يشهد المشهد السياسي الأمريكي حاليًا صراعًا سياسيًا واجتماعيًا معقدًا، يتقاطع فيه الظلم التاريخي مع الطموح السياسي والمقاومة ضد الخطاب الشعبوي. في قلب هذا الصراع، يبرز يوسف سلام، أحد أعضاء “الخمسة المبرأين” في قضية سنترال بارك، وزهران مامداني، المرشح الديمقراطي الاشتراكي لمنصب عمدة نيويورك، كرمزين للتحدي والتغيير. يواجه كلاهما الرئيس دونالد ترامب، الذي لعب دورًا مثيرًا للجدل في قضية سنترال بارك ويستمر في مهاجمة سياساتهما التقدمية. يستعرض هذا التقرير رحلتهما، وتأثيرهما على المجتمع الأمريكي، والتحديات المستقبلية في سياق انتخابات عمدة نيويورك 2025.
الفصل الأول: يوسف سلام – من الظلم إلى العدالة
بداية القصة
في عام 1989، هزت جريمة الاعتداء على عداءة بيضاء في سنترال بارك مدينة نيويورك، مما أدى إلى اعتقال خمسة مراهقين من السود واللاتينيين، تراوحت أعمارهم بين 14 و16 عامًا، عُرفوا باسم “الخمسة من سنترال بارك”. كان يوسف سلام، البالغ من العمر 15 عامًا آنذاك، أحد هؤلاء الشبان. وُصف سلام بأنه “طفل مليء بالأمل والأحلام”، لكن حياته انقلبت رأسًا على عقب عندما أصبح رمزًا للظلم العنصري في النظام القضائي الأمريكي.
الإدانة الخاطئة والسجن
على الرغم من عدم وجود دليل DNA يربط الخمسة بالجريمة، أُدينوا بناءً على اعترافات انتُزعت تحت ضغط الشرطة. قضى سلام حوالي سبع سنوات في السجن، واصفًا تجربته بأنها “حفرة لا يمكن ملؤها”. أشار إلى أن “فقط من مروا بنظام السجون الصناعية يفهمون عمق هذا الألم”، مما يعكس الصدمة النفسية والاجتماعية التي عاناها.

التبرئة والتعويض
في عام 2002، برّأت المحكمة سلام ورفاقه الأربعة بعد اعتراف الجاني الحقيقي، ماتياس رييس، بالجريمة، وتأكيد الأدلة الجينية لبراءتهم. أصبحوا يُعرفون بـ”الخمسة المبرأين”. في عام 2014، حصلوا على تسوية مالية بقيمة 41 مليون دولار من مدينة نيويورك كتعويض عن الظلم الذي تعرضوا له.

الحياة بعد التبرئة
بعد إطلاق سراحه، تحول سلام إلى متحدث تحفيزي ومؤلف، حيث أصدر كتابه “Better, Not Bitter: Living On Purpose In The Pursuit Of Racial Justice”. كما انضم إلى مجلس إدارة مشروع البراءة وحصل على جائزة الإنجاز مدى الحياة من الرئيس باراك أوباما في 2016، مما يعكس تأثيره كمدافع عن العدالة الاجتماعية.
الطريق إلى السياسة
في عام 2023، ترشح سلام لمجلس مدينة نيويورك عن الدائرة التاسعة في هارلم، وفاز في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية بنسبة 50.7% من الأصوات، ليصبح عضوًا في المجلس في يناير 2024. في خطاب النصر، قال: “لقد أعاد ما حدث في هذه الحملة إيماني بمعرفة أنني وُلدت لهذا”، مشيرًا إلى إحساسه بالهدف في خدمة مجتمعه.

توجهاته السياسية
يركز سلام على إصلاح العدالة الجنائية، توفير الإسكان الميسور التكلفة، وتحسين التعليم. أكد أنه لا يدعو إلى إلغاء الشرطة، بل إلى “إعادة تحديد نطاق عملها” من خلال توزيع الموارد لدعم الخدمات الاجتماعية، مما يعكس رؤيته لتحقيق عدالة شاملة.
الفصل الثاني: زهران مامداني – الصعود السياسي المفاجئ
الخلفية الشخصية
وُلد زهران كوامي مامداني عام 1991 في كمبالا، أوغندا، لعائلة هندية. والده، الأكاديمي محمود مامداني، ووالدته، المخرجة ميرا ناير، هاجرا إلى جنوب إفريقيا ثم إلى الولايات المتحدة. تخرج مامداني من مدرسة برونكس الثانوية للعلوم وحصل على درجة البكالوريوس في الدراسات الأفريقية الأمريكية من كلية بودوين. عمل كمستشار إسكان وموسيقي هيب هوب قبل دخوله السياسة.
الدخول في السياسة
بدأ مامداني مسيرته السياسية كمدير حملة انتخابية، ثم انتُخب في 2020 لعضوية جمعية ولاية نيويورك عن الدائرة 36 في كوينز، بعد فوزه على المرشحة الحالية أرافيلا سيموتاس في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية.

المسار نحو عمدة نيويورك
في أكتوبر 2024، أعلن مامداني ترشحه لمنصب عمدة نيويورك في انتخابات 2025. تضمنت منصته الانتخابية دعم النقل العام المجاني، الرعاية العامة للأطفال، المتاجر المملوكة للمدينة، وتجميد الإيجارات للوحدات المدعومة. في 24 يونيو 2025، حقق انتصارًا مذهلاً في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، متغلبًا على الحاكم السابق أندرو كومو بنسبة 56.2% مقابل 43.8%، في نتيجة وُصفت بـ”الزلزال السياسي”.
الدعم والتأييد
حظي مامداني بدعم شخصيات بارزة مثل بيرني ساندرز وألكسندريا أوكاسيو-كورتيز، إلى جانب أكثر من 20,000 متبرع فردي و40,000 متطوع، مما يعكس قاعدة شعبية قوية.
الفصل الثالث: ترامب والصراع مع “الخمسة المبرأين”
الإعلان المشؤوم عام 1989
في مايو 1989، اشترى دونالد ترامب إعلانات بصفحة كاملة في أربع صحف نيويوركية كبرى، بتكلفة 85,000 دولار، تحت عنوان “أعيدوا عقوبة الإعدام”. استهدفت الإعلانات الخمسة المراهقين المتهمين في قضية سنترال بارك، حيث كتب ترامب: “أريد أن أكره هؤلاء المجرمين والقتلة… يجب أن يُجبروا على المعاناة”. هذه الإعلانات ساهمت في تأجيج الرأي العام ضد المتهمين.
الرفض المستمر للاعتذار
على الرغم من تبرئة الخمسة في 2002، رفض ترامب الاعتذار. في 2019، قال في البيت الأبيض: “لديكم أشخاص من الجانبين. لقد اعترفوا بذنبهم”، وهي تصريحات كاذبة، حيث لم يقر الخمسة بالذنب أبدًا.
المواجهة في مناظرة 2024
خلال مناظرة رئاسية في سبتمبر 2024 مع كامالا هاريس، كرر ترامب ادعاءاته الكاذبة، قائلاً إن الخمسة “اعترفوا بالذنب” و”قتلوا شخصًا”، رغم أن الضحية لم تُقتل. هذه التصريحات أثارت غضبًا واسعًا.
الدعوى القضائية
في أكتوبر 2024، رفع الخمسة المبرأون دعوى تشهير ضد ترامب بسبب تصريحاته في المناظرة. في أبريل 2025، رفضت المحكمة الفيدرالية طلب ترامب بإسقاط الدعوى، مما يعزز فرص المدعين في السعي لتصحيح السجل.
الفصل الرابع: الصراع مع مامداني
مواقف مامداني من فلسطين
أدان مامداني “الفصل العنصري الإسرائيلي” في 2023، ودعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (BDS). قدم مشروع قانون “ليس بأموالنا!” لحظر التبرعات للمنظمات المتورطة في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. بعد هجمات 7 أكتوبر، أصدر بيانًا يدين العنف من الطرفين، لكنه أكد أن إنهاء “الاحتلال” هو السبيل للسلام.

في 2025، تعهد مامداني بدعم الإجراءات القانونية لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا زار نيويورك، مستندًا إلى مذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية. كما رفض إدانة شعار “اجعلوا الانتفاضة عالمية”، واصفًا إياه برمز التضامن مع الفلسطينيين.
رد فعل ترامب
هاجم ترامب مامداني بشدة، واصفًا إياه بـ”الشيوعي”، وقال: “لقد قال أشياء سيئة جدًا عن الشعب اليهودي”. في يوليو 2025، صعد ترامب من تهديداته، قائلاً: “بصفتي رئيسًا، لن أسمح لهذا الشيوعي المجنون بتدمير نيويورك”، مهددًا بقطع التمويل الفيدرالي عن المدينة.
الفصل الخامس: السيناريوهات المستقبلية
انتخابات عمدة نيويورك 2025
تشهد انتخابات 2025 منافسة غير مسبوقة، حيث يواجه مامداني أربعة مرشحين على الأقل: إريك آدامز (مستقل)، كورتيس سليوا (جمهوري)، أندرو كومو (مستقل)، وجيم والدن (مستقل). تُظهر استطلاعات الرأي تقدم مامداني بنسبة 35-41%، بفارق 10 نقاط عن أقرب منافسيه، لكن النتائج النهائية غير مؤكدة حتى نوفمبر 2025.
المرشح | الحزب/الوضع | نسبة الدعم (استطلاعات) |
---|---|---|
زهران مامداني | ديمقراطي | 35-41% |
إريك آدامز | مستقل | غير محدد |
كورتيس سليوا | جمهوري | غير محدد |
أندرو كومو | مستقل | غير محدد |
جيم والدن | مستقل | غير محدد |

تأثير الفوز المحتمل
إذا فاز مامداني، سيصبح أول عمدة مسلم لنيويورك وأصغر عمدة منذ 1914. تشمل خططه:
🟥 جعل الحافلات مجانية.
🟥 تجميد الإيجارات للشقق المدعومة.
🟥 إنشاء متاجر مملوكة للمدينة.
🟥 رفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولارًا بحلول 2030.
🟥 زيادة الضرائب على الشركات والأثرياء بـ10 مليارات دولار.
التحديات المتوقعة
يواجه مامداني تحديات كبيرة، حيث تتطلب مقترحاته موافقة الولاية. الحاكمة كاثي هوكول أبدت تشككًا في خططه، ومجتمع الأعمال، خاصة مطوري العقارات، عبر عن “صدمة ورعب” من احتمال فوزه.
الفصل السادس: تأثير القضية على المجتمع الأمريكي
الرمزية السياسية
يُنظر إلى سلام ومامداني كرمزين للمقاومة ضد سياسات ترامب. يعكس صعودهما قدرة الأمريكيين المهمشين على تحدي المؤسسة والوصول إلى السلطة، مما يمثل انتصارًا للعدالة الاجتماعية والسياسات التقدمية.
التأثير على الحزب الديمقراطي
انتصار مامداني في الانتخابات التمهيدية وُصف بـ”نقطة تحول”، حيث أظهر جدوى السياسات اليسارية ودعم الحقوق الفلسطينية. قال أوساما الأندرابي من “ديمقراطيو العدالة”: “السماء هي الحد للتقدميين الذين يوحدون الطبقة العاملة ضد المليارديرات”.
التحديات الاجتماعية
يواجه سلام ديونًا ضريبية تتراوح بين 100,000 و250,000 دولار، بينما يواجه مامداني انتقادات من الجماعات اليهودية والمحافظين بسبب مواقفه من إسرائيل. كما أن والده، محمود مامداني، يواجه انتقادات بسبب عضويته في مجلس استشاري لمنظمة مناهضة لإسرائيل.
تمثل قصة يوسف سلام وزهران مامداني رحلة ملهمة من الظلم إلى القيادة، ومن الهامش إلى مركز السلطة. يرمز صعودهما إلى إمكانية التغيير في مواجهة التحديات، سواء كانت ظلمًا قضائيًا أو هجمات سياسية. بينما يستمر الصراع مع ترامب، يبرز الجيل الجديد من القادة كدليل على أن العدالة، مهما طال الزمن، ستسود في النهاية.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز