في منتصف يوليو 2025، تحولت محافظة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية في جنوب سوريا، إلى ساحة لصراع عنيف بدأ بحادث سطو وتطور إلى مواجهات طائفية بين القبائل البدوية والمجموعات الدرزية المسلحة. تصاعدت الأحداث بسرعة لتشمل تدخل الجيش السوري، ضربات جوية إسرائيلية، وجهود دبلوماسية بوساطة أمريكية. يهدف هذا التقرير إلى تقديم رواية دقيقة وشاملة للأحداث، مع التركيز على دعم القبائل العربية والدولة السورية، مع الحفاظ على قدر من الحيادية لضمان الموضوعية. يغطي التقرير الدروز “الخارجين عن القانون”، تعبئة البدو، التدخل الإسرائيلي، الجرائم المزعومة ضد البدو، والجهود الدبلوماسية، مع إضافة محاور إضافية لتوفير رؤية شاملة.
بداية الأزمة وأسبابها
في 11 يوليو 2025، تعرض تاجر درزي للسطو والاعتداء على طريق دمشق-السويداء من قبل أفراد “خارجين عن القانون”. تم سرقة ممتلكاته ونقله إلى منطقة نائية، حيث تعرض للإهانات الطائفية والتهديدات بالقتل، وأُطلق سراحه لاحقًا في حالة حرجة. ردًا على ذلك، قامت مجموعات درزية مسلحة في 12 يوليو باعتقال أفراد من البدو لاسترداد الممتلكات المسروقة، مما أدى إلى دورة من الاختطافات المتبادلة. بحلول 13 يوليو، اندلعت اشتباكات مسلحة في حي المقوس، الذي يسكنه البدو، وامتدت إلى قرى محيطة بالسويداء. هذه الأحداث كشفت عن توترات طائفية عميقة، تفاقمت بسبب الفراغ الأمني في المنطقة بعد الإطاحة بالنظام السابق.
الدروز “الخارجين عن القانون”
وصفت الحكومة السورية، بقيادة أحمد الشرع، المجموعات الدرزية المسلحة بـ”الخارجة عن القانون”، مشيرة إلى أنها تعمل خارج سيطرة الدولة. هذه المجموعات، التي تضم مقاتلين دروزًا، قادت الاشتباكات الأولية ضد البدو، واتُهمت بارتكاب جرائم خطيرة.
الدور في الصراع: في 15 يوليو، دعا الشيخ هكمت الحجري، أحد القادة البارزين، إلى مقاومة القوات الحكومية، واصفًا الوضع بـ”حرب إبادة شاملة”. هذه المجموعات هاجمت قرى بدوية، مما أدى إلى مقتل مدنيين وتهجير عائلات.
موقف القيادة الروحية: حثت القيادة الروحية الدرزية في البداية على عدم مقاومة القوات الحكومية، لكن هذا الموقف تغير مع تصاعد العنف، مما زاد من تعقيد الوضع داخل الطائفة الدرزية.

تعبئة البدو والعشائر
التصعيد الأولي: بعد الحادث الأولي، أقام البدو نقطة تفتيش في حي المقوس، حيث اعتقلوا أفرادًا من الدروز، مما أدى إلى تصعيد التوترات. ردت الميليشيات الدرزية بهجمات عنيفة، مما دفع القبائل البدوية إلى اتخاذ موقف دفاعي.
التعبئة العامة: في 18 يوليو، أعلن مجلس شيوخ القبائل البدوية تعبئة عامة، حيث تدفق عشرات الآلاف من المقاتلين من مناطق مثل ريف دمشق ودرعا إلى السويداء. قاد هذه التعبئة زعماء مثل عبد المنعم الناصيف، الذي دعا إلى منع “المجازر” ضد البدو. سيطرت القوات البدوية على ثلاث قرى درزية على الأقل، مع تقارير عن إحراق منازل درزية كرد فعل على الاعتداءات.
الدافع: جاءت هذه التعبئة ردًا على اتهامات بقتل وتهجير عائلات بدوية. زعم زعماء القبائل، مثل علي الجملان، أن الميليشيات الدرزية هاجمت قرى بدوية، مما أثار غضب العشائر ودفعها للتدخل لحماية أبنائها.

جرائم الدروز بحق البدو
وفقًا لوكالة الأنباء السورية (سانا)، هاجمت الميليشيات الدرزية قرى بدوية في 18 يوليو، مما أدى إلى مقتل مدنيين، بما في ذلك نساء وأطفال، وتهجير عائلات. كما تم الإبلاغ عن حرق منازل وسرقة ممتلكات، مما زاد من معاناة السكان البدو.
التهديد بالخروج: اتهم زعماء القبائل البدوية الدروز بإصدار تهديدات للبدو بالمغادرة من السويداء، مما أدى إلى نزوح آلاف الأسر إلى مناطق أكثر أمانًا. هذه التهديدات أثارت استياءً واسعًا بين القبائل، التي رأت فيها محاولة لتغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة.
الرد البدوي: ردًا على هذه الانتهاكات، أطلقت القبائل البدوية عمليات عسكرية واسعة النطاق، مما أدى إلى تصعيد الصراع وتوسعه إلى مناطق أخرى في المحافظة. أظهرت هذه العمليات تضامنًا قويًا بين القبائل لحماية أبنائها.
تدخل الجيش الإسرائيلي
- الضربات الجوية: في 15 يوليو، نفذت إسرائيل ضربات جوية على القوات السورية في السويداء، مستهدفة دبابات ومواقع عسكرية. في 16 يوليو، استهدفت غارات إسرائيلية وزارة الدفاع في دمشق، مما أسفر عن مقتل 321 شخصًا على الأقل، بما في ذلك مدنيون وأفراد طبيون، وفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان. بررت إسرائيل هذه الضربات بحماية الدروز، مستندة إلى علاقاتها التاريخية مع الطائفة.
قامت إسرائيل بشن ضربات جوية عنيفة على التعزيزات من الجيش السوري بهدف صدها وردها عن الدخول بالسويداء - الاتهامات السورية: اتهمت الحكومة السورية إسرائيل بالتدخل في شؤونها الداخلية وزعزعة استقرار الحكومة الجديدة. وأشارت دمشق إلى أن هذه الضربات تهدف إلى تأجيج التوترات الطائفية وإضعاف سيطرة الدولة على المنطقة.
- السياق الإقليمي: جاء التدخل الإسرائيلي وسط ضغوط من الدروز الإسرائيليين لحماية أقربائهم في سوريا. كما خرقت إسرائيل اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 من خلال السيطرة على منطقة عازلة في جنوب سوريا، مما أثار إدانة الأمم المتحدة.
الاتفاق السوري-الإسرائيلي بوساطة أمريكية
-
-
-
- جهود الوساطة: لعبت الولايات المتحدة دورًا محوريًا في التوسط بين سوريا وإسرائيل. في 16 يوليو، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن الأطراف اتفقت على خطوات لتهدئة الوضع في السويداء، واصفًا الصراع بـ”سوء تفاهم”. كما أعلن السفير الأمريكي توم باراك عن هدنة بدعم من تركيا والأردن ودول أخرى.
- تفاصيل الاتفاق: تضمنت الجهود الدبلوماسية السماح لقوات الأمن الداخلي السورية بدخول السويداء لمدة 48 ساعة لمنع المزيد من العنف. ومع ذلك، لم يتم الكشف عن تفاصيل اتفاق مكتوب، وانهارت الهدنة بسرعة بسبب استمرار الاشتباكات.
- الدور الأمريكي: أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على رؤيته لسوريا موحدة ومستقرة، داعيًا إلى إدارة مركزية دون مناطق حكم ذاتي. كما رفع ترامب العقوبات عن سوريا في مايو 2025، وحث إسرائيل على التعامل مع دمشق، مما أثر على قرارات الحكومة السورية.
بنود وقف إطلاق النار
في 16 يوليو 2025، أُعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية ودعم من تركيا والأردن. انهارت هدنة أولية في 15 يوليو، لكن اتفاقًا جديدًا أُعلن في 18 يوليو، وفقًا لمصادر إعلامية سورية، وتضمن البنود التالية:
🟥 دخول كامل للمؤسسات الإدارية والأمنية التابعة للدولة إلى السويداء.
🟥 دمج الكتائب المحلية في جهاز الأمن الدولة.
🟥 تسليم الأسلحة المتوسطة والثقيلة من قبل المقاتلين البدو والدروز.
🟥 دمج المجتمع الدرزي في المشهد السياسي المستقبلي لسوريا.
🟥 منح ممر آمن للمعارضين للاتفاق لمغادرة البلاد.
🟥 مساءلة قانونية للمخالفات وفقًا للقانون السوري.
🟥 تكليف عناصر محلية بالأمن بالتعاون مع وحدات أمنية أخرى.
🟥 مهلة لمقاتلي البدو حتى فجر السبت (19 يوليو 2025) لمغادرة السويداء.
BREAKTHROUGH —— Israeli Prime Minister @Netanyahu and Syrian President Ahmed al-Sharaa @SyPresidency supported by the U.S.A. @SecRubio have agreed to a ceasefire embraced by Türkiye, Jordan and its neighbors. We call upon Druze, Bedouins, and Sunnis to put down their weapons and…
— Ambassador Tom Barrack (@USAMBTurkiye) July 18, 2025
-
-
الخسائر والتداعيات الإنسانية
الفئة | العدد | التفاصيل |
---|---|---|
إجمالي القتلى | أكثر من 321 | تشمل مدنيين ومقاتلين من الدروز والبدو وقوات الأمن |
البدو | 18 | قتلوا على يد الميليشيات الدرزية، مع تقارير عن مجازر |
الدروز | 92 (21 مدنيًا) | 21 قتلوا في إعدامات ميدانية على يد القوات الحكومية |
قوات الأمن | 93 | قتلوا في الاشتباكات والضربات الإسرائيلية |
الجرحى | 570 | معظمهم بجروح من الرصاص وشظايا القذائف |
النازحون | آلاف | نزوح عائلات بدوية ودرزية بسبب العنف والحرائق |
الوضع الإنساني: شهدت مستشفيات السويداء تدفق مئات الجرحى، مع نقص في الموارد الطبية. كما أدى العنف إلى نزوح جماعي، خاصة بين العائلات البدوية التي تعرضت للتهجير القسري.
التوترات الطائفية: كشفت الأحداث عن توترات طائفية عميقة بين الدروز والبدو، تفاقمت بسبب غياب الأمن والاستقرار في سوريا. هذه التوترات قد تهدد استقرار المنطقة على المدى الطويل.

التداعيات الإقليمية: تعكس الأزمة ديناميكيات إقليمية معقدة، حيث تسعى سوريا لإعادة بناء علاقاتها مع إسرائيل ودول الجوار. المحادثات السرية في باكو بين سوريا وإسرائيل تشير إلى إمكانية اتفاقيات مستقبلية.
دور تركيا والدول العربية: أدانت تركيا والدول العربية، مثل الأردن، التدخل الإسرائيلي، ودعمت وحدة الأراضي السورية. هذا الدعم يعكس تعقيد التحالفات الإقليمية في المنطقة.
تمثل أحداث السويداء من 11 إلى 19 يوليو 2025 أزمة معقدة تجمع بين التوترات الطائفية، التدخل العسكري، والجهود الدبلوماسية. بدأت بحادث سطو وتطورت إلى صراع واسع النطاق، مع معاناة كبيرة للقبائل البدوية التي واجهت هجمات وتهجيرًا. تدخل إسرائيل زاد من تعقيد الوضع، بينما فشلت الجهود الأمريكية في تحقيق هدنة دائمة. يتطلب الحل طويل الأمد معالجة التوترات الطائفية، وضمان حماية حقوق القبائل العربية، وتعزيز سيطرة الدولة السورية على المنطقة.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز