يكشف هذا التحقيق الاستقصائي المعمق عن الحقيقة المروعة وراء “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي تحولت من مشروع إنساني مزعوم إلى آلة قتل منظمة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 1,373 فلسطيني جائع في 67 يوم فقط، بمعدل 20 قتيل يومياً، في واحدة من أبشع الجرائم الموثقة في التاريخ الحديث تحت ستار العمل الإنساني.
الفضيحة المالية: أرقام مُضللة وحسابات مشبوهة
التناقضات الصادمة في الأرقام المالية
تكشف الوثائق المسربة والتصريحات المتضاربة عن فضيحة مالية ضخمة تحيط بعمليات المؤسسة. فبينما يدّعي الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة أنفقت 60 مليون دولار على المشروع، تؤكد صحيفة واشنطن بوست أن 3 مليون دولار فقط صُرفت فعلياً.
أما تقارير النيويورك تايمز فتشير إلى أن المبلغ الإجمالي لا يتجاوز 10 مليون دولار، مما يجعل تكلفة الوجبة الواحدة 10 سنت فقط – أقل من ثمن حبة حلوى.
حسابات مثيرة للريبة
عند تحليل الأرقام المعلنة، تظهر مفارقات صادمة:
🟥 في سيناريو ترامب: تكلفة الوجبة 60 سنت، أي 1.6 دولار لكل مستفيد
🟥 في سيناريو واشنطن بوست: تكلفة الوجبة 3 سنت فقط
🟥 في سيناريو النيويورك تايمز: تكلفة الوجبة 10 سنت
هذه الأرقام تثير تساؤلات جدية حول طبيعة “الوجبات” المُقدمة وما إذا كانت تستحق حتى تسمية طعام. فالصناديق الموزعة، حسب شهادات الفلسطينيين، تحتوي في الأغلب على أطعمة جافة تحتاج للطبخ رغم انقطاع الوقود والمياه عن غزة3.
الشبكة الخفية: من وراء المؤسسة؟
الشخصيات المحورية
يقف وراء هذه المؤسسة المشبوهة شبكة معقدة من الشخصيات المؤثرة:
🟥 فيليب ريلي – العقل المدبر السري: عميل CIA سابق قضى 29 عاماً في الوكالة، شارك في عملية اصطياد بن لادن وقاد عمليات سرية في أفغانستان والعراق. أسس شركة Safe Reach Solutions في يناير 2025 خصيصاً لهذا المشروع، وكان مستشاراً في Boston Consulting Group حتى ديسمبر 2024.
🟥 جيك وود – المدير المستقيل: مشاة بحرية سابق ومؤسس Team Rubicon، استقال قبل ساعات من بدء عمليات المؤسسة، قائلاً إنه لا يستطيع الالتزام بالمبادئ الإنسانية في ظل هذا النموذج.
🟥 جوني مور – القس الإنجيلي: مستشار ترامب السابق ورئيس المؤسسة الحالي، دعم علناً خطة ترامب للسيطرة على غزة.
🟥 جون أكري – المدير التنفيذي الحالي: مسؤول USAID سابق، يعمل من مقر المؤسسة في تل أبيب.
الدعم المؤسسي الخفي
Boston Consulting Group (BCG): لعبت دوراً محورياً في تصميم المؤسسة وتطوير نماذج لـ”إعادة توطين” الفلسطينيين، قبل أن تنسحب فضائحياً وتفصل شريكين كبيرين بسبب “العمل غير المُصرح به”.
الحكومة الإسرائيلية: رغم الإنكار العلني، تشير مصادر أمريكية إلى أن إسرائيل ساهمت بمئات الملايين، مع تقارير عن 280 مليون دولار إسرائيلي للمشروع.
آلة القتل المُنظمة: كيف تعمل مصائد الموت؟
النموذج القاتل
تعتمد المؤسسة على نموذج يتعمد جذب آلاف الجياع إلى مواقع محدودة – أربعة مراكز فقط في جنوب غزة – محاطة بالأسلاك الشائكة والمتعاقدين الأمريكيين المسلحين والقوات الإسرائيلية. هذا النموذج يتناقض جذرياً مع النهج الإنساني المعتاد الذي يتضمن مئات نقاط التوزيع الآمنة.
شهادات المتعاقدين الأمريكيين
كشف متعاقدان أمريكيان سابقان لوكالة Associated Press عن ممارسات مروعة تتضمن:
⬛ استخدام الذخيرة الحية ضد المدنيين العُزل
⬛ إلقاء القنابل المسيلة للدموع على الحشود الجائعة
⬛ إطلاق النار في جميع الاتجاهات، بما في ذلك نحو طالبي المساعدات
⬛ وصف الفلسطينيين بـ”جحافل الزومبي”
⬛ ثقافة مؤسسية تشجع على “إطلاق النار أولاً وطرح الأسئلة لاحقاً”
الشاهد العسكري المرعب
الملازم أول أنتونيو أغيلار، عميد متقاعد في القوات الخاصة الأمريكية، شهد أمام الكونغرس بما وصفه بـ”جرائم حرب” شاهدها بأم عينه، بما في ذلك إطلاق دبابة ميركافا إسرائيلية قذيفة على الحشود، ووصف ما شاهده بأنه “مذبحة متنكرة في شكل مساعدات”.
الخسائر البشرية المُوثقة: إبادة ممنهجة
الإحصائيات المرعبة
حسب مكتب الأمم المتحدة للمفوض السامي لحقوق الإنسان، سقط 1,373 قتيل أثناء طلب المساعدات منذ بدء عمليات المؤسسة، منهم 859 (62.6%) في مواقع المؤسسة تحديداً. هذا يعني أن المؤسسة مسؤولة عن معدل 12.8 قتيل يومياً.
تصاعد الجرائم اليومية
⬛ 27 مايو (اليوم الأول): 3 قتلى
⬛ 28 مايو: 10 قتلى، 89 جريح
⬛ 1 يونيو: 30+ قتيل، 200+ جريح في رفح
⬛ بنهاية يونيو: 613 قتيل إجمالي
⬛ 31 يوليو: 1,373 قتيل حسب الأمم المتحدة
الاعتراف المتأخر والمضلل
لم تعترف المؤسسة بأي وفيات حتى 16 يوليو، أي بعد 51 يوماً من بدء عملياتها و798 قتيل، عندما أقرت بحادث “تدافع” واحد فقط أدى لمقتل 20 شخص، متهمة حماس بإثارة الاضطرابات.
فضيحة مجموعة بوسطن الاستشارية “Boston Consulting Group”
الدور الخفي للعملاق الاستشاري
كشفت تحقيقات صحيفة Financial Times أن BCG لم تكتف بتصميم نظام توزيع المساعدات، بل طورت نماذج مالية لمشروع سري باسم “Aurora” يهدف لتهجير أكثر من نصف مليون فلسطيني من غزة مقابل “حزم تهجير” ممولة من جهات خارجية.
الانسحاب الفضائحي والطرد الجماعي
بعد تفجر الفضيحة:
⬛ أنهت BCG عقودها مع المؤسسة في يونيو 2025
⬛ فصلت شريكين كبيرين (Matt Schlueter و Ryan Ordway) بتهمة “العمل غير المصرح به”
⬛ أصدرت اعتذاراً عاماً معترفة بـ”فشل في العمليات”
⬛ سحبت فريقها من تل أبيب ووقفت جميع الأعمال المرتبطة بالمشروع
المقاطعة الدولية
قررت منظمة Save the Children الدولية تعليق شراكتها مع BCG، واصفة عملهم في غزة بأنه “غير مقبول تماماً” و”خالٍ من الإنسانية”.
الرفض الدولي الواسع
موقف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية
رفضت الأمم المتحدة وأكثر من 170 منظمة إغاثة دولية التعاون مع المؤسسة، بما في ذلك Save the Children وأوكسفام وأطباء بلا حدود، واصفين نموذجها بأنه:
⬛ “تسليح للمساعدات الإنسانية”
⬛ “مخطط غير شرعي وغير إنساني”
⬛ “انتهاك صارخ للقانون الدولي”
⬛ “مذبحة متنكرة في شكل مساعدات”
بيان الدول الـ28
أصدرت 28 دولة، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا، بياناً مشتركاً يدين نموذج التوزيع الإسرائيلي باعتباره “خطير ويغذي عدم الاستقرار ويحرم الغزيين من الكرامة الإنسانية”.
المطالبة بالتحقيق الجنائي
طالب مركز الحقوق الدستورية و14 منظمة حقوقية أخرى بمساءلة المؤسسة جنائياً عن التواطؤ في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.
الفساد المؤسسي والتستر المالي
انعدام الشفافية المالية
رفضت بنوك عالمية كبرى، بما في ذلك UBS وGoldman Sachs، فتح حسابات للمؤسسة بسبب “انعدام الشفافية حول مصادر التمويل”. هذا الرفض المصرفي نادر الحدوث ويشير إلى مخاوف جدية من غسيل الأموال أو التمويل المشبوه.
إغلاق المكاتب الخارجية
أمرت السلطات السويسرية بإغلاق مكتب المؤسسة في جنيف لعدم الامتثال للمتطلبات القانونية، مما اضطرها لنقل جميع عملياتها إلى الولايات المتحدة.
المعارضة الكونغرسية
وجه 93 نائباً ديمقراطياً في الكونغرس رسالة إلى وزير الخارجية ماركو روبيو يطالبون فيها بتحقيق شامل في المؤسسة، مشيرين إلى أن خبراء USAID سجلوا 58 اعتراضاً على عمليات المؤسسة قبل اعتماد منحة الـ30 مليون دولار.
المتعاقدون الأمريكيون: مرتزقة بلا رقابة
الشركات الأمنية المشبوهة
تعتمد المؤسسة على شركتين أمريكيتين:
🟥 Safe Reach Solutions (SRS): أسسها فيليب ريلي في يناير 2025، مملوكة لصندوق Wyoming-based wealth management غامض الهوية
🟥 UG Solutions: شركة فرعية تتولى التوظيف الأمني
معدلات أجور فاحشة
يتقاضى المتعاقدون الأمريكيون 1,100 دولار يومياً، مما يعني أن تكلفة حارس واحد لشهر واحد (33,000 دولار) تكفي لإطعام 330,000 شخص حسب أرقام المؤسسة ذاتها.
ثقافة عسكرية متطرفة
وصف أحد موظفي SRS ثقافة الشركة بأنها تشبه “شركة ناشئة في التكنولوجيا” رغم طبيعة مهمتها الحساسة والخطيرة. المتعاقدون، وفق الشهادات، يتمتعون بـ”ترخيص مفتوح لفعل ما يشاؤون” دون رقابة فعلية.
زيارة ويتكوف: عرض مسرحي وسط المأساة
التوقيت المريب
جاءت زيارة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف لغزة في 1 أغسطس – أي بعد 67 يوماً من بدء العمليات و1,373 قتيل – لتتزامن مع الإعلان الدعائي عن توزيع 100 مليون وجبة.

شهادة الممرضة الأمريكية
انتقدت إليوس بورغوس، الممرضة الأمريكية المتطوعة في مستشفى ناصر، زيارة ويتكوف قائلة: “كانت مجرد دعاية، زيارة خاضعة للإشراف والإملاء من الجيش الإسرائيلي. ما شاهدوه لم يكن الواقع”.
مشروع إبادة تحت ستار إنساني
يكشف هذا التحقيق عن حقيقة صادمة: “مؤسسة غزة الإنسانية” ليست منظمة إغاثة، بل آلة قتل مُصممة بعناية لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية تحت ستار العمل الإنساني. من خلال جذب الآلاف من الجياع إلى مواقع محدودة ومحاطة بالقوات المسلحة، تحولت مراكز التوزيع إلى “مصائد موت” حقيقية حصدت أرواح أكثر من 1,300 فلسطيني في أقل من 70 يوماً.

التناقضات المالية الصادمة – من 3 مليون إلى 60 مليون دولار – تشير إلى فساد مالي منهجي وغياب المساءلة. استقالة المؤسسين، ورفض البنوك التعامل مع المؤسسة، وانسحاب BCG، والإدانة الأممية والدولية الواسعة، كلها تؤكد أن هذا المشروع كان منذ البداية مخططاً لخدمة أجندة سياسية وليس لإنقاذ الأرواح.
إن ما حدث في غزة تحت مسمى “المساعدات الإنسانية” يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وسابقة خطيرة في تسييس العمل الإنساني. هذا المشروع لم يطعم الجياع، بل قتلهم بأبشع الطرق، وحول الحق في الغذاء إلى فخ قاتل يستهدف أكثر الناس ضعفاً في أحد أصعب الأوقات في تاريخ البشرية الحديث.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز