spot_imgspot_img

ماذا يعني فتح ممر بري من السويداء إلى مناطق الأكراد: الجدوى والتداعيات؟

تشهد محافظة السويداء، الواقعة جنوب سوريا والتي تُعدّ معقل الطائفة الدرزية، تصعيدًا أمنيًا غير مسبوق في الفترة الأخيرة، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين فصائل درزية وعشائر بدوية، أسفرت عن سقوط مئات الضحايا، وسط تدخلات إقليمية معقدة، خاصة من إسرائيل. في هذا السياق، أثارت الرئاسة الروحية للموحدين الدروز في سوريا، بقيادة الشيخ حكمت الهجري، جدلًا واسعًا بمطالبتها بفتح الطرق نحو مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا، وهي خطوة أُعتبرت من قبل البعض محاولة لتعزيز الانفصال عن سلطة الدولة السورية. يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل محايد ومعمق للأحداث، مع التركيز على دعم سيادة الحكومة السورية واستقرار البلاد، مع الابتعاد عن تأييد أي توجهات انفصالية، خاصة تلك المرتبطة بشخصيات مثل حكمت الهجري، الذي يُنظر إليه كمعارض للوحدة الوطنية.

السياق العام للأحداث في السويداء

خلفية الأزمة

منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، واجهت الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع تحديات كبيرة في فرض سيطرتها على كامل الأراضي السورية. محافظة السويداء، التي تُعد موطنًا لنحو 700 ألف درزي، ظلت خارج السيطرة الكاملة للسلطات الجديدة، حيث حافظت الفصائل المحلية، بما في ذلك الميليشيات الدرزية، على وجود عسكري مستقل. هذا الوضع أدى إلى احتكاكات متكررة مع القوات الحكومية، خاصة بعد محاولات دمشق دمج هذه الفصائل في الجيش النظامي أو نزع سلاحها.

في يوليو 2025، تصاعدت التوترات في السويداء بعد سلسلة من الاشتباكات بين مسلحين دروز وعشائر بدوية، بدأت بسبب عمليات خطف متبادلة، وأدت إلى مقتل أكثر من 250 شخصًا، وفقًا لتقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان. هذه الاشتباكات، التي استخدمت فيها أسلحة ثقيلة ومتوسطة، أعادت إلى الواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها الحكومة السورية في ظل انتشار السلاح وغياب سيطرة مركزية قوية.

موقف الرئاسة الروحية للدروز

أصدرت الرئاسة الروحية للموحدين الدروز بيانات متضاربة حول الأحداث. في البداية، استنكرت الاشتباكات، واصفة إياها بـ”فتنة خفية مقيتة”، ودعت الحكومة السورية إلى ضبط الأمن، خاصة على طريق دمشق-السويداء. ومع ذلك، أثارت مطالبة الرئاسة الروحية للدروز، بقيادة الشيخ حكمت الهجري، بفتح الطرق نحو مناطق سيطرة “قسد” جدلًا كبيرًا، حيث رأى البعض في هذه الخطوة محاولة لتعزيز التواصل مع قوى خارجية، مما يُضعف سيادة الدولة. هذا الموقف، الذي عززته تصريحات الهجري الداعية إلى تدخل دولي من الولايات المتحدة وإسرائيل، أثار انتقادات حادة من نشطاء ومواطنين سوريين، الذين اعتبروا هذه الدعوات تأييدًا للانفصال وخيانة للوحدة الوطنية.

التدخل الإسرائيلي

في خضم هذه الاشتباكات، نفذت إسرائيل سلسلة غارات جوية على مواقع عسكرية سورية في السويداء ودمشق، مبررة ذلك بـ”حماية الدروز” من هجمات القوات الحكومية. وقد أعلن الجيش الإسرائيلي استهداف دبابات ومواقع عسكرية، معتبرًا أن أي تهديد للدروز في جنوب سوريا يُعد تهديدًا لأمنه القومي. هذه التدخلات أثارت غضب الحكومة السورية، التي اتهمت إسرائيل باستغلال الأحداث لتبرير انتهاكاتها المتكررة للسيادة السورية. في المقابل، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من تصعيد إسرائيل، حيث طالب مسؤول أمريكي إسرائيل بوقف غاراتها، مما يعكس موقفًا أمريكيًا أكثر حيادية تجاه الصراع بين الحكومة السورية وإسرائيل.

🟥 غارات قرب قصر الشعب

Posted by ‎الواقع العربي‎ on Wednesday, July 16, 2025

تحليل المواقف

موقف الحكومة السورية

الحكومة السورية، بقيادة أحمد الشرع، تسعى لفرض سيطرتها على السويداء من خلال دمج الفصائل المسلحة في الجيش النظامي ونزع السلاح غير القانوني، وهي خطوة تُعد ضرورية لاستعادة الاستقرار وتوحيد البلاد. رغم التحديات، نجحت الحكومة في التوصل إلى اتفاقات تهدئة مع وجهاء دروز في مايو 2025، سمحت بإدارة الأمن المحلي من قبل فصائل درزية مؤقتًا. ومع ذلك، فإن استمرار الاشتباكات ورفض بعض الفصائل، بقيادة شخصيات مثل حكمت الهجري، تسليم السلاح، يُعيق جهود الحكومة.

الحكومة أظهرت التزامًا بحماية الأقليات، بما في ذلك الدروز، كما أكد الشرع في اتفاقياته مع وجهاء السويداء في مارس 2025، التي تضمنت الاعتراف بالهوية الثقافية للدروز وتشكيل قوات شرطة محلية. هذه الخطوات تُظهر رغبة الحكومة في تحقيق التوازن بين فرض السيادة واحترام خصوصيات المكونات الاجتماعية.

موقف الرئاسة الروحية للدروز والاتهامات بالانفصال

الرئاسة الروحية، بقيادة حكمت الهجري، تبنت مواقف مثيرة للجدل، خاصة مع دعوتها لتدخل دولي وفتح الطرق نحو مناطق “قسد”. هذه المطالبة أثارت شكوكًا حول نواياها، حيث يرى العديد من السوريين أنها تُعزز الانفصالية وتُضعف سلطة الدولة. تصريحات قادة دروز آخرين، مثل بهاء الجمال، الذي أعلن رفض الدستور المؤقت وعدم الاعتراف بأحمد الشرع، عززت هذه الانطباعات.

يُشار إلى أن هذه المواقف لا تعكس بالضرورة إجماع الطائفة الدرزية، حيث أبدى نشطاء مثل أسعد الفارس دعمهم لتدخل الحكومة لفرض الأمن والتخلص من الفصائل غير المنضبطة.

موقف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)

قوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، أبدت استعدادًا للتعاون مع الحكومة السورية من خلال اتفاقيات اندماج مؤسساتها في الدولة، كما حدث في مارس 2025. ومع ذلك، فإن دعوة الدروز لفتح الطرق نحو مناطق “قسد” تُثير تساؤلات حول محاولات إقامة تحالفات إقليمية تتجاوز سلطة دمشق، مما قد يُعقد جهود توحيد البلاد. “قسد” نفسها تواجه تحديات داخلية، بما في ذلك الاشتباكات مع عشائر عربية في دير الزور، مما يُقلل من احتمالية انخراطها المباشر في أزمة السويداء.

الموقف الأمريكي والإسرائيلي

الولايات المتحدة، رغم دعمها التاريخي لإسرائيل، اتخذت موقفًا أكثر حيادية في الأزمة الأخيرة، حيث دعت إسرائيل إلى وقف غاراتها على القوات السورية في الجنوب. هذا الموقف يعكس رغبة واشنطن في تجنب تصعيد إقليمي قد يُعيق استقرار سوريا بعد سقوط الأسد. في المقابل، تواصل إسرائيل استغلال الأحداث لتعزيز نفوذها، حيث أعلنت عن إنشاء “منطقة منزوعة السلاح” في جنوب سوريا، وهي خطوة رفضتها دمشق بشدة.

تقييم الوضع

التحديات الأمنية

تُعد السويداء نموذجًا مصغرًا للتحديات التي تواجهها الحكومة السورية في إعادة بناء الدولة. انتشار السلاح، وجود فصائل مسلحة مستقلة، والتدخلات الخارجية، خاصة من إسرائيل، تُعيق جهود فرض الأمن. إضافة إلى ذلك، فإن التوترات بين الدروز والعشائر البدوية تُفاقم الانقسامات الاجتماعية، مما يتطلب حلولاً شاملة تراعي التنوع الثقافي مع تعزيز السيادة الوطنية.

الانفصالية وتهديد الوحدة الوطنية

مواقف شخصيات مثل حكمت الهجري، التي تدعو إلى تدخل دولي وتعاون مع قوى خارجية مثل “قسد”، تُشكل خطرًا على الوحدة الوطنية. هذه المواقف، التي تُصور على نطاق واسع كانفصالية، تُعيق جهود الحكومة في بناء دولة موحدة. ومع ذلك، فإن دعم شرائح من الدروز لتدخل الحكومة، كما عبر عنه نشطاء مثل أسعد الفارس، يُظهر أن هناك إمكانية للتعاون بين الدروز والدولة إذا تم التعامل مع مطالبهم الثقافية والأمنية بحكمة.

التدخلات الخارجية

تُعد التدخلات الإسرائيلية أحد أكبر العوامل المُعقدة للوضع في السويداء. من خلال استغلال التوترات المحلية، تسعى إسرائيل إلى تعزيز نفوذها في جنوب سوريا، مما يُهدد السيادة السورية. موقف الولايات المتحدة الحيادي نسبيًا يُشير إلى إمكانية الضغط على إسرائيل لوقف تصعيدها، مما قد يُتيح للحكومة السورية فرصة لتثبيت استقرارها دون ضغوط خارجية إضافية.

تُعد أزمة السويداء اختبارًا حاسمًا لقدرة الحكومة السورية على استعادة السيادة الوطنية وتحقيق الاستقرار. رغم التحديات التي تفرضها التدخلات الإسرائيلية والتوترات المحلية، فإن الحكومة أظهرت التزامًا بإيجاد حلول متوازنة تحترم التنوع الثقافي مع الحفاظ على وحدة البلاد. مواقف الرئاسة الروحية بقيادة حكمت الهجري، التي تُثير شكوكًا حول نواياها الانفصالية، لا تعكس بالضرورة إجماع الطائفة الدرزية، مما يتيح فرصة للحكومة للتعاون مع وجهاء يدعمون الوحدة الوطنية. من خلال تعزيز الحوار، نزع السلاح بحذر، ورفض التدخلات الخارجية، يمكن للحكومة السورية تحويل السويداء إلى نموذج للاستقرار بدلاً من ساحة للصراع.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

فريق التحرير
فريق التحريرhttps://alwaqie-ar.net
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز
spot_imgspot_img

Get in Touch

1,621,062المشجعينمثل
1,838أتباعتابع
5,146أتباعتابع
spot_img

Latest Posts