في عالم يشهد تزايداً مستمراً في الاعتماد على الإنترنت للتواصل، يبرز تطبيق Bitchat كحل ثوري لتحديات الاتصال الحديثة. أطلقه جاك دورسي، المؤسس المشارك لتويتر ورئيس شركة Block، في يوليو 2025 كمشروع جانبي يهدف إلى إعادة تعريف مفهوم التواصل الرقمي. يستخدم التطبيق تقنيات Bluetooth Low Energy (BLE) المبتكرة لتمكين التواصل المباشر بين الأجهزة دون الحاجة إلى بنية تحتية تقليدية، مما يجعله حلاً مثالياً للمناطق النائية، حالات الطوارئ، والبيئات التي تفرض رقابة على الإنترنت.
الخلفية التاريخية: من الرؤية إلى التطبيق
جاك دورسي، المعروف بتأسيسه لتويتر (الآن X) وشركة Block، أطلق Bitchat كمشروع جانبي في يوليو 2025. وفقًا لمنشور له على منصة X بتاريخ 7 يوليو 2025، قضى دورسي عطلة نهاية الأسبوع في استكشاف شبكات Bluetooth المشتركة، نماذج التخزين وإعادة التوجيه، وآليات تشفير الرسائل. يعكس هذا المشروع رؤيته الأوسع لدعم البروتوكولات المفتوحة والمنصات اللامركزية، مستوحاة من ورقة مايك ماسنيك عام 2019 بعنوان “البروتوكولات، وليس المنصات: نهج تقني لحرية التعبير”. يهدف Bitchat إلى تمكين المستخدمين من التواصل بأمان وخصوصية في البيئات التي تكون فيها الشبكات التقليدية غير متاحة أو مراقبة.
من هو مايك ماسنيك؟
مايك ماسنيك رائد أعمال وصحفي أمريكي، أسس مدونة Techdirt عام 1997 التي تركز على تقاطع التكنولوجيا والسياسة والحريات المدنية. لعب دوراً محورياً في معارضة قانون مكافحة القرصنة على الإنترنت (SOPA) عام 2011، حيث أصبحت مدونته المصدر الإعلامي الأكثر ارتباطاً خلال النقاش. انضم إلى مجلس إدارة Bluesky في أغسطس 2024، والذي استوحى أيضاً من ورقته البحثية
الميزات التقنية
يعتمد Bitchat على تقنية Bluetooth Low Energy (BLE) Mesh Networks التي تسمح للأجهزة بتشكيل شبكة ديناميكية تنقل الرسائل عبر عدة قفزات. كل جهاز يعمل كعميل وخادم في نفس الوقت، مما يخلق شبكة لامركزية قابلة للتوسع
وأبرز مزايا هذه الشبكات..
اللامركزية: حيث لا يعتمد التطبيق على خوادم مركزية، مما يجعله مقاومًا للانقطاعات والرقابة.
الرسائل العابرة: يتم تخزين الرسائل فقط في ذاكرة الجهاز ويتم حذفها عند إغلاق التطبيق، مما يعزز الخصوصية.
التشفير من طرف إلى طرف: يستخدم X25519 لتبادل المفاتيح وAES-256-GCM لتشفير الرسائل الخاصة، بينما تستخدم القنوات مفاتيح مشتقة من كلمات المرور باستخدام Argon2id.
إعادة توجيه الرسائل: يمكن للرسائل القفز حتى سبع مرات (TTL=7) عبر الأجهزة الوسيطة، مما يوسع النطاق إلى حوالي 300 متر.
التخزين وإعادة التوجيه: يتم تخزين الرسائل مؤقتًا للأقران غير المتصلين وتسليمها عند إعادة الاتصال.
البروتوكول الثنائي: يستخدم هيكل حزمة مضغوطة مع حقول لنوع الرسالة، معرفات المرسل والمستلم، الطابع الزمني، TTL، والحمولة.
تحسينات الأداء: يشمل ضغط الرسائل باستخدام خوارزمية LZ4، وأوضاع تشغيل موفرة للطاقة، وفلاتر بلوم محسنة لمنع التكرار.
المخاوف الأمنية
على الرغم من الادعاءات بأن Bitchat آمن، فقد واجه التطبيق انتقادات كبيرة بسبب افتقاره إلى مراجعات أمنية خارجية. اعترف جاك دورسي بنفسه بأن التطبيق لم يخضع لاختبارات أمنية، وأضاف تحذيرًا على صفحة GitHub ينص على أن البرنامج “لم يخضع لمراجعة أمنية خارجية وقد يحتوي على ثغرات” وينصح بعدم استخدامه لأغراض حساسة حتى يتم مراجعته.
الثغرات المكتشفة
- ثغرة نظام المفضلة (Favorites)
اكتشف الباحث الأمني أليكس رادوسيا ثغرة خطيرة تسمح للمهاجمين بانتحال هوية المستخدمين عبر استغلال نظام “المفضلة”. يمكن للمهاجم اعتراض “مفاتيح الهوية” و”أزواج معرف النظير” لخداع المستخدمين.
- مشكلة السرية المستقبلية (Forward Secrecy)
تساؤلات حول تنفيذ هذه الميزة الحيوية التي تحمي الرسائل السابقة في حال اختراق المفاتيح. عدم وجود سرية مستقبلية حقيقية يعني أن اختراق مفتاح واحد قد يعرض جميع الرسائل السابقة للخطر.
- ثغرة تجاوز الذاكرة المؤقتة (Buffer Overflow)
ثغرة محتملة قد تسمح للمهاجمين بالوصول غير المصرح به إلى ذاكرة الجهاز، مما يعرض البيانات الحساسة للخطر
رد دورسي على هذه المخاوف بشفافية، حيث أعاد فتح تذكرة أمنية على GitHub بعد إغلاقها دون تعليق، مشيرًا إلى أن المشكلات الأمنية يمكن الإبلاغ عنها مباشرة. ومع ذلك، يظل التطبيق في مرحلة مبكرة، ويحذر الخبراء من الاعتماد عليه للتواصل الحساس حتى يتم إجراء مراجعات شاملة.
المقارنة مع تطبيقات مشابهة
Bitchat ليس أول تطبيق يستخدم شبكات Bluetooth المشتركة للتواصل دون اتصال. فهناك تطبيق Bridgefy، الذي اكتسب شهرة خلال احتجاجات هونغ كونغ عام 2019، يشترك في نفس المفهوم. ومع ذلك، واجه Bridgefy مشكلات أمنية كبيرة في عام 2020، بما في ذلك إمكانية إزالة وإخفاء هوية المستخدمين واعتراض الرسائل. استجاب مطورو Bridgefy لاحقًا بتبني بروتوكول Signal لتعزيز الأمان.
المقارنة بين Bitchat وBridgefy
بينما يقدم كل من Bitchat وBridgefy خدمات تواصل دون الحاجة إلى الإنترنت من خلال تقنية Bluetooth، إلا أنهما يختلفان في أهدافهما ومراحل تطويرهما. Bitchat، الذي أطلقه جاك دورسي في 2025، يركز على اللامركزية والخصوصية، حيث يعمل دون خوادم مركزية أو حسابات مستخدمين، لكنه لا يزال في مرحلة تجريبية ويفتقر إلى الفحوصات الأمنية الشاملة. من ناحية أخرى، Bridgefy، الذي تأسس عام 2014، أثبت جدارته كأداة موثوقة للتواصل في المناطق التي تفتقر إلى الإنترنت، مثل الاحتجاجات والكوارث الطبيعية، وقد عزز أمانه من خلال تبني بروتوكول Signal. بالتالي، يمثل Bitchat نهجًا مبتكرًا للتواصل اللامركزي، بينما يوفر Bridgefy حلاً مثبتًا للتواصل دون اتصال في الظروف الحرجة.
الميزات التقنية لكليهما
🟥 Bitchat: يستخدم Bluetooth Low Energy (BLE) مع نطاق يصل إلى 300 متر عبر إعادة توجيه الرسائل، وهو مفتوح المصدر، مع رسائل عابرة وتشفير قوي.
🟥 Bridgefy: يعتمد على شبكات Bluetooth المشتركة مع نطاق 100 متر لكل قفزة، ويقدم SDK تجاريًا، وقد عزز أمانه ببروتوكول Signal.
حالات الاستخدام المحتملة
تجعل ميزات Bitchat الفريدة مناسبة لمجموعة من السيناريوهات:
الكوارث الطبيعية: في حالات مثل الزلازل أو الأعاصير، حيث تنقطع الشبكات التقليدية، يمكن لـ Bitchat تمكين الناجين من تنسيق جهود الإنقاذ ومشاركة المعلومات.
المناطق النائية: في المناطق ذات البنية التحتية المحدودة، يدعم التطبيق التواصل المحلي.
الاحتجاجات والنشاط السياسي: في البيئات التي تفرض فيها الحكومات انقطاعات الإنترنت، يوفر Bitchat بديلاً آمنًا.
الأحداث الكبيرة: في الحفلات الموسيقية أو المهرجانات، حيث تكون الشبكات الخلوية مثقلة، يساعد التطبيق في الحفاظ على التواصل.
الخصوصية: للمستخدمين الذين يرغبون في تجنب جمع البيانات من قبل المنصات المركزية، يقدم Bitchat خيارًا خاليًا من التتبع.
استجابة المجتمع التقني
منذ إطلاقه، أثار Bitchat اهتمامًا كبيرًا في المجتمع التقني. شهدت صفحة GitHub الخاصة بالتطبيق مساهمات نشطة، بما في ذلك نسخة أندرويد تم تطويرها بسرعة بواسطة المجتمع. على منصات مثل Hacker News، اقترح المستخدمون أفكارًا مبتكرة مثل دمج المدفوعات الصغيرة لتحفيز إعادة توجيه الرسائل، مما قد يوسع نطاق الشبكة.
ومع ذلك، فإن المخاوف الأمنية قللت من بعض الحماس. أشار باحثون مثل Radocea إلى أن التطبيق قد خضع لبعض التدقيق الأمني غير الرسمي، مع نتائج غير مشجعة. كما أثارت منشورات على X مخاوف من بعض المستخدمين، مثل @divya_gandotra، الذين حذروا من أن التشفير الكامل قد يشكل تهديدًا للأمن القومي في بعض السياقات.
الآفاق المستقبلية
يعتمد نجاح Bitchat على قدرته على معالجة المخاوف الأمنية من خلال مراجعات شاملة وتحسينات في الكود. طبيعته مفتوحة المصدر توفر فرصة للتعاون الجماعي، مما قد يسرع عملية التطوير. اقترحت تحديثات مستقبلية، مثل دعم Wi-Fi Direct، توسيع نطاق الاتصال، مما يعزز من فائدته.
مع تزايد الوعي بقضايا الخصوصية، قد يجد Bitchat سوقًا متخصصة بين النشطاء، المستخدمين في المناطق النائية، وأولئك الذين يبحثون عن بدائل للمنصات المركزية. إذا تمكن فريق التطوير من تعزيز الأمان، فقد يصبح Bitchat أداة رائدة في التواصل اللامركزي.
يمثل Bitchat خطوة جريئة نحو إعادة تعريف التواصل في البيئات الصعبة. من خلال الاستفادة من شبكات Bluetooth المشتركة، والتشفير من طرف إلى طرف، والتصميم اللامركزي، يقدم التطبيق حلاً واعدًا للتواصل دون اتصال. ومع ذلك، فإن المخاوف الأمنية الحالية تتطلب اهتمامًا فوريًا لضمان الثقة والتبني. مع استمرار التطوير ودعم المجتمع مفتوح المصدر، يمكن أن يصبح Bitchat أداة حيوية للأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم، مما يتيح لهم البقاء متصلين في مواجهة التحديات والرقابة.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز
