تصاعد الأزمة ودخول القوات الحكومية
شهدت محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب سوريا أحداثاً دراماتيكية في 15 يوليو 2025، حيث دخل الجيش السوري والقوات الأمنية إلى المحافظة لأول مرة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وسط اشتباكات دامية واسعة ارتفعت فيها حصيلة القتلى إلى أكثر من 116 شخصاً.
أعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة صباح اليوم دخول قوات الجيش إلى مدينة السويداء، مؤكداً أن “الجيش السوري مستمر في عملياته بهدف بسط الاستقرار والأمن”، تزامن هذا التدخل مع فرض حظر تجول شامل في شوارع المدينة اعتباراً من الثامنة صباحاً وحتى إشعار آخر.
أسباب الصراع: من حادثة سلب إلى مواجهات دامية
بدأت الأزمة الحالية يوم 11 يوليو 2025 بحادثة سلب استهدفت تاجر خضار درزي على طريق دمشق-السويداء، حيث اعتدى أفراد من العشائر البدوية عليه وسرقوا سيارته وممتلكاته، ووجهوا إليه إهانات طائفية وتهديدات بالقتل، ردت مجموعات درزية مسلحة باختطاف عدة أفراد من العشائر البدوية، مما أدى إلى دورة من عمليات الاختطاف الانتقامية تصاعدت بسرعة إلى اشتباكات مسلحة مفتوحة
محاولة فرض السيطرة من الجيش السوري وإرسال تعزيزات عسكرية
أرسلت وزارة الدفاع السورية تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محيط محافظة السويداء، بهدف فض الاشتباكات وضبط الأمن وبسط سيطرة الدولة وملاحقة الخارجين عن القانون، تضمنت هذه التعزيزات آليات مدرعة ودبابات وراجمات صواريخ ومدفعية ثقيلة، مع انتشار وحدات عسكرية متخصصة في المناطق المتأثرة
وصلت تعزيزات عسكرية من محافظات أخرى بما في ذلك من إدلب، حيث تم رصد أرتال عسكرية لقوات وزارة الدفاع تتجه من حماة وحمص نحو دمشق، ثم إلى السويداء، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا أن الحسم في السويداء بات قريباً لصالح الدولة السورية.

التدخلات الإسرائيلية والأضرار التي تسببت فيها
تدخلت إسرائيل عسكرياً في الأزمة بشكل مباشر، حيث أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس تعليمات للجيش الإسرائيلي بضرب القوات السورية والأسلحة التي نُشرت في السويداء، . أعلنت إسرائيل أنها تستهدف القوات السورية تحت ذريعة حماية الدروز في سوريا ومنع انتهاك سياسة نزع السلاح في المنطقة الحدودية.
نفذ الطيران الإسرائيلي عدة غارات جوية استهدفت مواقع متفرقة في أطراف مدينة السويداء، مستهدفة آليات عسكرية تابعة للقوات السورية بما في ذلك دبابات وناقلات جند مدرعة وقاذفات صاروخية، كما استهدفت إحدى الغارات مبنى قيادة الشرطة في وسط مدينة السويداء، مما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف الأمن العام.
أدت الغارات الإسرائيلية إلى مقتل عدد من عناصر قوات الجيش والأمن، بالإضافة إلى عدد من المدنيين، كما وصفت وزارة الخارجية السورية الهجمات الإسرائيلية بأنها جاءت في “توقيت مدروس وسياق مشبوه يستهدف زعزعة الاستقرار الوطني”.

حالة الفوضى ومشاهد التنكيل بين الطرفين
شهدت محافظة السويداء حالة فوضى وعنف واسعة النطاق، حيث ارتكبت قوات تابعة لوزارة الدفاع انتهاكات جسيمة شملت إعدامات ميدانية لمدنيين دروز. وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 19 مدنياً درزياً في عمليات إعدام ميدانية نفذتها قوات الأمن السورية، من بينهم 12 شخصاً من مضافة آل رضوان.
في حي الباشا شمال المدينة، أُعدم ثلاثة شبان من عائلة قرضاب ميدانياً أمام والدتهم، وفي مضافة آل رضوان وقعت مجزرة دامية راح ضحيتها تسعة مدنيين بينهم كبار في السن، بعدما اقتحمها المسلحون وفصلوا الرجال عن النساء، كما سقط سبعة أشخاص أمام المركز الثقافي في مدينة السويداء
شهدت المدينة عمليات نهب وحرق واسعة طالت المحال التجارية والمنازل، مع اعتداءات على أماكن عبادة مثل كنيسة مار ميخائيل، قُتلت الدكتورة فاتن هلال برصاصة في الرأس أثناء محاولتها الوصول إلى المشفى الوطني.
من الجانب الآخر، تعرضت قوات الجيش السوري لهجمات من مجموعات مسلحة درزية، حيث استُشهد ستة عناصر من الجيش وأصيب 15 آخرون جراء استهدافهم من قبل ” دروز خارجين عن القانون” أثناء محاولتهم فض الاشتباكات
موقف الزعامة الدرزية والتطورات السياسية
لعب الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، دوراً محورياً في الأحداث. في البداية، أصدرت الرئاسة الروحية بياناً رحبت فيه بدخول القوات الحكومية إلى المحافظة، داعية الفصائل المسلحة إلى عدم المقاومة وتسليم السلاح، لكن الهجري تراجع لاحقاً عن هذا الموقف في بيان مصور، زاعماً أن البيان السابق “فُرض من قبل دمشق وبضغوط خارجية”، ودعا أبناء السويداء إلى “التصدي لهذه الحملة البربرية بكل الوسائل المتاحة”، واتهم الهجري الحكومة بـ”نكث العهد والوعد” و”قصف المدنيين العزل” رغم قبوله بـ”البيان المُذل”.
إعلان وقف إطلاق النار والوضع الراهن
في تطور مفاجئ، أعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة مساء اليوم عن “وقف تام لإطلاق النار بعد الاتفاق مع وجهاء وأعيان مدينة السويداء”، مؤكداً أن الرد سيكون فقط على مصادر النيران والتعامل مع أي استهداف من المجموعات الخارجة عن القانون، أشار أبو قصرة إلى أن الجيش سيبدأ في تسليم أحياء مدينة السويداء لقوى الأمن الداخلي عند “الانتهاء من عمليات التمشيط، لمتابعة ضبط الفوضى وعودة الأهالي لمنازلهم”، بدأ الجيش سحب الآليات الثقيلة من المدينة تمهيداً لتسليم أحياء المدينة لقوى الأمن الداخلي.
إلى كافة الوحدات العاملة داخل مدينة السويداء، نعلن عن وقف تام لإطلاق النار بعد الاتفاق مع وجهاء وأعيان المدينة، على أن يتم الرد فقط على مصادر النيران والتعامل مع أي استهداف من قبل المجموعات الخارجة عن القانون.
— مرهف أبو قصرة (@Murhaf_abuqasra) July 15, 2025
الخلاصة والتداعيات
تُظهر أحداث 15 يوليو في السويداء تعقيدات المرحلة الانتقالية في سوريا، حيث تواجه الحكومة الجديدة تحديات كبيرة في بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية. ارتفعت حصيلة القتلى منذ بداية الاشتباكات إلى 166 قتيلاً، منهم 67 من أبناء محافظة السويداء و78 من عناصر وزارة الدفاع والأمن العام ومسلحي البدو، و21 شخصاً أُعدموا ميدانياً.
تشكل هذه الأزمة اختباراً حقيقياً لقدرة الحكومة السورية على إدارة التنوع الطائفي والعرقي في البلاد، وحماية الأقليات، وبناء دولة مؤسسات قادرة على فرض القانون وحفظ الأمن. كما تُبرز خطورة التدخلات الخارجية، خاصة الإسرائيلية، في الشؤون الداخلية السورية تحت ذرائع مختلفة.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز