spot_imgspot_img

نظرة في حمية دروز إسرائيل وسوريا: مقارنة مع حمية العرب تجاه غزة في ظل أحداث السويداء

تُعدّ الطائفة الدرزية واحدة من الأقليات الدينية الفريدة في الشرق الأوسط، حيث تتميز بتاريخ طويل من النزاعات للحفاظ على هويتها الثقافية والدينية في ظل الصراعات الإقليمية. في الآونة الأخيرة، برزت أحداث السويداء في سوريا كمثال بارز على “حمية” الدروز، أي روح التضامن والوحدة التي تجمع أبناء الطائفة عبر الحدود، حيث تحرك دروز إسرائيل لدعم طائفتهم من الموجودين في السويداء، في المقابل، تظهر قضية فلسطين، وخاصة غزة، كمثال معاكس، حيث يبدو أن “حمية” العرب تجاه إخوانهم في غزة تفتقر كليًا إلى هذا الزخم، مع قيود صارمة تفرضها الدول المحيطة بإسرائيل (مصر، الأردن) على أي محاولات شعبية لدعم الفلسطينيين عند الحدود

السياق التاريخي للدروز في سوريا وإسرائيل

الدروز، أو الموحدون كما يطلقون على أنفسهم، هم طائفة دينية منشقة عن الإسلام الإسماعيلي، تتميز بفلسفة توحيدية وسرية دينية. يتركز وجودهم بشكل رئيسي في سوريا، لبنان، إسرائيل، والأردن. في سوريا، يشكل الدروز غالبية سكان محافظة السويداء، حيث يتمتعون بدرجة من الحكم الذاتي التاريخي منذ العهد العثماني، حاول الدروز الحفاظ على حيادهم، رافضين الانخراط الكامل مع نظام بشار الأسد أو المعارضة، مع تشكيل ميليشيات محلية مثل “حركة رجال الكرامة” لحماية مناطقهم.

في إسرائيل، يشكل الدروز حوالي 1.6% من السكان (حوالي 143,000 نسمة في 2019)، ويتركزون في الجليل، الكرمل، وهضبة الجولان المحتلة. منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، تم الاعتراف بالدروز كمجتمع ديني منفصل، وأصبحوا الطائفة العربية الوحيدة التي تخضع للتجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي، حيث يخدم 83% من شبابهم في الجيش. هذا “ميثاق الدم” مع إسرائيل جعل الدروز حلفاء تاريخيين للدولة العبرية، رغم شعورهم بالتهميش بسبب قوانين مثل قانون “الدولة القومية” لعام 2018، الذي يعرّف إسرائيل كدولة يهودية.

أحداث السويداء: مظهر من مظاهر الحمية الدرزية

في يوليو 2025، شهدت محافظة السويداء تصعيدًا عسكريًا خطيرًا، حيث اندلعت اشتباكات بين ميليشيات درزية وعشائر بدوية، أسفرت عن مقتل أكثر من 248 شخصًا، بينهم 71 مدنيًا من السويداء، و156 من قوات الأمن السورية، و21 أُعدموا ميدانيًا. دخلت القوات الحكومية السورية المدينة لفرض الأمن، لكن هذا التدخل قوبل برفض درزي واسع، حيث اتهم زعيم روحي درزي، حكمت الهجري، الحكومة بشن “حرب إبادة” ضد الدروز، مما أجج التوترات.

مشهد لدروز يقتحمون الحدود
مشهد لدروز يقتحمون الحدود

في هذا السياق، تحرك دروز إسرائيل بشكل لافت لدعم إخوانهم في السويداء. في 15 يوليو 2025، نظم الدروز في إسرائيل احتجاجات حاشدة في حيفا وشفا عمرو، وتجاوز الأمر ذلك عندما اقتحم عشرات الدروز من قرية مجدل شمس في الجولان الحدود السورية لدعم الدروز في السويداء. هذه الخطوة، التي وصفتها وسائل إعلام بأنها محاولة لـ”دروز سوريا”، عكست عمق التضامن الدرزي عبر الحدود.

الجيش الإسرائيلي أعلن أنه رصد “عشرات المشتبه بهم” يحاولون التسلل، لكنه لم يتخذ إجراءات صارمة ضدهم، بل عزز وجوده العسكري على الحدود بثلاث سرايا “لمنع اقتحام جماعي معاكس”.

دور إسرائيل: دعم شكلي أم استراتيجي؟

إسرائيل استغلت أحداث السويداء لتبرير تدخلاتها في سوريا تحت شعار “حماية الدروز”. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس أكدا التزامهما بمنع إلحاق الأذى بالدروز، مشيرين إلى “التحالف الأخوي العميق” مع الدروز في إسرائيل. الجيش الإسرائيلي نفذ غارات جوية على مواقع عسكرية سورية في السويداء ودمشق، مدعيًا أنها تهدف إلى منع تقدم القوات الحكومية نحو القرى الدرزية. كما أعلن عن نقل مصابين دروز سوريين للعلاج في مستشفيات إسرائيلية، وتشغيل منشأة صحية في جنوب سوريا لعلاجهم.

لكن هذا الدعم يثير تساؤلات حول دوافعه. يرى محللون أن إسرائيل تسعى لاستخدام الدروز كجسر لتوسيع نفوذها في جنوب سوريا، خاصة في ظل التنافس الإقليمي مع تركيا. تصريحات نتنياهو التي وصفت الحكومة السورية الجديدة بـ”النظام الإسلامي المتطرف”، وطلبه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدم رفع العقوبات عن سوريا، تشير إلى استراتيجية تهدف إلى إضعاف دمشق وتبرير التدخل العسكري. في الوقت ذاته، يبدو أن إسرائيل تتغاضى عن تحركات الدروز عبر الحدود، مما يعزز الشكوك حول دعمها الضمني لهذه التحركات.

ومع ذلك، رفض زعماء الدروز الشرفاء في سوريا التدخل الإسرائيلي، مؤكدين تمسكهم بوحدة سوريا ورفضهم للتقسيم. هذا الرفض يعكس وعيًا درزيًا بأن دعم إسرائيل قد يكون أداة لتحقيق أهداف جيوسياسية، وليس تعبيرًا عن تضامن حقيقي.

مقارنة مع حمية العرب تجاه غزة

في المقابل، تظهر قضية غزة تباينًا صارخًا في مستوى التضامن العربي. منذ تصاعد الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وواجه القطاع حصارًا خانقًا أدى إلى كارثة إنسانية. رغم تعاطف الشعوب العربية الواسع مع القضية الفلسطينية، فإن التحركات الشعبية لدعم غزة تواجه قيودًا صارمة من الحكومات العربية، خاصة في مصر والأردن، وهما الدولتان المتجاورتان لغزة.

في مصر، التي تشترك بحدود مباشرة مع غزة عبر معبر رفح، تفرض السلطات قيودًا مشددة على أي تحركات شعبية قرب الحدود. المواطنون الذين يحاولون الوصول إلى الحدود لتقديم مساعدات أو التعبير عن التضامن يواجهون الاعتقال، بل واتهامات بالإرهاب في بعض الحالات. تقارير تشير إلى استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، بما في ذلك التعذيب، مما يعكس سياسة صارمة لمنع أي تحرك شعبي قد يُنظر إليه كتحدٍ للسيطرة الأمنية أو العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

في الأردن، الوضع مشابه. رغم وجود تعاطف شعبي كبير مع غزة، فإن السلطات تمنع التظاهرات الكبيرة قرب الحدود مع فلسطين المحتلة، وتتعامل بصرامة مع أي محاولات لتنظيم قوافل مساعدات أو تحركات جماعية. هذه القيود تأتي في سياق اتفاقيات السلام مع إسرائيل (وادي عربة 1994)، والتي تلزم الأردن بضبط الأمن على الحدود.

هذا التباين يبرز عند مقارنة تحركات دروز إسرائيل مع غياب تحركات مماثلة من العرب في مصر والأردن. بينما تمكن الدروز من اقتحام الحدود السورية بدعم ضمني من إسرائيل، يُمنع العرب في مصر والأردن من الاقتراب من حدود غزة، رغم أن القضية الفلسطينية تُعتبر قضية مركزية في الوعي العربي.

هذا الفارق يعكس ليس فقط اختلافات في السياسات الحكومية، بل أيضًا في ديناميكيات الهوية الجماعية. الدروز، كطائفة صغيرة ومتماسكة، يمتلكون إحساسًا قويًا بالتضامن العابر للحدود، مدعومًا بتاريخهم من الصمود والاستقلالية. أما العرب، رغم تعدادهم الكبير، فيواجهون تحديات الانقسامات السياسية والقمع الحكومي، مما يحد من قدرتهم على تحويل “الحمية” إلى فعل جماعي.

تحليل الأسباب والدوافع

  1. الهوية الدرزية وتنظيم المجتمع: الدروز يتمتعون بهيكلية اجتماعية ودينية مركزية، مع قادة روحيين مثل مشايخ العقل (حكمت الهجري في سوريا، موفق طريف في إسرائيل) يلعبون دورًا كبيرًا في توجيه المجتمع. هذه البنية تتيح استجابة سريعة ومنظمة للأزمات.
    في المقابل، العرب في مصر والأردن يفتقرون إلى هيكلية مماثلة، حيث تتوزع ولاءاتهم بين أحزاب سياسية وقبائل وتيارات إسلامية متنوعة، مما يصعب التنسيق الجماعي.

  2. السياسات الحكومية: إسرائيل، رغم تصريحاتها الرسمية ضد اقتحام الحدود، تتغاضى عن تحركات الدروز، لأنها تخدم أهدافها الاستراتيجية في سوريا. في المقابل، مصر والأردن، بسبب اتفاقياتهما مع إسرائيل وضغوط دولية، تتبنيان سياسات صارمة لمنع أي تحركات شعبية قد تهدد استقرار العلاقات الدبلوماسية.

  3. الدعم الخارجي: إسرائيل تقدم دعمًا لوجستيًا وعسكريًا للدروز، سواء عبر غارات جوية أو نقل مصابين، مما يعزز قدرتهم على التحرك. في المقابل، لا توجد دولة تقدم دعمًا مماثلاً للشعوب العربية المتعاطفة مع غزة، بل إن القوى الإقليمية مثل مصر تُعرقل إيصال المساعدات الإنسانية لغزة.

  4. السياق الإقليمي: أحداث السويداء تحدث في سياق فوضى ما بعد سقوط نظام الأسد، مما يتيح مساحة لتحركات الدروز. أما غزة، فهي تحت حصار إسرائيلي مشدد، مع مراقبة دولية للحدود، مما يجعل أي تحرك شعبي محفوفًا بالمخاطر.

الانتقادات والجدل

تثير تحركات دروز إسرائيل لدعم السويداء انتقادات واسعة في الأوساط العربية. بعض المنشورات على منصة إكس وصفت هؤلاء الدروز بـ”الخونة”، مشيرة إلى مشاركتهم في الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة، بينما يظهرون “حمية” تجاه دروز سوريا. هذه الانتقادات تعكس إحباطًا من غياب تضامن عربي مماثل مع غزة، حيث يُنظر إلى القيود المفروضة في مصر والأردن كدليل على “طمس الحمية” العربية.

في الوقت ذاته، يرى البعض أن مقارنة “الحمية” الدرزية بـ”الحمية” العربية غير عادلة، نظرًا لاختلاف السياقات. الدروز، كأقلية مضطهدة في سوريا، يواجهون تهديدات مباشرة، بينما القضية الفلسطينية، رغم مركزيتها، تتأثر بتعقيدات دبلوماسية وأمنية تمنع التحركات الشعبية.

تكشف أحداث السويداء عن قوة “الحمية” الدرزية، التي تجاوزت الحدود بين إسرائيل وسوريا، مدعومة بدور إسرائيلي استراتيجي يخدم أهدافها في جنوب سوريا. في المقابل، تظهر قضية غزة غياب “حمية” عربية مماثلة، نتيجة قيود حكومية مشددة في مصر والأردن، وغياب دعم خارجي مماثل لما يحظى به الدروز. هذا التباين يعكس ليس فقط اختلافات في الهوية الجماعية، بل أيضًا تأثير السياسات الحكومية والسياقات الإقليمية. في النهاية، تظل قضية فلسطين رمزًا للوحدة العربية المأمولة، لكن تحقيق “حمية” فعالة يتطلب تغييرات جذرية في السياسات الحكومية وتنسيقًا أكبر بين الشعوب العربية.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

فريق التحرير
فريق التحريرhttps://alwaqie-ar.net
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز
spot_imgspot_img

Get in Touch

1,621,062المشجعينمثل
1,838أتباعتابع
5,146أتباعتابع
spot_img

Latest Posts