spot_img

ذات صلة

جمع

الكاميرا مقابل الدقيق: تأمل فلسفي في انهيار الإنسانية في غزة

في عام 1995، أطلقت الأمم المتحدة برنامج "النفط مقابل...

هل على فينيسيوس مغادرة ريال مدريد؟

في قلب “سانتياغو برنابيو”، حيث تتداخل الأحلام مع الواقع،...

شركات التكنولوجيا بين الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وفقدان الوظائف الجماعي

تشهد صناعة التكنولوجيا في عام 2025 أحد أقسى فصول تاريخها، حيث تواجه موجة تسريحات عمالية متتالية تطال عمالقة القطاع وشركاته الناشئة على حد سواء. هذه الظاهرة التي تتكشف أمام أعيننا لا تمثل مجرد تقليص للتكاليف، بل تعكس تحولاً جذرياً في طبيعة العمل والاستثمار في عصر الذكاء الاصطناعي.

حجم الكارثة الإنسانية في الأرقام

أمازون: عملاق التجارة الإلكترونية يواجه تحدياته

أعلنت شركة أمازون عن تسريحات واسعة في وحدة الحوسبة السحابية AWS، حيث طالت القرارات المئات من الموظفين. وصف متحدث باسم الشركة القرار بأنه “صعب” لكنه ضروري لتحسين الكفاءة التشغيلية والاستثمار في الابتكار. تأتي هذه الخطوة رغم أن AWS تولد معظم أرباح أمازون، مما يعكس حجم الضغوط التي تواجهها حتى أنجح الوحدات التجارية.

موظف في شركة أمازون أثناء عمله
موظف في شركة أمازون أثناء عمله

مايكروسوفت: ثورة الذكاء الاصطناعي تأكل أطفالها

تستمر مايكروسوفت في موجة التسريحات التي بدأتها في 2025، حيث سرحت حوالي 9,000 موظف في يوليو، أي ما يعادل 4% من قوتها العاملة البالغة 228,000 موظف. هذه التسريحات تأتي كالموجة الثانية بعد تسريح 6,000 موظف في مايو، مما يجعل المجموع يتجاوز 15,000 وظيفة مفقودة في عام واحد.

الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن هذه التسريحات تحدث بينما تستثمر الشركة 80 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. كما كشف الرئيس التنفيذي ساتيا ناديلا أن الذكاء الاصطناعي يكتب الآن بين 20% و30% من أكواد الشركة، مما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل المهندسين البشريين.

صورة تظهر شعار شركة مايكروسوفت
صورة تظهر شعار شركة مايكروسوفت

 

إنتل: أكبر عملية تسريح في التاريخ

تخطط إنتل لأكبر عملية تسريح في تاريخها، حيث ستسرح أكثر من 21,000 موظف، أي حوالي 20% من قوتها العاملة. هذا القرار الجذري يأتي في إطار إعادة هيكلة عملاقة تحت قيادة الرئيس التنفيذي الجديد ليب-بو تان، الذي تولى المنصب في ديسمبر الماضي بعد تقاعد بات جيلسينغر.

تهدف عملية إعادة الهيكلة إلى توفير 10 مليار دولار بحلول 2025، وسط صراع الشركة لمواكبة منافسين مثل إنفيديا في سباق الذكاء الاصطناعي. الشركة التي كانت تضم 108,900 موظف نهاية 2024، تواجه تراجعاً في قيمة أسهمها بنسبة 68% خلال الخمس سنوات الماضية.

صورة من داخل أحد معارض شركة إنتل
صورة من داخل أحد معارض شركة إنتل

الأسباب الجذرية وراء الموجة التدميرية

ثورة الذكاء الاصطناعي: نعمة أم نقمة؟

يعد الذكاء الاصطناعي السبب الأكثر تعقيداً وإثارة للجدل في موجة التسريحات الحالية. فمن ناحية، تستثمر الشركات مليارات الدولارات لتطوير هذه التقنيات، ومن ناحية أخرى تستخدمها لتبرير تسريح آلاف العمال.

أظهرت دراسة حديثة أن 14% من العمال تعرضوا لإزاحة وظيفية بسبب الذكاء الاصطناعي، بينما من المتوقع إنشاء 170 مليون وظيفة جديدة بحلول 2030. هذا التناقض يكشف عن طبيعة التحول المعقدة التي تمر بها الصناعة، حيث تختفي بعض الوظائف بينما تظهر أخرى جديدة تتطلب مهارات مختلفة تماماً.

الضغوط الاقتصادية والمالية

تواجه شركات التكنولوجيا ضغوطاً اقتصادية متعددة الأبعاد. ارتفاع أسعار الفائدة جعل الوصول إلى رؤوس الأموال أكثر تكلفة، مما اضطر الشركات إلى خفض التكاليف وتبسيط هياكلها التنظيمية للبقاء قادرة على المنافسة. كما أن عدم الاستقرار الجيوسياسي خلق بيئة أعمال غير متوقعة، مما قيد فرص النمو أكثر.

تصحيح توقعات ما بعد الجائحة

خلال جائحة كوفيد-19، شهدت شركات التكنولوجيا نمواً هائلاً ووظفت مئات الآلاف من العمال بناءً على توقعات استمرار هذا النمو المتسارع. عمالقة التكنولوجيا مثل ميتا ومايكروسوفت وجوجل وأمازون أضافت مجتمعة حوالي 900,000 وظيفة خلال عامين، بزيادة 57% في القوة العاملة.

لكن هذه التوقعات ثبت أنها متفائلة أكثر من اللازم، وعملية إعادة الهيكلة الحالية تمثل تصحيحاً مالياً لمواءمة النفقات التشغيلية مع توقعات الإيرادات المنقحة.

تأثير التسريحات على مختلف القطاعات

الشركات الناشئة تدفع الثمن الأكبر

الشركات الناشئة، التي تعتبر أكثر عرضة للتقلبات الاقتصادية، تواجه تحديات جمة. معدل فشل الشركات الناشئة وصل إلى 90%، بينما 10% منها فقط تنجح في البقاء خلال العام الأول. ضيق سوق رأس المال الاستثماري جعل العديد من هذه الشركات مضطرة لتقليص أحجامها أو الإغلاق تماماً.

في 2024، أغلقت 966 شركة ناشئة أبوابها مقارنة بـ 769 في 2023، أي بزيادة 25.6%. هذا الارتفاع يعكس التأثير المتأخر للشركات التي تم تمويلها في الأعوام المجنونة 2020-2021 والتي تواجه الآن صعوبات في التمويل والنمو.

القطاعات التقنية المتخصصة

قطاعات تقنية محددة تأثرت بشكل خاص. صناعة أشباه الموصلات شهدت خسائر كبيرة مع تسريحات إنتل الضخمة، بينما قطاع الحوسبة السحابية يعيد تعريف نفسه مع تسريحات AWS. حتى قطاعات كانت تعتبر مستقرة مثل الألعاب والبرمجيات شهدت تقليصات كبيرة.

الآثار الإنسانية والنفسية المدمرة

الصدمة النفسية للموظفين المسرحين

فقدان الوظيفة من شركة تقنية يمكن أن يكون مدمراً نفسياً. الأثر الفوري غالباً ما يشبه صدمة مفاجئة وقاسية. في يوم واحد تكون عضواً مقدراً في الفريق، وربما مُحتفى بك لإسهاماتك، وفي اليوم التالي تواجه فشل الدخول إلى البريد الإلكتروني وSlack، تليها رسالة من الموارد البشرية تؤكد الحقيقة التي تشتبه بها بالفعل – وظيفتك انتهت.

هذا القطع المفاجئ يثير عادة عاصفة من المشاعر المكثفة – الغضب والقلق والحزن وإحساس عميق بالفقدان. من نواحٍ كثيرة، فقدان وظيفتك في تسريح جماعي يشبه تجربة الحداد الشخصي.

التأثير على من بقوا في العمل

حتى الموظفون الذين لم يتأثروا مباشرة بالتسريحات يشعرون بالتأثيرات المتتالية. التهديد الدائم بعدم الأمان الوظيفي يلوح كبيراً، مما يخلق بيئة عمل مليئة بضغط الأداء. علاوة على ذلك، الخوف من التسريحات المحتملة مقترناً بتقييمات أداء أقل أدى إلى الإرهاق ومشاعر الاكتئاب بين العديد من الموظفين.

تشير الإحصائيات إلى أن 77% من العاملين في مجال التكنولوجيا يعزون تدهور صحتهم النفسية إلى تداعيات التسريحات، بينما اعترف 55% بتصاعد استخدام المواد المخدرة كاستجابة للضغط الناجم عن الخوف من قطع الوظائف المحتملة.

الحلول والحماية القانونية

🟥 مبادرات الحماية التشريعية

في كاليفورنيا، قدم المشرعون مشروع قانون يهدف إلى تعزيز حماية العمال من التسريحات الجماعية. يتطلب القانون المقترح من أصحاب العمل الذين يسرحون أكثر من 50 عاملاً في وقت واحد إعطاء الموظفين إشعاراً مدته 90 يوماً. كما يمنع أصحاب العمل من الضغط على العمال للتوقيع على التنازل عن حقوقهم من خلال التنازلات أو اتفاقيات عدم الإفشاء أو اتفاقيات عدم التشهير مقابل راتب الفصل.

🟥 برامج إعادة التأهيل والتدريب

مع تسارع الأتمتة، أصبح من الضروري على العمال عبر الصناعات التكيف للازدهار في سوق العمل المتغير. القدرة على التطور جنباً إلى جنب مع التطورات التكنولوجية أصبحت محدداً رئيسياً للنجاح المهني.

العديد من الموظفين المتأثرين يسعون لإعادة تأهيل مهاراتهم أو تطويرها في مجالات عالية الطلب مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والحوسبة السحابية. الحكومات والمنظمات الخاصة تتدخل ببرامج إعادة التدريب لتسهيل الانتقال.

المقارنة التاريخية والسياق الأوسع

🟥 مقارنة مع الركود العظيم

التسريحات الحالية في قطاع التكنولوجيا تفوق مستويات الركود العظيم 2008-2009. في 2008، سرحت شركات التكنولوجيا حوالي 65,000 موظف، وعدد مماثل فقد أرزاقهم في 2009. بالمقارنة، سرحت 965 شركة تقنية أكثر من 150,000 موظف في 2022 وحدها عالمياً، متجاوزة مستويات الركود العظيم.

الفرق الأساسي أن تسريحات 2008-2009 كانت بسبب أزمة مالية، بينما التسريحات الحالية مدفوعة بتحول تكنولوجي أساسي قد يكون دائماً.

🟥 الاتجاهات العالمية

على المستوى العالمي، شهد عام 2025 أكثر من 80,000 تسريح في قطاع التكنولوجيا عبر 163 شركة خلال الأشهر السبعة الأولى. هذا يتبع عاماً قاسياً في 2024 حيث فقد 150,000 عامل وظائفهم عبر 549 شركة.

التأثيرات على الاقتصاد الأوسع

🟥 تأثير على العقارات التجارية

التسريحات تطرح تحدياً لقطاع العقارات التجارية، خاصة في مراكز التكنولوجيا مثل سان فرانسيسكو وأوستن ونيويورك. الولايات المتحدة لديها حالياً حوالي مليار قدم مربع من المساحات المكتبية الشاغرة، مسجلة أعلى مستوى على الإطلاق بمعدلات شغور تتجاوز 15% في عدة مدن كبرى.

🟥 التأثير على الابتكار والاستثمار

رغم التسريحات، يبقى القطاع بؤرة للاستثمار. المستثمرون يضخون المليارات في التقنيات الناشئة، مؤكدين إمكانات السوق بينما يضغطون على الشركات للعمل بإلحاح أكبر. للحفاظ على ميزاتها التنافسية، تضاعف الشركات من الابتكار، وتعيد توزيع الموارد، وتبسط العمليات وإن كان ذلك غالباً على حساب قوتها العاملة.

الوظائف المستقبلية والتحول المهني

🟥 وظائف جديدة في عصر الذكاء الاصطناعي

رغم التسريحات المدمرة، يتوقع منتدى الاقتصاد العالمي أن الذكاء الاصطناعي والأتمتة ستدفع بخلق 97 مليون وظيفة جديدة بحلول 2025، خاصة في فئات محددة تشمل محللي البيانات والعلماء، ومتخصصي الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ومتخصصي البيانات الضخمة، ومتخصصي التسويق والاستراتيجية الرقمية.

🟥 المهارات المطلوبة مستقبلاً

الوظائف المستقبلية ستتطلب مزيجاً من الخبرة التقنية والقدرة على التكيف والإبداع. أمثلة تشمل محللي البيانات، ومدربي الذكاء الاصطناعي، وخبراء الأمن السيبراني، ومتخصصي أتمتة العمليات. سوق العمل سيفضل بشكل متزايد الأفراد الذين يملكون مزيجاً من المعرفة المتخصصة في مجال محدد والمهارات التقنية.

استراتيجيات البقاء والنمو

🟥 للشركات: التوازن بين الكفاءة والمسؤولية

الشركات التي تعيد الهيكلة بفعالية يمكنها تعزيز موقعها التنافسي، بينما تلك التي تكافح مع العملية قد تجد نفسها عرضة للمنافسين. قدرة الصناعة على موازنة الكفاءة مع المسؤولية ستحدد مسارها المستقبلي.

🟥 للأفراد: التعلم المستمر والتكيف

بالنسبة للعمال، أصبح التعلم المستمر وتطوير المهارات ضرورة حتمية. القدرة على التطور جنباً إلى جنب مع التطورات التكنولوجية أصبحت محدداً رئيسياً للنجاح المهني. العمال الذين يستطيعون دمج المهارات التقنية مع القدرات الإنسانية مثل الإبداع والتفكير النقدي والذكاء العاطفي سيكونون في موقع أفضل.

النظرة المستقبلية والتحديات القادمة

سيناريوهات محتملة لعام 2026 وما بعده

مع استمرار إعادة المعايرة الاستراتيجية للشركات، من المرجح أن تستمر إعادة هيكلة القوى العاملة خلال 2025 وما بعدها. ومع ذلك، يقدم هذا أيضاً فرصة لبناء قوة عاملة أكثر مهارة وقدرة على التكيف ومستعدة للمستقبل.

الشركات التي تستثمر في أفرادها وتربط نموها التكنولوجي بممارسات قوى عاملة أخلاقية ستقود الطريق في الاقتصاد الرقمي الجديد.

التحديات التنظيمية والسياسية

الحكومات حول العالم تواجه ضغوطاً متزايدة لوضع أطر تنظيمية تحمي العمال مع السماح للابتكار التكنولوجي بالمتابعة. التحدي يكمن في إيجاد توازن بين تشجيع الاستثمار في التقنيات الجديدة وحماية حقوق العمال والاستقرار الاقتصادي.

نحو مستقبل أكثر إنسانية 

موجة التسريحات الحالية في قطاع التكنولوجيا ليست مجرد أزمة عابرة، بل تمثل نقطة تحول حاسمة في تاريخ هذه الصناعة. التحول من النمو السريع إلى الكفاءة والاستدامة، ومن التوظيف الجماعي إلى التوظيف المتخصص، يعيد تشكيل المشهد التقني بأكمله.

الأرقام صارخة: أكثر من 80,000 وظيفة فقدت في 2025، و21,000 تسريح في إنتل وحدها، و9,000 في مايكروسوفت، ومئات في AWS. لكن وراء هذه الأرقام قصص إنسانية لآلاف العائلات التي تواجه عدم اليقين المالي والنفسي.

الدروس المستفادة واضحة: الاستثمار في رأس المال البشري وتطوير المهارات ضروري للنجاة في عصر الذكاء الاصطناعي. الشركات التي تعامل موظفيها كشركاء في التحول التكنولوجي، وليس كخصوم له، ستكون أكثر قدرة على النجاح طويل الأمد.

في النهاية، مستقبل قطاع التكنولوجيا لن يتحدد بالخوارزميات والأتمتة وحدها، بل بقدرتنا على خلق توازن مستدام بين التقدم التقني والرفاهية الإنسانية. التحدي الحقيقي هو ضمان أن ثورة الذكاء الاصطناعي تخدم الإنسانية، وليس العكس

spot_imgspot_img