في تطور صادم كشفه مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ارتفع عدد ضحايا محاولة الحصول على المساعدات الإنسانية في قطاع غزة إلى 798 شخصاً على الأقل منذ نهاية مايو الماضي، هذه الأرقام المفجعة تسلط الضوء على أزمة إنسانية متفاقمة وآلية توزيع مساعدات إشكالية تحولت إلى “مصائد موت” بحسب منظمات حقوق الإنسان.
الأرقام الصادمة: 798 ضحية في أقل من شهرين
إحصائيات الأمم المتحدة
وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن 798 شخصاً على الأقل قتلوا أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية في غزة منذ 27 مايو 2025. من بين هؤلاء:
🟥 615 شخصاً قتلوا في محيط مواقع تابعة لمؤسسة غزة الإنسانية
🟥 183 شخصاً قتلوا على طرق المساعدات الأخرى
إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية
تشير بيانات وزارة الصحة في غزة إلى أرقام مختلفة قليلاً:
- 758 شهيداً قتلوا قرب مراكز توزيع المساعدات منذ 27 مايو
- أكثر من 5,005 مصابين في نفس الفترة
- 9 مفقودين مرتبطين بهذه الحوادث
الحصار الإسرائيلي وتفاقم الأزمة الإنسانية
منذ بدء الحرب الفلسطينية الإسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، شهد قطاع غزة تصعيدًا غير مسبوق في العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي شملت قصفًا جويًا وبريًا وبحريًا مكثفًا، بالإضافة إلى فرض حصار شامل. في مارس 2025، فرضت إسرائيل حصارًا كاملاً على دخول المساعدات الغذائية والإمدادات التجارية، مما أدى إلى انهيار شبه كامل للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات، محطات تحلية المياه، وشبكات الصرف الصحي. هذا الحصار، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في غزة منذ أكتوبر 2023.
تحديات التحقق
أشارت رافينا شامداساني، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إلى أن الأرقام التي تم تسجيلها تخضع لمراجعة مستمرة، حيث تواجه المفوضية صعوبات في التحقق من الحوادث بسبب القيود على الوصول إلى المناطق المتضررة. هذا يعكس التحديات اللوجستية والأمنية التي تواجهها المنظمات الإنسانية في غزة.
الأسباب الجذرية
الحصار ونقص المساعدات
الحصار الإسرائيلي المفروض في مارس 2025 قلّص بشكل كبير دخول المساعدات إلى غزة. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة، لم يدخل القطاع سوى 906 شاحنات مساعدات منذ بدء العملية العسكرية في رفح في مايو 2024، وهو رقم ضئيل مقارنة بالاحتياجات الهائلة لأكثر من مليوني نسمة. هذا النقص أدى إلى تفاقم أزمة الجوع، حيث أصبحت المساعدات الغذائية المحدودة هدفًا للمدنيين اليائسين.
أوامر النزوح
منذ مارس 2025، أصدرت القوات الإسرائيلية أوامر نزوح متكررة، شملت مناطق مثل خان يونس، دير البلح، وجباليا. أثرت هذه الأوامر على أكثر من نصف مليون شخص، دفعتهم إلى مناطق مكتظة تفتقر إلى المأوى، المياه، والصرف الصحي. هذا النزوح الجماعي زاد من الضغط على نقاط توزيع المساعدات، مما أدى إلى الفوضى والعنف.
مؤسسة غزة الإنسانية: الذراع الإسرائيلية
تأسست مؤسسة غزة الإنسانية (Gaza Humanitarian Foundation – GHF) في أوائل عام 2025، ومقرها الرسمي في جنيف، سويسرا. المؤسسة مدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة وإسرائيل، ويرأسها القس المسيحي الصهيوني جوني مور.

الهيكل التنظيمي والقيادة
⬛ المؤسس: ستيف ويتكوف، المبعوث الرئاسي الأمريكي للشرق الأوسط
⬛ الرئيس: جوني مور، قس مسيحي صهيوني
⬛ الشركة المشغلة: SRS (Security Relief Services) – شركة أمنية غامضة بلا خبرة إغاثية
⬛ اختيار الشركة: تم بواسطة اللواء رومان غوفمان، السكرتير العسكري لنتنياهو، دون مناقصة أو إجراء قانوني سليم
نموذج العمل المثير للجدل
تخطط المؤسسة لتوزيع 300 مليون وجبة خلال 90 يوماً عبر 4 مراكز توزيع رئيسية:
- السعة الحالية: 1.2 مليون شخص
- التوسع المخطط: أكثر من 2 مليون شخص
- تكلفة الوجبة: 1.31 دولار أمريكي
- الحماية الأمنية: شركات أمنية خاصة ومتعهدون أمنيون

الانتقادات الدولية والقانونية
منظمة العفو الدولية
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً لاذعاً في يوليو 2025 تتهم فيه مؤسسة غزة الإنسانية بكونها “أداة إضافية في حملة الإبادة التي تشنها إسرائيل” وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة للمنظمة:
“إن هذه الخسائر اليومية المدمرة في الأرواح بينما يحاول الفلسطينيون اليائسون الحصول على المساعدات هي نتيجة استهدافهم المتعمّد من قبل القوات الإسرائيلية والنتيجة المتوقعة لأساليب التوزيع غير المسؤولة والمميتة”.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان
حمّل المرصد مؤسسة غزة الإنسانية “المسؤولية المباشرة عن تصاعد الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين المجوّعين”. وأكد أن النموذج المتبع “يقوم على استدراج المدنيين نحو نقاط محددة ومكشوفة تُدار بالتنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي”.
رفض أممي قاطع
ترفض الأمم المتحدة والعديد من منظمات الإغاثة التعاون مع المؤسسة، واصفة إياها بأنها “تشكلت بصورة عشوائية ومن مصادر غير موثوقة” ولا تلتزم بمبادئ “الحياد، والاستقلالية، والنزاهة”.
تكشف الأرقام المروعة لضحايا محاولة الحصول على المساعدات في غزة عن أزمة إنسانية متفاقمة وآلية توزيع مساعدات إشكالية تحولت إلى أداة للقتل والتجويع المنهجي. مقتل 798 شخصاً في أقل من شهرين، معظمهم قرب مراكز “مؤسسة غزة الإنسانية”، يؤكد فشل هذا النموذج وخطورته على حياة المدنيين.الحل القانوني للمؤسسة من قبل الحكومة السويسرية في يوليو 2025 يأتي كتأكيد على الشكوك الدولية حول شرعيتها ونواياها الحقيقية. ومع ذلك، تستمر المعاناة الإنسانية في غزة، وتبقى الحاجة ماسة لآليات إغاثة حقيقية وآمنة تحترم الكرامة الإنسانية وتضمن وصول المساعدات دون تعريض الأرواح للخطر.في ظل هذه الأزمة، يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وقانونية لضمان المحاسبة ووقف استخدام الغذاء كسلاح حرب، وضمان حق الشعب الفلسطيني في الحياة والكرامة الإنسانية.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز