في الساعات التي سبقت ظهر 14 يوليو 2025، تحوّل جبل العرب إلى بؤرةٍ ملتهبةٍ جديدة بعدما أودت الاشتباكات بين فصائل درزية ومسلّحين من عشائر بدوية بحياة ما لا يقل عن 37 مدنياً ومقاتلاً، وأجبرت وزارة الدفاع السورية على الدفع بأرتالٍ آليةٍ ضخمةٍ إلى المحافظة. يدفع هذا التصعيد إلى إعادة تفكيك المشهد المركّب الذي يضمّ:
🟥 مجتمعاً درزياً ذا تاريخٍ استقلالي طويل.
🟥 زعامة روحية يقودها الشيخ حكمت الهجري.
🟥 حكومة انتقالية تحاول بسط سيادتها وسط فراغٍ مؤسسي.
🟥 إسرائيل التي تعرض “مظلّة حماية” بحجّة الدفاع عن أبناء طائفتها خلف الحدود
وزارة الدفاع السورية: مقتل أفراد من الجيش في السويداء جراء اشتباكات بين مقاتلين دروز وبدو#شاهد_الشرق_الأوسط#صحيفة_الشرق_الأوسط#صحيفة_العرب_الأولى pic.twitter.com/44t0AtCktv
— صحيفة الشرق الأوسط (@aawsat_News) July 14, 2025
خلفية تاريخية سريعة
الدروز وجبل العرب
يتحصّن نحو 700 ألف درزي في محافظة السويداء وجيوب ريف دمشق، مستندين إلى إرث ثورة سلطان الأطرش ضد الفرنسيين عام 1925، التي كرّست شعار «الاستقلال مقابل الدم». هذا الإرث صاغ ذهنية رفض التجنيد الإجباري والاعتماد على ميليشيات محلّية («رجال الكرامة»، «مجلس السويداء العسكري»).
سقوط الأسد ومعادلة الفراغ
منذ إطاحة بشار الأسد في ديسمبر 2024، تشكّلت حكومة انتقالية بزعامة أحمد الشرع ذات خلفيةٍ إسلامية، حاولت دمج الفصائل المناطقية عبر اتفاقات متعدّدة (الكرد في الشمال، الدروز في مارس 2025). لكن بطء التنفيذ وغياب الأمن الرسمي أبقيا خطوط التماس مفتوحة.
الشيخ حكمت الهجري: في مواجهة السلطة
الشيخ الهجري برز خلال عام 2025 كأشدّ المنتقدين للحكومة:
🟥 وصفها بـ«حكومة متطرفة» و«آلة قتل تكفيرية» وطالب بحماية دولية.
🟥 بارك إنشاء «مجلس السويداء العسكري» الداعي لدولةٍ علمانية لا مركزية.
🟥 اعتبر إسرائيل «ليست عدواً» في معرض تبرير طلب التدخل الخارجي.

شرارة اشتباكات 14 يوليو 2025
-
خطف تاجر خضار درزي على طريق دمشق–السويداء 11 يوليو وفق بعض الروايات.
-
ردّ دروز بخطف 8 بدو، فاندلع قتالٌ في حي المَقْوَس شرق المدينة.
-
توسعت الاشتباكات إلى القرى الغربية مع قصفٍ متبادل وقنص، فسقط 37 قتيلاً وأكثر من 100 جريح.
-
أرسلت وزارة الدفاع وحداتٍ مدرّعة وفرضت حظراً للطريق الدولي.
دور الجيش السوري
-
نشر لواءَي 70 و40 وآليات ثقيلة حول لَبّين وحَرّان ولا زالت القوات السورية تتوافد.
-
أعلن بدء «تدخّل مباشر لفرض القانون» بينما اتهمته فصائل درزية بدعم عناصر بدوية ضدهم.
إسرائيل والدروز: تحالف مصالح أم حماية إنسانية؟
دوافع تل أبيب
-
ضغطٌ من 150 ألف درزي إسرائيلي يخدمون في الجيش ويرون واجباً أخلاقياً تجاه أقاربهم.
-
منع تمركز قوات موالية لحكومة الشرع (المصنفة جهادية بنظر إسرائيل) جنوب دمشق.
مشهد لدروز إسرائيل يقفون على الحدود مع سوريا والهتاف لإسرائيل بالتدخل لحماية الدروز السوريين أدوات الدعم
-
ضربات جوية «تحذيرية» قرب دمشق وسويداء لإبعاد الجماعات المعادية للدروز.
-
إجلاء جرحى دروز للعلاج في صفد وفتح المعابر لحجّ رجال الدين إلى مقام النبي شعيب في طبرية لأول مرة منذ 50 عاماً.
-
خطاب رسمي يلوّح بالتدخل البري إذا تعرض جبل الدروز لمجزرة.
تموضع القوى الدرزية اليوم
الفاعل القيادة الموقف من دمشق الموقف من إسرائيل القدرات مجلس السويداء العسكري العقيد طارق الشوفي & الشيخ الهجري رفض دخول الجيش إلا بتفاهم لا مركزي ترحيب مشروط بالحماية 2,500 مقاتل + وحدات حرس حدود رجال الكرامة الشيخ ليث البلعوس اتفاق اندماج أمني تدريجي مع الداخلية تحفّظ على التدخل الخارجي 4,000 مقاتل خفيف التسليح لواء الضامن تيار “دار الكرامة” حياد مسلح – ضد أي فدرلة يرفض الارتباط بإسرائيل 800 مقاتل وقناصة فصائل بدوية متحالفة مع الجيش زعماء العشائر (الهضايا، الفقرا) موالية لوزارة الدفاع تعارض إسرائيل مجهّزة بمدرعات خفيفة السيناريوهات المتوقعة لمصير الدروز
اندماج منضبط داخل الدولة
-
تفعيل اتفاق 11 مارس بانتشار شرطة محلية وتعيين محافظ من السويداء.
-
يتطلب تحييد الهجري أو إشراكه في مجلس شورى طائفي.
احتمال النجاح: متوسّط بسبب انعدام الثقة.
مشهد لعناصر اندمجت في وزارة الدفاع السورية
منطقة حكم ذاتي بحماية خارجية
-
تتكفّل إسرائيل بضمان «منطقة منزوعة السلاح» حتى درعا لقاء تعاون أمني ضد حزب الله في الجولان.
-
قد يجذب اعتراضات أردنية وإيرانية ويحوّل السويداء إلى «جيبٍ معزول».
احتمال النجاح: ضعيف على المدى الطويل بسبب رفض إقليمي واسع.
انزلاق إلى صدامٍ أهلي موسّع
-
استمرار دوّامة خطف وثأر مع البدو، وفشل انتشار الجيش، يدفع الفصائل لطلب سلاح نوعي من إسرائيل أو الأكراد.
-
يهدد بنزوح يفوق 100 ألف مدني وإغلاق تام للطريق الدولي.
احتمال النجاح: مرتفع إذا استمر غياب تفاوض سياسي عاجل.رافعة جيو-سياسية لتفتيت سوريا إلى كياناتٍ أصغر تُضعف جبهة الشمال الشرقي مع إيران.
لماذا اندلعت الإشكالات؟ الأسباب البنيوية
-
فراغ مؤسسي: غياب فعلي للشرطة منذ 2018، وتسريح آلاف المخافر بعد سقوط الأسد.
-
اقتصاد حرب: تهريب المخدرات والسلاح عبر البادية غذّى العصابات واختلط بالعشائر.
-
خطاب تعبئة طائفي: تسجيل صوتي مُلفَّق أساء للنبيّ أشعل موجة تحريض على وسائل التواصل.
-
جغرافيا مفتوحة: امتداد البادية بين درعا والسويداء يجعل خطف وكمائن الطرق سهلة.
-
توظيف سياسي: تل أبيب وحكومة الشرع تبادلتـا الاتهامات؛ كل طرف يستثمر الخلاف لتعزيز موقعه التفاوضي.
أثر الإرتال العسكرية على مستقبل الجبل
دخول مدرعات وزارة الدفاع يُرسل رسالتين متعاكستين:
-
إلى دمشق: القدرة على فرض القانون إذا لزم الأمر.
-
إلى الدروز: الخوف من «تكرار سيناريو الساحل» حيث قُتل 1,700 علوي في مارس.
فإن لم تُضبط قواعد الاشتباك، ستتبلور مقاومة مسلحة محلية أشرس، وتَتعاظم المطالب الدولية بإرسال قوات فصل.
-
يكشف تصعيد 14 يوليو أن السويداء لا تزال حلبة صراع ثلاثي: فراغ السلطة، انكشاف الأقليات، وأجندات دول الجوار. مستقبل الدروز رهين توازن دقيق بين طموح الحكم الذاتي وضمانات الدولة المركزية، فيما توظّف إسرائيل ورقتها الدرزية لشنّ دفاعٍ متقدّم داخل الأراضي السورية. نجاح أو فشل مسار الدمج الأمني المرتقب سيحدّد ما إذا كان جبل العرب سيستعيد دوره التاريخي كمحكٍّ وطني سوري، أم سينزلق إلى كانتون جديد تحكمه بنادق الميليشيات وحسابات الجوار الإقليمي.
-
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز