spot_img

ذات صلة

جمع

القصف الإسرائيلي في السويداء: أداة لإعادة تشكيل سوريا أم حماية المصالح؟

في 14 و15 يوليو 2025، هزت الغارات الإسرائيلية على...

ما هي دوافع إسرائيل من قصف الأرتال السورية المتوجهة لفرض الأمن بالسويداء

في يوليو 2025، شهدت محافظة السويداء جنوب سوريا تصعيدًا...

استشهاد القيادي محمد فرج الغول: سيرة طاهرة ألهمت شعب فلسطين

استشهد فجر اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025، المستشار محمد...

القصف الإسرائيلي في السويداء: أداة لإعادة تشكيل سوريا أم حماية المصالح؟

في 14 و15 يوليو 2025، هزت الغارات الإسرائيلية على دبابات الجيش السوري في السويداء المشهد السياسي والعسكري في سوريا، لتكشف عن تعقيدات الصراع الإقليمي الذي يتجاوز حدود الحرب الأهلية السورية. هذه الضربات، التي استهدفت قوات الحكومة السورية أثناء محاولتها فرض السيطرة على المنطقة، ليست مجرد عمل عسكري عابر، بل تعكس استراتيجية إسرائيلية لإعادة تشكيل الديناميكيات السياسية والطائفية في سوريا.

كيف تستغل إسرائيل الفوضى السورية لتعزيز هيمنتها الإقليمية، مع التركيز على الدور الطائفي، الفراغ الأمني، والتحديات التي تواجهها الحكومة السورية الجديدة.

الزاوية الأخرى: التدخل الإسرائيلي كأداة لإعادة تشكيل سوريا

بعيدًا عن الرواية الإسرائيلية التي تصف ضرباتها بأنها “دفاعية” لحماية أمنها القومي، يبدو أن التدخل في السويداء جزء من استراتيجية أوسع لإعادة صياغة المشهد السياسي السوري. إسرائيل، التي ألغت اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 في ديسمبر 2024، تستغل الفراغ السياسي والعسكري الذي خلفه سقوط نظام بشار الأسد لتوسيع نفوذها. القصف في السويداء ليس استهدافًا عشوائيًا للجيش السوري، بل رسالة إلى حكومة أحمد الشرع بأن أي محاولة لفرض السيطرة على الجنوب السوري ستُقابل برد عسكري. هذه السياسة تعكس رغبة إسرائيل في إبقاء سوريا مجزأة وضعيفة، مما يضمن عدم ظهور قوة عسكرية موحدة قد تهدد مصالحها في مرتفعات الجولان أو ما بعدها.

الدروز كورقة جيوسياسية: بين الحماية والاستغلال

تبرر إسرائيل ضرباتها في السويداء بحماية الطائفة الدرزية، التي واجهت هجمات طائفية في أبريل ويوليو 2025. لكن هذه الحماية تبدو أقرب إلى استغلال جيوسياسي. الدروز، الذين يشكلون مجتمعًا متماسكًا في السويداء، أصبحوا ورقة في يد إسرائيل لتعزيز نفوذها في المنطقة. من خلال تقديم مساعدات إنسانية وإصدار تحذيرات لحكومة دمشق، تسعى إسرائيل إلى كسب ولاء هذه الطائفة، مما يخلق كيانًا مواليًا لها في جنوب سوريا. هذا النهج ليس جديدًا؛ فقد استخدمت إسرائيل تكتيكات مماثلة مع دروز الجولان المحتل، حيث قدمت لهم امتيازات اقتصادية مقابل تعزيز التبعية. لكن هذا الدعم يثير تساؤلات: هل هو حماية حقيقية أم محاولة لتقسيم سوريا طائفيًا؟

فراغ السلطة في سوريا: دعوة مفتوحة للتدخلات الخارجية

سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 خلق فراغًا سياسيًا وعسكريًا استغلته إسرائيل بسرعة. الجيش السوري، الذي عانى من انهيار هيكلي خلال الحرب الأهلية، غير قادر على مواجهة التدخلات الإسرائيلية. هذا الضعف جعل سوريا ساحة مفتوحة للقوى الإقليمية، حيث أقامت إسرائيل مواقع عسكرية في القنيطرة وجبل الشيخ، ووسعت توغلها في المنطقة العازلة. القصف في السويداء يكشف عن استراتيجية إسرائيلية لاستغلال هذا الفراغ لفرض شروطها، سواء من خلال منع إعادة تسليح الجيش السوري أو الضغط على حكومة الشرع لتقديم تنازلات سياسية. هذا الوضع يثير مخاوف من أن تصبح سوريا مسرحًا دائمًا للتدخلات الخارجية، سواء من إسرائيل أو أطراف أخرى مثل تركيا أو روسيا.

دور أحمد الشرع: بين السيادة الوطنية والضغوط الإقليمية

يواجه أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي، معضلة معقدة. من جهة، يسعى لاستعادة السيادة الوطنية من خلال إعادة بناء الدولة وفرض الأمن في مناطق مثل السويداء. لكن الضربات الإسرائيلية تضعف هذه الجهود، حيث تُظهر عجز الجيش السوري عن حماية أراضيه. تصريحات الشرع، التي وصفت القصف بـ”العدوان”، تعكس محاولته الحفاظ على خطاب وطني قوي، لكن محدودية خياراته العسكرية تجبره على التفاوض غير المباشر. هذا النهج قد يكون فعالًا لتجنب تصعيد كارثي، لكنه يعرضه لانتقادات داخلية من قبل فصائل ترى أي تنازل لإسرائيل خيانة للقضية الوطنية. الشرع، إذن، يوازن بين الحفاظ على شرعيته وبين تجنب مواجهة مباشرة لا يملك القدرة على تحمل تبعاتها.

إسرائيل و”الخطوط الحمراء”: هل هي حماية أم هيمنة؟

تتحدث إسرائيل عن “خطوط حمراء” في سوريا، مثل منع انتقال الأسلحة أو حماية الأقليات. لكن هذه الخطوط تبدو مرنة ومصممة لخدمة أهدافها الاستراتيجية. على سبيل المثال، استهداف دبابات الجيش السور في السويداء، التي كانت تتحرك لفرض الأمن، يشير إلى أن إسرائيل لا تتسامح مع أي محاولة لتعزيز سلطة الدولة السورية في الجنوب. هذه السياسة تتجاوز الحماية الذاتية إلى فرض هيمنة إقليمية، حيث تسعى إسرائيل إلى تحويل جنوب سوريا إلى منطقة نفوذ دائمة. هذا النهج يذكرنا بسياساتها في لبنان خلال الثمانينيات، حيث أدت التدخلات إلى تعميق الانق provideالأمني والطائفي.

التداعيات الإنسانية والطائفية للقصف

القصف الإسرائيلي في السويداء لم يقتصر على خسائر عسكرية، بل زاد من التوترات الطائفية في المنطقة. الاشتباكات بين الدروز والبدو، التي سبقت القصف، أدت إلى مقتل العشرات وتشريد مئات العائلات. تدخل إسرائيل، الذي صُور كدعم للدروز، قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات، حيث ينظر البعض إلى هذا التدخل كمحاولة لتحريض الطوائف ضد بعضها. على المستوى الإنساني، تسببت الغارات في نزوح أكثر من 500 عائلة من قرى السويداء، وفقًا لتقارير محلية، مما يفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يعاني أصلًا من نقص الموارد. هذه التداعيات تُظهر أن الضربات الإسرائيلية، حتى لو كانت دقيقة عسكريًا، تترك آثارًا مدمرة على النسيج الاجتماعي السوري.

نحو حلول دبلوماسية أم تصعيد مستمر؟

إن التدخل الإسرائيلي في السويداء يكشف عن تعقيدات الصراع في سوريا، حيث تتداخل المصالح الإقليمية مع التحديات الداخلية. إسرائيل، من خلال ضرباتها، لا تحمي مصالحها فحسب، بل تسعى إلى إعادة تشكيل سوريا بما يتناسب مع أهدافها الاستراتيجية. أما أحمد الشرع، فهو في موقف لا يُحسد عليه، حيث يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية تتطلب مهارة دبلوماسية استثنائية. الحلول العسكرية تبدو بعيدة المنال بالنسبة لسوريا في ظل ضعفها الحالي، مما يجعل الدبلوماسية الخيار الأكثر واقعية. يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، التدخل لضمان احترام السيادة السورية ومنع تحول الجنوب السوري إلى ساحة صراع دائمة. بدون وساطة دولية فعالة، قد يستمر التصعيد الإسرائيلي، مما يهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها.

إسماعيل مقبل

صحفي فلسطيني من غزة – كاتب بالشأن السياسي والعسكري بمنصة الواقع العربي، كما أملك خبرات بالتصميم الفني والإبداعي

spot_imgspot_img