spot_img

ذات صلة

جمع

تحقيق استقصائي: مؤسسة غزة الإنسانية – آلة القتل المُقنعة بقناع المساعدات

يكشف هذا التحقيق الاستقصائي المعمق عن الحقيقة المروعة وراء...

ريتشارد هيوز.. مهندس ميركاتو ليفربول التاريخي

عندما ترى ريتشارد هيوز يصافح المدرب الهولندي آرني سلوت...

متى نصر الله؟ سؤال جوهري في ضوء الأحداث والمجريات الحاصلة في غزة وسوريا

يُطرح في الأوساط الفكرية المعاصرة تساؤل عميق حول علاقة...

الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة: سوريا في مواجهة أعلى الرسوم عالمياً

تشهد السياسة الأميركية تجاه سوريا تناقضاً صارخاً يثير تساؤلات...

آبل تدخل حلبة الذكاء الاصطناعي: استراتيجية جديدة لمنافسة عمالقة التقنية

تشهد صناعة التقنية تحولاً جذرياً مع دخول عام 2025، حيث يُعتبر الذكاء الاصطناعي العامل الحاسم في تحديد المنافسة بين الشركات التقنية الكبرى. وفي هذا السياق، تخطو شركة آبل خطوات مدروسة لدخول هذا المجال المزدحم بالمنافسين الأقوياء مثل OpenAI وGoogle وMicrosoft، وذلك من خلال تطوير منصة ذكاء اصطناعي متكاملة تحمل طابعها المميز في الخصوصية والتكامل مع النظام البيئي لمنتجاتها.

آبل تؤسس فريق “AKI”: بداية رحلة الذكاء الاصطناعي

كشفت تقارير حديثة من مصادر موثوقة أن آبل شكلت فريقاً جديداً متخصصاً يُطلق عليه اسم “Answers, Knowledge, and Information” أو اختصاراً AKI، وهو مشروع طموح يهدف إلى تطوير محرك إجابات ذكي قادر على منافسة أقوى منتجات الذكاء الاصطناعي في السوق. هذا المشروع يمثل نقلة نوعية في استراتيجية آبل للذكاء الاصطناعي، بعد سنوات من التأخر نسبياً مقارنة بمنافسيها.

يقود هذا الفريق المتخصص روبي ووكر، المدير الأول في آبل، والذي يعمل تحت إشراف مباشر من جون جياناندريا، نائب رئيس التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي في الشركة. وقد جاء تعيين ووكر على رأس فريق AKI بعد إعادة هيكلة داخلية في آبل نتيجة التأخيرات التي واجهتها الشركة في تطوير ميزات Siri الجديدة.

الهدف الأساسي من هذا الفريق واضح ومحدد: إنشاء “تجربة بحث تشبه ChatGPT” كما وصفه مارك غورمان من بلومبرغ، والذي يُعتبر من أبرز المراقبين لشؤون آبل. هذا المحرك لن يقتصر على توجيه المستخدمين إلى صفحات نتائج البحث التقليدية، بل سيكون قادراً على تصفح الويب وتقديم إجابات مباشرة ومفصلة للاستفسارات، تماماً مثل ما يفعله ChatGPT حالياً.

الرؤية التقنية: تكامل الذكاء الاصطناعي مع النظام البيئي لآبل

ما يميز مشروع آبل عن منافسيه هو التركيز على التكامل العميق مع النظام البيئي الحالي للشركة. فبدلاً من إنشاء منصة منفصلة، تخطط آبل لدمج محرك الإجابات الذكي في منتجاتها الأساسية مثل Siri وSafari وSpotlight، مما يوفر تجربة مستخدم سلسة ومتكاملة عبر جميع أجهزة آبل.

هذا النهج يعكس فلسفة آبل التقليدية في التركيز على التجربة المتكاملة بدلاً من مجرد التقنية المنفردة. فبينما تركز شركات أخرى على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي قوية كمنتجات مستقلة، تسعى آبل لجعل الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزأ من تجربة استخدام أجهزتها.

التحديات التقنية والإدارية: دروس من تأخيرات Siri

لم تكن رحلة آبل في مجال الذكاء الاصطناعي سهلة أو خالية من العوائق. فقد واجهت الشركة تحديات جمة في تطوير النسخة المحدثة من Siri المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي تم تأجيلها عدة مرات.

السبب الجذري لهذه التأخيرات يكمن في التحديات التقنية المعقدة التي واجهتها آبل. فحسب التقارير، اضطرت الشركة للعمل على نظامين منفصلين في نفس الوقت: أحدهما للأوامر التقليدية لـ Siri مثل ضبط المنبهات وإجراء المكالمات، والآخر للاستعلامات المتقدمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي. هذا التعقيد في البنية التحتية أدى إلى مشاكل في الأداء والموثوقية.

وقد اعترف كريغ فيديريغي، نائب رئيس الهندسة البرمجية في آبل، بأن الميزات لم تكن “تعمل بموثوقية كافية لتكون منتج آبل”، مؤكداً أن الشركة تفضل التأخير على طرح منتج لا يلبي معاييرها العالية.

القيادة التقنية: جون جياناندريا وتحدي اللحاق بالركب

في قلب استراتيجية آبل للذكاء الاصطناعي يقف جون جياناندريا، الذي انضم للشركة عام 2018 قادماً من Google حيث كان يقود فرق التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي. تعيين جياناندريا في منصب نائب رئيس جديد خصيصاً له كان إشارة واضحة على جدية آبل في دخول مجال الذكاء الاصطناعي.

رغم خبرته الواسعة، واجه جياناندريا انتقادات داخلية بسبب التأخيرات المتكررة في مشاريع الذكاء الاصطناعي. بعض التقارير تشير إلى أن أسلوبه في الإدارة كان أكثر تركيزاً على التقنيات الأساسية للتعلم الآلي بدلاً من الميزات التي يواجهها المستخدم مباشرة مثل Siri. هذا دفع آبل لنقل تطوير Siri إلى مايك روكويل، رئيس قسم Vision Pro، في محاولة لتسريع التطوير.

لكن جياناندريا يبقى شخصية محورية في استراتيجية آبل، حيث يستمر في الإشراف على البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، ويُنسب إليه النجاح في جذب أفضل المهندسين والباحثين في هذا المجال للعمل في آبل.

المعركة الاستراتيجية: إعادة تعريف البحث في عصر الذكاء الاصطناعي

من أبرز التطورات في استراتيجية آبل هو التفكير الجدي في إعادة تعريف تجربة البحث على أجهزتها. فقد كشف إيدي كيو، نائب رئيس الخدمات في آبل، أن الشركة تنظر “بنشاط” في تطوير Safari ليركز على محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

هذا التوجه يأتي في وقت تشهد فيه عمليات البحث التقليدية تراجعاً لأول مرة منذ عقدين، حيث يتجه المستخدمون بشكل متزايد لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وPerplexity للحصول على إجابات مباشرة. هذا التغيير في سلوك المستخدمين يهدد العلاقة التقليدية بين آبل وGoogle، والتي تُقدر قيمتها بحوالي 20 مليار دولار سنوياً لجعل Google محرك البحث الافتراضي في Safari.

حرب الذكاء الاصطناعي: Anthropic تتحدى OpenAI

في خضم هذه التطورات، شهد عالم الذكاء الاصطناعي حدثاً مفصلياً عندما قررت شركة Anthropic قطع الوصول عن OpenAI لاستخدام واجهة برمجة التطبيقات الخاصة بنموذجها Claude. هذا القرار جاء بعد اكتشاف أن فريق OpenAI التقني كان يستخدم أدوات الترميز الخاصة بـ Claude قبل إطلاق GPT-5، مما يشكل انتهاكاً صريحاً لشروط الخدمة.

هذا النزاع يكشف عن طبيعة المنافسة الشرسة في صناعة الذكاء الاصطناعي، حيث تمنع شروط خدمة Anthropic التجارية العملاء من استخدام خدماتها “لبناء منتج أو خدمة منافسة، بما في ذلك تدريب نماذج ذكاء اصطناعي منافسة” أو “الهندسة العكسية أو تكرار” الخدمات.

كما أكد متحدث باسم Anthropic قائلاً: “أصبح Claude Code الخيار المفضل للمطورين في كل مكان، لذلك لم يكن مفاجئاً أن نعلم أن الموظفين التقنيين في OpenAI كانوا يستخدمون أدوات البرمجة الخاصة بنا قبل إطلاق GPT-5. لسوء الحظ، هذا انتهاك مباشر لشروط الخدمة الخاصة بنا”.

تطور المشهد التنافسي: الأرقام تتحدث

تُظهر أحدث البيانات تحولاً ملحوظاً في المشهد التنافسي للذكاء الاصطناعي على مستوى الشركات. فبحسب تقرير من Menlo Ventures، تحتل Anthropic الآن 32% من حصة السوق المؤسسي لنماذج اللغة الكبيرة، متفوقة على OpenAI التي تحتل 25%. هذا يمثل انعكاساً حاداً مقارنة بعام 2023 عندما كانت OpenAI تسيطر على 50% من السوق المؤسسي بينما كانت Anthropic تحتل 12% فقط.

هذا التحول يعكس نجاح Anthropic في إطلاق نموذج Claude 3.5 Sonnet في يونيو 2024، والذي وضع الأساس لنمو الشركة المتسارع. وفي مجال البرمجة تحديداً، تهيمن Anthropic بحصة 42% من السوق المؤسسي، أي أكثر من ضعف حصة OpenAI البالغة 21%.

رغم هذا التفوق في السوق المؤسسي، تحتفظ OpenAI بقوتها في السوق الاستهلاكي، حيث يرسل المستخدمون أكثر من 2.5 مليار استعلام يومياً إلى ChatGPT. كما تحتفظ ChatGPT بحصة سوقية تبلغ 59.5% من إجمالي سوق chatbots الذكاء الاصطناعي، مع 250 مليون مستخدم أسبوعياً.

التحديات والفرص أمام آبل

تواجه آبل تحديات عديدة في رحلتها لدخول سوق الذكاء الاصطناعي المزدحم بالمنافسين الأقوياء. أولاً، التأخر النسبي في الدخول لهذا المجال يعني أن عليها اللحاق بسنوات من التطوير والتحسين التي قام بها منافسوها. ثانياً، ثقافة آبل في التركيز على الكمال قبل الإطلاق قد تكون عائقاً في مجال سريع التطور مثل الذكاء الاصطناعي.

لكن في المقابل، تمتلك آبل مزايا فريدة قد تمكنها من المنافسة بقوة. النظام البيئي المتكامل لمنتجاتها، مع أكثر من 2 مليار جهاز نشط حول العالم، يوفر منصة توزيع لا مثيل لها لخدمات الذكاء الاصطناعي. كما أن التزام الشركة بالخصوصية قد يجذب المستخدمين الذين يشعرون بالقلق من ممارسات جمع البيانات لدى شركات أخرى.

مستقبل البحث والذكاء الاصطناعي

يمثل دخول آبل إلى مجال الذكاء الاصطناعي بشكل جدي نقطة تحول مهمة في الصناعة. فبعد سنوات من الهيمنة لشركات مثل Google في البحث وOpenAI في الذكاء الاصطناعي التحاوري، تُعيد آبل تشكيل قواعد اللعبة من خلال التركيز على التكامل والخصوصية.

النجاح في هذا المسعى لن يُقاس فقط بقوة النماذج التقنية، بل بقدرة آبل على دمج هذه التقنيات بسلاسة في تجربة المستخدم اليومية. وإذا نجحت الشركة في تحقيق هذا الهدف، فقد نشهد تحولاً جذرياً في كيفية تفاعلنا مع أجهزتنا والحصول على المعلومات.

عصر جديد من المنافسة

مع تشكيل فريق AKI وتطوير محرك الإجابات الذكي، تدخل آبل رسمياً في المعركة الأكثر أهمية في عالم التقنية اليوم. هذا ليس مجرد منافسة تقنية، بل صراع على تحديد مستقبل كيفية وصولنا للمعلومات وتفاعلنا مع التقنية.

النزاع بين Anthropic وOpenAI حول استخدام Claude API يُظهر مدى شراسة هذه المنافسة وأهميتها الاستراتيجية. وفي هذا المشهد المعقد، تحاول آبل أن تجد طريقها الخاص، معتمدة على نقاط قوتها التقليدية في التصميم والتكامل والخصوصية.

مع استمرار تطوير مشروع AKI والتحضير لإطلاق الجيل الجديد من Siri في 2026، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن آبل من تحويل تأخرها النسبي في مجال الذكاء الاصطناعي إلى ميزة تنافسية من خلال تقديم تجربة أكثر تكاملاً وخصوصية؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ليس فقط مستقبل آبل، بل شكل صناعة التقنية في العقد القادم.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

spot_imgspot_img