ما دام الاحتلال قائماً، المقاومة مشروعة

  • البدائل السياسية: لا توجد بدائل حقيقية أُقدّمت

  • الثقة والضمانات: لا وجود لضمانات دولية موثوقة

من يستفيد من استمرار هذا الملف؟

  1. إسرائيل: تستخدم “فشل نزع السلاح” كذريعة للبقاء عسكرياً في غزة

  2. الإدارة الأمريكية: تثبت “جدية” التزامها بالأمن الإسرائيلي

  3. السلطة الفلسطينية: تسعى لاستضعاف منافسها حماس

  4. بعض الدول العربية: تحقق “استقراراً” على حسابات الشارع الفلسطيني

من يخسر؟

الشعب الفلسطيني: سيعيش في فراغ سياسي وأمني، بدون سلاح حقيقي للدفاع ولا أمل حقيقي في دولة مستقلة.

الخلاصة النهائية

نزع سلاح حماس ليس خطة واقعية، بل وهم سياسي يخفي هدفاً أعمق: تثبيت السيطرة الإسرائيلية على غزة تحت غطاء دولي.

الملف الشائك الأكبر لن ينحل لأن حله يتطلب حلاً سياسياً شاملاً:

  • انسحاب كامل للاحتلال

  • قيام دولة فلسطينية مستقلة

  • ضمانات أمنية دولية موثوقة

  • عودة اللاجئين وإعادة الممتلكات

بدون هذا، كل حديث عن نزع السلاح هو حديث فارغ سيُستخدم لتبرير سنوات جديدة من الاحتلال والحصار.

إسماعيل مقبل

صحفي فلسطيني من غزة – كاتب بالشأن السياسي والعسكري بمنصة الواقع العربي، كما أملك خبرات بالتصميم الفني والإبداعي

إسماعيل مقبل
إسماعيل مقبل
صحفي فلسطيني من غزة - كاتب بالشأن السياسي والعسكري بمنصة الواقع العربي، كما أملك خبرات بالتصميم الفني والإبداعي
spot_imgspot_img

Get in Touch

1,646,921المشجعينمثل
2,573أتباعتابع
5,050أتباعتابع
spot_img

Latest Posts