spot_img

ذات صلة

جمع

خطاب أبو عبيدة ما بين الإنجاز واللوم على أمة الخذلان

في يوم الجمعة، 18 يوليو 2025، ألقى الناطق العسكري...

فلسطين – وظيفة موظف مستودعات وأصول لدى منظمة إنقاذ الطفل

منظمة إنقاذ الطفولة، المعروفة عالميًا باسم Save the Children،...

أزمة كأس العرب 2025: بين طموح قطر وحتمية التأجيل

تواجه بطولة كأس العرب 2025 المقررة في قطر أزمة...

عقلية أحمد الشرع: من قائد جهادي إلى رئيس سوريا

وُلد أحمد حسين الشرع، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، في 29 أكتوبر 1982 في الرياض، المملكة العربية السعودية، لعائلة سورية مسلمة سنية تنحدر من قرية جبين في الجولان السوري المحتل.

عاش طفولته المبكرة في دمشق بحي المزة، ضمن بيئة متوسطة ذات توجهات ليبرالية، أي توجهاتهم الفكرية المعتدلة نسبيًا

والده، حسين الشرع، كان أكاديميًا وباحثًا اقتصاديًا، درس الاقتصاد في جامعة بغداد خلال الستينيات، وتأثر بالقومية العربية وأفكار جمال عبد الناصر.

كان حسين ناشطًا سياسيًا مناهضًا لنظام البعث في سوريا، مما أدى إلى سجنه مرات عدة في سوريا والأردن، واضطراره لاحقًا للجوء إلى العراق قبل استقراره في الرياض. أما والدته، فكانت مدرسة جغرافيا في إعدادية للبنات، ووصفت بأنها امرأة محافظة.

لم يكن أحمد الشرع متفقًا فكريًا مع والده بشكل كامل، خاصة فيما يتعلق بالقومية العربية، إذ تبنى الشرع رؤية أوسع تركز على الأمة الإسلامية. لكنهما اتفقا على حب فلسطين والدفاع عن قضاياها، وهو ما تأثر به الشرع في شبابه، خاصة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.

نشأ الشرع في بيئة مشحونة بكراهية نظام الأسد، مما صقل وعيه السياسي مبكرًا. درس الطب في دمشق لمدة عامين قبل أن يترك دراسته في السنة الثالثة لينضم إلى تنظيم القاعدة في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003. هذه البدايات وضعت الأسس لرحلته المعقدة من مقاتل جهادي إلى رئيس دولة انتقالية.

 

من قائد جهادي إلى رئيس دولة: رحلة التحول

بدأ أحمد الشرع مسيرته كمقاتل جهادي في العراق، حيث انضم إلى تنظيم القاعدة قبل الغزو الأمريكي عام 2003، وشارك في المقاومة ضد القوات الأمريكية. أُلقي القبض عليه عام 2004 وسُجن في معسكر بوكا حتى 2010، حيث أقام علاقات مع قادة جهاديين بارزين، بما في ذلك أبو بكر البغدادي. بعد إطلاق سراحه، عاد إلى سوريا مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وأسس جبهة النصرة كفرع للقاعدة بتكليف من البغدادي. لكنه انشق عن القاعدة عام 2016 وأسس هيئة تحرير الشام عام 2017، وهي ائتلاف فصائل إسلامية ركز على الحكم المحلي والبراغماتية بدلاً من الجهاد العالمي.

خلال اعتقاله في العراق من قبل القوات الأمريكية، تمكن أحمد الشرع من إخفاء هويته السورية باستخدام هوية عراقية مزورة تحمل اسم “أمجد مظفر حسين النعيمي” من الموصل.

استطاع الشرع اجتياز فحص اللهجة الذي أجرته القوات الأمريكية بمساعدة محققين محليين لتمييز المقاتلين الأجانب عن العراقيين، مستفيدًا من تشابه لهجة الموصل مع لهجة دير الزور السورية.

هذه الحيلة، التي كانت شائعة بين التنظيمات الجهادية لتجنب معاملة المقاتلين كجهاديين أجانب، سمحت له بأن يُعامل كمقاوم محلي وليس كمقاتل أجنبي، مما خفف من ظروف احتجازه.

سُجن الشرع في عدة سجون أمريكية وعراقية، بما في ذلك أبو غريب، بوكا، كروبر، والتاجي، وقضى حوالي خمس سنوات حتى أُطلق سراحه عام 2011 بقرار قضائي لعدم كفاية الأدلة ضده، أو كجزء من صفقة تبادل، وفقًا لبعض الروايات.

هذا الخداع ساهم في عودته إلى سوريا بعد اندلاع الثورة السورية، حيث أسس جبهة النصرة لاحقًا.

صورة يُدعى أنها لأحمد الشرع أثناء سجنه في العراق
صورة يُدعى أنها لأحمد الشرع أثناء سجنه في العراق

في ديسمبر 2024، قاد الشرع عملية “ردع العدوان”، وهي هجوم عسكري منظم أسقط نظام بشار الأسد في 12 يومًا فقط.

هذه العملية، التي نفذتها فصائل المعارضة تحت “إدارة العمليات العسكرية” بقيادته، أظهرت قدرته على تنظيم العمليات العسكرية وتوحيد الفصائل المختلفة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، حركة أحرار الشام، والجبهة الوطنية للتحرير.

بعد سقوط الأسد، أصبح الشرع القائد الفعلي لسوريا، وفي 29 يناير 2025، عُين رئيسًا للمرحلة الانتقالية. هذا التحول من شخص مصنف على قوائم الإرهاب الدولية إلى رئيس دولة كان مدروسًا، حيث تخلى عن اسمه الحربي “أبو محمد الجولاني” واستخدم اسمه الحقيقي لتعزيز شرعيته كسياسي.

خلال هذه الفترة، أظهر الشرع براغماتية سياسية ملحوظة. تخلى عن خطاب الجهاد العالمي وتبنى خطابًا معتدلًا يركز على بناء دولة عادلة وشاملة. في مقابلاته الإعلامية، مثل تلك مع قناة العربية، تحدث عن ضرورة التحول من “عقلية الثورة إلى عقلية الدولة”، مشددًا على تنمية الاقتصاد وإعادة إعمار سوريا بدعم دولي، خاصة من السعودية. كما وجه رسائل طمأنة للأقليات الدينية والعرقية، مثل العلويين والدروز والمسيحيين، مؤكدًا أن سوريا الجديدة ستكون شاملة وخالية من الطائفية.

صورة لأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) - جبهة النصرة
صورة لأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) – جبهة النصرة

ترحيب ترامب: خديعة أم جدية؟

أثار ترحيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأحمد الشرع جدلًا واسعًا. هذا الترحيب، الذي جاء بعد رفع العقوبات الأمريكية عن الشرع، أثار تساؤلات حول ما إذا كان نابعًا من تقدير حقيقي لتحولاته أم أنه جزء من استراتيجية سياسية.

بعض المحللين يرون أن ترامب، المعروف بأسلوبه البراغماتي، قد يكون يسعى لاستغلال الشرع كحليف في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة بعد تصريحات الشرع التي أكدت انتصاره على “المشروع الإيراني الخطر”.

صورة تظهر لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالرئيس السورير أحمد الشرع في السعودية
صورة تظهر لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالرئيس السورير أحمد الشرع في السعودية

ومع ذلك، هناك شكوك حول مصداقية هذا الترحيب.

آرون زيلين، الباحث في معهد واشنطن، أشار إلى أن هيئة تحرير الشام حاولت التواصل مع إدارة ترامب الأولى بين 2018 و2019، لكن هذه المحاولات لم تثمر.

جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي السابق، وصف هيئة تحرير الشام بأنها “الخيار الأقل سوءًا” في إدلب، مما يشير إلى أن الدعم الأمريكي قد يكون تكتيكيًا وليس استراتيجيًا. بالتالي، قد يكون ترحيب ترامب مؤقتًا، يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية قصيرة المدى، مثل إضعاف خصوم الولايات المتحدة في المنطقة، بدلاً من تأييد حقيقي للشرع كرجل دولة.

التغيير ونزع الجلد: هل تخلى عن مبادئه؟

تحول الشرع من قائد جهادي إلى سياسي براغماتي أثار تساؤلات حول ما إذا كان هذا التغيير يعكس تخليًا عن مبادئه الأيديولوجية أم أنه تكيف استراتيجي. في أحداث السويداء الأخيرة، أشاد الشرع بدور الدروز في الثورة ضد الأسد، مشيرًا إلى مشاركتهم في “تحرير منطقتهم” تحت إدارة العمليات العسكرية. هذا الخطاب يعكس محاولته لكسب تأييد الأقليات، بعيدًا عن الخطاب الطائفي الذي ميزت به بعض التنظيمات أثناء الثورة والنزاعات بين الفصائل.

صورة للرئيس أحمد الشرع أثناء مقابلة صحفية معه
صورة للرئيس أحمد الشرع أثناء مقابلة صحفية معه

في لقاء إعلامي حديث (يوليو 2025)، أكد الشرع على ضرورة بناء دولة عصرية تقوم على العدل والشورى، مع التركيز على التنمية الاقتصادية ودمج المؤسسات العسكرية والمدنية. هذا التحول يُظهر قدرته على التكيف مع متطلبات الحكم، لكنه أثار انتقادات من بعض النشطاء الذين يرون أن هيئة تحرير الشام لا تزال تحمل أيديولوجية متشددة.

البعض يرى أن هذا “نزع الجلد” هو مجرد استراتيجية لكسب الشرعية الدولية، بينما يحتفظ الشرع بجذوره الأيديولوجية.

ومع ذلك، يُظهر خطابه المعتدل، خاصة في تجنب التكفير والتركيز على الحكم المحلي، أنه قد تخلى عن بعض المبادئ الجهادية المتشددة التي ميزت جبهة النصرة. في مقابلة مع قناة الجزيرة عام 2013، أكد أن التكفير ليس من اختصاصه، بل يُترك للعلماء والمحاكم الشرعية. هذا التحول يعكس وعيه بضرورة تقديم صورة مقبولة للجمهور المحلي والدولي.

عدم التوافق مع إسرائيل: لإصلاح البلاد والعباد

على الرغم من إعجاب ترامب المزعوم بشخصية الشرع، يبدو أن هناك عدم توافق مع إسرائيل.

الشرع أشار في تصريحات سابقة إلى أن الأسد كان “عدو إسرائيل”، لكنه أكد أن سوريا لن تقاتل إسرائيل بعد سقوط الأسد، مما يعكس نهجًا براغماتيًا يتجنب فتح جبهات جديدة. هذا الموقف أثار جدلًا، حيث رأى البعض أنه تخلى عن خطاب المقاومة الذي ميز به في الفترات السابقة.

يبدو أن الشرع يتبنى نهجًا أكثر مرونة، حيث يحاول تحقيق توازن بين الحفاظ على شرعيته الإسلامية وتجنب الصراعات الدولية. هذا النهج قد يكون مدفوعًا برغبته في إعادة إعمار سوريا وكسب دعم دولي، بدلاً من التمسك بخطاب جهادي قد يعزله.

قدرة الشرع على الإقناع ورحلته بين التنظيمات

تتميز شخصية الشرع بقدرة استثنائية على الحديث والإقناع، حيث أظهر براعة في إدارة العمليات العسكرية والمفاوضات الدبلوماسية. خلال رحلته، قاد تنظيمات متعددة، بدءًا من جبهة النصرة (2012-2016) إلى هيئة تحرير الشام (2017)، وأخيرًا إدارة العمليات العسكرية (2024). هذه التجربة صقلت مهاراته القيادية، حيث تعلم كيفية توحيد الفصائل المتنافسة والتفاوض مع القوى الإقليمية، مثل تركيا، التي دعمت عملية “ردع العدوان”.

في جبهة النصرة، كان الشرع قائدًا عسكريًا يركز على الجهاد ضد نظام الأسد، لكنه واجه صراعات مع فصائل أخرى، لفرض سيطرته.

في هيئة تحرير الشام، تحول إلى قائد براغماتي، يدير إدلب كمنطقة ذات حكم محلي، مع التركيز على الدبلوماسية والإدارة. هذه الخبرات جعلته قادرًا على قيادة عملية “ردع العدوان” بكفاءة، حيث أسقط نظام الأسد في وقت قياسي.

يبدو أن طموحه للرئاسة كان واضحًا من خلال خطواته المدروسة لتقديم نفسه كرجل دولة. زيارته للجامع الأموي بعد سقوط الأسد، وكلمته العفوية من المحراب، عكست قدرته على التواصل مع الجماهير بشكل مؤثر.

صورة الرئيس أحمد الشرع في قلب المسجد الأموي - بعد عملية ردع العدوان وفرار نظام الأسد
صورة الرئيس أحمد الشرع في قلب المسجد الأموي – بعد عملية ردع العدوان وفرار نظام الأسد

عصرية شخصية الشرع: كرة السلة وتعليم عالٍ

أظهر الشرع جانبًا عصريًا من شخصيته، خاصة عندما ظهر وهو يلعب كرة السلة مع وزير الخارجية، مُبديًا احترافية ملحوظة. هذه الصورة تعكس خلفيته التعليمية ونشأته في بيئة متوسطة متعلمة، حيث درس الطب لمدة عامين قبل انضمامه إلى التنظيمات الجهادية. كما أن ظهوره في ملابس عصرية خلال مقابلات إعلامية، مثل تلك مع PBS عام 2021، يشير إلى محاولته لتقديم صورة حديثة تتماشى مع متطلبات الحكم.

صورة من زاوية أُخرى للرئيس أحمد الشرع بالمسجد الأموي
صورة من زاوية أُخرى للرئيس أحمد الشرع بالمسجد الأموي

والدته، كمدرسة جغرافيا، ربما ساهمت في صقل وعيه الأكاديمي، بينما والده، كباحث اقتصادي، غرس فيه اهتمامًا بالقضايا السياسية. هذه الخلفية التعليمية جعلته قادرًا على التكيف مع التحديات السياسية والإدارية، مما يظهر في رؤيته لإعادة إعمار سوريا ودمج مؤسساتها.

صورة لوالد الرئيس أحمد الشرع - حسين الشرع في فترة شبابه
صورة لوالد الرئيس أحمد الشرع – حسين الشرع في فترة شبابه

الخبرات والصلاحيات في التنظيمات

في تنظيم القاعدة في العراق، كان الشرع مقاتلًا ثم قائدًا ميدانيًا، حيث اكتسب خبرات في التخطيط العسكري والتنظيم. في جبهة النصرة، تولى قيادة التنظيم بالكامل، حيث أدار عمليات عسكرية ضد نظام الأسد وتنافس مع فصائل أخرى. في هيئة تحرير الشام، أصبح زعيمًا لائتلاف فصائل، مما طوّر مهاراته في الدبلوماسية والحكم المحلي. هذه الخبرات شملت إدارة مناطق مثل إدلب، والتفاوض مع قوى إقليمية، ومواجهة تحديات داخلية من فصائل منافسة.

في “إدارة العمليات العسكرية”، كان أمينًا عامًا، حيث أظهر قدرة فائقة على توحيد الفصائل وتنفيذ هجوم سريع ومنظم. هذه الصلاحيات صقلت قدرته على اتخاذ القرارات الاستراتيجية وإدارة الأزمات، مما جعله مؤهلاً لقيادة المرحلة الانتقالية.

نظرة شاملة في عقلية أحمد الشرع

عقلية أحمد الشرع تتسم بالمرونة والبراغماتية، مع قدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. بدأ كشاب متأثر بالقضايا الإسلامية والفلسطينية، ثم تحول إلى قائد جهادي، وأخيرًا إلى رجل دولة يسعى لبناء سوريا جديدة. هذه الرحلة تعكس قدرته على التعلم من تجاربه، سواء في السجون العراقية أو في ساحات القتال السورية.

يتميز الشرع بقدرة على التوازن بين الأيديولوجيا والواقعية. على الرغم من جذوره الجهادية، تبنى خطابًا معتدلًا يركز على التنمية والإدماج، مما يعكس وعيه بضرورة كسب الشرعية الداخلية والدولية.

خطابه عن السويداء وتواصله مع الأقليات يظهران ذكاءً سياسيًا يتجاوز الصورة النمطية للقائد الجهادي.

صورة الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان - وتعتبر تركيا سوريا كحليف استراتيجي بالمنطقة
صورة الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – وتعتبر تركيا سوريا كحليف استراتيجي بالمنطقة

أحمد الشرع هو شخصية معقدة، تجمع بين الجذور الجهادية

والطموح السياسي.

رحلته من قائد مصنف على قوائم الإرهاب إلى رئيس دولة انتقالية تعكس قدرته على التكيف والإقناع. ترحيب ترامب به قد يكون تكتيكيًا، لكنه يعزز مكانته الدولية. تحولاته، سواء في نزع “جلد” الجولاني أو في تبني خطاب عصري، تظهر وعيه بمتطلبات الحكم. لكن السؤال يبقى: هل سيتمكن من تحويل سوريا إلى دولة عادلة ومستقرة، أم أن ماضيه سيظل يطارده؟ عقليته، التي تجمع بين البراغماتية والطموح، تجعله شخصية تستحق الدراسة والمتابعة في سياق التحولات السورية.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

spot_imgspot_img