تشهد محافظة السويداء، الواقعة في جنوب سوريا، تصعيدًا أمنيًا متزايدًا منذ يومي 14 و15 يوليو 2025، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري ومجموعات مسلحة محلية تُوصف بأنها “خارجة عن القانون”. هذه الاشتباكات، التي أسفرت عن سقوط مئات القتلى من الجانبين، تُبرز تحديات معقدة تواجه الجيش السوري في مواجهة حرب العصابات التي تتطلب استراتيجيات عسكرية وأخلاقية وسياسية دقيقة.
التحديات اللوجستية: إيصال العتاد والمؤن
أحد أبرز التحديات في حرب العصابات هو ضمان وصول الإمدادات اللوجستية، مثل العتاد العسكري والطعام، إلى القوات المقاتلة في الميدان. في السويداء، حيث تتسم الجغرافيا بالتضاريس الجبلية والمناطق الريفية الشاسعة، يواجه الجيش السوري صعوبات كبيرة في تأمين خطوط الإمداد. تقارير ميدانية أشارت إلى أن الجيش السوري حاول قطع الإمدادات العسكرية عن المجموعات المسلحة في قرية رساس جنوب السويداء، مما يعكس مدى أهمية السيطرة على اللوجستيات في مثل هذه النزاعات.
الجغرافيا الصعبة في السويداء، التي تشمل جبل العرب ومناطق وعرة، تجعل من السهل على المجموعات المسلحة نصب الكمائن أو تعطيل خطوط الإمداد. على سبيل المثال، الطرق الضيقة والمناطق النائية تُعرض القوافل العسكرية للهجمات المفاجئة، مما يزيد من تكلفة النقل ويؤخر وصول المؤن. علاوة على ذلك، تعاني القوات السورية من نقص في الموارد نتيجة سنوات طويلة من الحرب الأهلية، مما يحد من قدرتها على الحفاظ على إمدادات مستدامة. ومع ذلك، تمكن الجيش السوري من العثور على عتاد عسكري مخبأ في منازل بعض الخارجين عن القانون خلال عمليات التفتيش في السويداء، مما عزز مخزونه من الذخيرة والمعدات. هذا الاكتشاف لم يساهم فقط في تعويض النقص في الإمدادات، بل قدم أيضًا معلومات استخباراتية قيمة حول طرق تعامل المجموعات المسلحة في أرض المعركة، مما يعزز قدرة الجيش على التخطيط لعملياته. هذا التحدي يتطلب استراتيجيات لوجستية متقدمة، مثل استخدام الطائرات المسيرة للإمداد أو تأمين الطرق بقوات إضافية، وهي حلول قد تكون مكلفة أو غير متاحة بشكل كافٍ.
التيه في أرض الميدان
تتميز حرب العصابات بعدم وجود خطوط جبهة واضحة، مما يجعل التنقل في أرض الميدان تحديًا كبيرًا. في السويداء، حيث تتوزع القرى والبلدات عبر تضاريس جبلية وصحراوية، يواجه الجيش السوري صعوبات في تحديد مواقع المجموعات المسلحة. التضاريس المعقدة تتيح للمقاتلين المحليين، الذين يعرفون المنطقة جيدًا، فرصة التفوق في المناورة والاختباء. هذا العامل يزيد من احتمالية تيه الوحدات العسكرية أو وقوعها في كمائن، خاصة في مناطق مثل ريف السويداء الغربي، حيث تتركز الاشتباكات.
كمائن و إشتباكات أو حرب شوارع مستمرة في السويداء ، و سقوط عدد كبير من القتلى و الجرحى للطرفين . pic.twitter.com/YGQ6cZljyU
— ،،، (@Sy_intelligence) July 15, 2025
علاوة على ذلك، تعتمد المجموعات المسلحة على استراتيجيات غير تقليدية، مثل التحرك في مجموعات صغيرة واستخدام الطرق الفرعية، مما يجعل من الصعب تتبعها أو استهدافها بدقة. هذا الواقع يتطلب من الجيش السوري استخدام تقنيات متطورة للمراقبة، مثل الطائرات المسيرة أو أنظمة الاستخبارات الميدانية، لكن ضعف البنية التحتية العسكرية يحد من فعالية هذه الأدوات.
عدم تمركز العدو في مكان واحد
في حرب العصابات، يتميز العدو بعدم التمركز في موقع ثابت، مما يجعل استهدافه تحديًا استراتيجيًا. في السويداء، تشير التقارير إلى أن المجموعات المسلحة، بما في ذلك فصائل درزية محلية مثل المجلس العسكري بقيادة الشيخ حكمت الهجري، تعمل في شكل خلايا صغيرة موزعة عبر المنطقة. هذه الخلايا تستغل معرفتها بالتضاريس لتنفيذ هجمات خاطفة ثم الاختفاء بسرعة، مما يُربك خطط الجيش السوري.
اشتباكات بين عصابات الجولاني والدروز في السويداء pic.twitter.com/2wddmdZWdr
— حسين ابو علي 💛💚 (@Husseinabo33380) July 15, 2025
هذا التحدي يتطلب نهجًا عسكريًا مرنًا يعتمد على القوات الخاصة أو الوحدات المدربة على مكافحة التمرد. ومع ذلك، يعاني الجيش السوري من نقص في مثل هذه الوحدات المتخصصة، حيث اعتمد تاريخيًا على قوات نظامية مصممة لمواجهة جيوش تقليدية. هذا النقص يزيد من صعوبة التعامل مع عدو غير مرئي يعتمد على التشتت والحركة المستمرة.
وجود المدنيين: العائق الأخلاقي والعملياتي
وجود المدنيين في مناطق النزاع يُعد من أكبر التحديات الأخلاقية والعملياتية التي تواجه الجيش السوري. في السويداء، التي تتميز بكثافة سكانية درزية، أثارت عمليات الجيش انتقادات حادة بسبب تقارير عن إعدامات ميدانية استهدفت مدنيين. وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل 19 مدنيًا درزيًا على الأقل في عمليات وصفت بـ”الإعدامات الميدانية”، بما في ذلك 12 شخصًا في مضافة آل رضوان وثلاثة أشقاء برفقة والدتهم.
هذه الحوادث تُبرز التحدي المزدوج: من ناحية، يسعى الجيش إلى ضبط الأمن، لكن وجود المدنيين في مناطق الاشتباكات يعقد العمليات العسكرية. استخدام القوة المفرطة أو القصف العشوائي قد يؤدي إلى خسائر مدنية، مما يزيد من التوترات المحلية ويُغذي المقاومة المسلحة. من ناحية أخرى، التزام الجيش بمعايير أخلاقية عالية يتطلب ضبط النفس، وهو ما قد يُضعف قدرته على تحقيق أهدافه العسكرية بسرعة. هذا التوازن الدقيق يتطلب تدريبًا متقدمًا للجنود على قواعد الاشتباك، بالإضافة إلى استخدام أسلحة دقيقة لتقليل الأضرار الجانبية.
التدخلات الخارجية: تعقيد المشهد العسكري
تُضيف التدخلات الخارجية، وخاصة الغارات الإسرائيلية، طبقة إضافية من التعقيد إلى التحديات التي يواجهها الجيش السوري في السويداء. في الأيام الأخيرة، وتحديدًا في 14 و15 يوليو 2025، استهدفت الغارات الإسرائيلية تعزيزات عسكرية سورية، بما في ذلك قوافل عسكرية وآليات مدرعة، في مناطق قريبة من السويداء. هذه الضربات، التي وصفت بأنها تهدف إلى منع تعزيز المواقع العسكرية السورية، أدت إلى تدمير معدات حيوية وأعاقت تقدم القوات السورية في مواجهة المجموعات المسلحة المحلية.
#عاجل | جنوب #سوريا يشتعل.. العدو الإسرائيلي يقصف دبابات #سورية تجاوزت الحدود #سوريا #إسرائيل https://t.co/uKQReqknNd pic.twitter.com/vCscCTNVFf
— LebanonOn (@LebanonOnNews) July 14, 2025
هذه التدخلات تزيد من الضغط على الجيش السوري، الذي يجد نفسه مضطرًا للتعامل مع تهديدات داخلية من المجموعات المسلحة وتهديدات خارجية في آن واحد. الغارات الإسرائيلية، التي تستهدف غالبًا البنية التحتية العسكرية أو خطوط الإمداد، تُضعف قدرة الجيش على الحفاظ على استمرارية عملياته. علاوة على ذلك، تثير هذه التدخلات تساؤلات حول التنسيق الإقليمي وتأثيره على السيادة السورية، مما يُعقد المشهد السياسي ويزيد من حساسية العمليات العسكرية في المنطقة. هذا الواقع يتطلب من الجيش السوري تطوير استراتيجيات دفاعية لتأمين مواقعه ضد التدخلات الخارجية، مع الحفاظ على تركيزه على مكافحة التمرد الداخلي.
أخطاء الجنود وعدم الالتزام بالأوامر
أخطاء الجنود وعدم التزامهم بالأوامر يُفاقمان من تعقيدات حرب العصابات. في سياق السويداء، أشارت تقارير إلى أن قوات الأمن السورية نفذت عمليات إعدام ميدانية، مما يشير إلى انعدام الانضباط أو سوء التنسيق في بعض الوحدات. هذه الأخطاء ليست فقط انتهاكات أخلاقية، بل تُسهم في تصعيد النزاع من خلال إثارة غضب السكان المحليين وزيادة دعمهم للمجموعات المسلحة.
عدم الالتزام بالأوامر قد ينتج عن ضعف التدريب أو الحماس الزائد والروح المعنوية بين الجنود، وهي مشكلة مزمنة في الجيش السوري بعد سنوات من الصراع. على سبيل المثال، قد يلجأ بعض الجنود إلى استخدام القوة المفرطة كرد فعل على هجمات العصابات، مما يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين ويُعقد جهود الحكومة لاستعادة السيطرة. هذا التحدي يتطلب تعزيز التدريب العسكري، تحسين القيادة الميدانية، وفرض عقوبات صارمة على التجاوزات.
صعوبة التنسيق بين المستوى السياسي والعسكري
يُعد التنسيق بين المستويات السياسية والعسكرية تحديًا جوهريًا في أي نزاع، ويزداد هذا التحدي تعقيدًا في سياق حرب العصابات. في السويداء، أشارت تقارير إلى خرق التفاهمات التي تم التوصل إليها بين الحكومة السورية ووجهاء الطائفة الدرزية، مما أدى إلى تصعيد الاشتباكات. هذا الخرق يعكس غياب التنسيق الفعال بين القرارات السياسية والتنفيذ العسكري، حيث قد تتخذ القوات الميدانية إجراءات تتعارض مع الاتفاقات السياسية.

على المستوى السياسي، تسعى الحكومة السورية إلى استعادة السيطرة على السويداء دون إثارة نزاع طائفي، خاصة مع الطائفة الدرزية التي تتمتع بحضور قوي في المنطقة. ومع ذلك، القرارات العسكرية المتسرعة أو سوء تقدير الموقف قد تؤدي إلى نتائج عكسية. على سبيل المثال، دخول قوات الأمن إلى مناطق حساسة دون تفاهمات مسبقة أثار غضب السكان المحليين وزاد من دعم المجموعات المسلحة. هذا التحدي يتطلب آليات تنسيق محكمة، مثل إنشاء لجان مشتركة بين القادة العسكريين والسياسيين لضمان توافق الاستراتيجيات.
الجغرافيا والأحداث الأخيرة في السويداء
تتميز جغرافيا السويداء بتنوعها بين المناطق الجبلية، مثل جبل العرب، والمناطق الصحراوية، مما يجعلها بيئة مثالية لحرب العصابات. المناطق الريفية، مثل قرية رساس والثعلة، شهدت اشتباكات عنيفة في 14 و15 يوليو 2025، حيث نفذت المجموعات المسلحة هجمات على حواجز الجيش السوري. هذه المناطق توفر غطاءً طبيعيًا للمقاتلين المحليين، مما يزيد من صعوبة العمليات العسكرية.
الأحداث الأخيرة، بما في ذلك الغارات الإسرائيلية على مواقع عسكرية سورية في السويداء، أضافت تعقيدًا إضافيًا. وفقًا لتقارير، استهدفت إسرائيل قوافل عسكرية وآليات مدرعة، مما أعاق تقدم الجيش السوري. هذا التدخل الخارجي يزيد من الضغط على القوات السورية، التي تجد نفسها في مواجهة تهديدات داخلية وخارجية في آن واحد.
تواجه حرب العصابات في السويداء الجيش السوري بتحديات معقدة، تتراوح بين الصعوبات اللوجستية والجغرافية إلى الاعتبارات الأخلاقية والتنسيقية. الأحداث الأخيرة، التي شهدت تصعيدًا أمنيًا وتدخلًا خارجيًا، تُبرز الحاجة إلى نهج شامل يجمع بين العمليات العسكرية الفعالة والحلول السياسية المدروسة. إن نجاح الجيش السوري في فض الخارجين عن القانون يعتمد على قدرته على التغلب على هذه التحديات مع الحفاظ على دعم المجتمع المحلي وتجنب إثارة التوترات الطائفية. في نهاية المطاف، يتطلب الوضع في السويداء توازنًا دقيقًا بين القوة والحكمة السياسية لضمان استعادة الأمن دون المساس بوحدة المجتمع السوري.
صحفي فلسطيني من غزة – كاتب بالشأن السياسي والعسكري بمنصة الواقع العربي، كما أملك خبرات بالتصميم الفني والإبداعي