spot_imgspot_img

عدسة الحقيقة: كيف غيّرت صور الصحفي عمرو طبش المشهد العالمي حول مجاعة غزة

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتدفق المعلومات، تبقى الصورة الوسيلة الأقوى للتعبير عن المأساة الإنسانية ونقل الألم عبر الحدود والثقافات. وفي قلب قطاع غزة المحاصر، يواصل المصور الصحفي عمرو طبش مهمته النبيلة في توثيق واحدة من أفظع الكوارث الإنسانية في التاريخ المعاصر. من خلال عدسته، نقل طبش صوراً مؤثرة لأطفال يتضورون جوعاً ووجوه منهكة تحكي قصص المعاناة، فأصبحت هذه الصور سلاحاً بصرياً قوياً هز الضمير العالمي وحرك الرأي العام الدولي بطريقة لم تستطع الكلمات وحدها تحقيقها.

المصور الصحفي عمرو طبش: صوت بصري من قلب الجحيم

يُعتبر عمرو طبش، المصور الصحفي الفلسطيني، واحداً من أبرز الأصوات البصرية التي توثق الواقع المرير في قطاع غزة. استطاع طبش خلال مسيرته المهنية أن يحصد عدة جوائز للتصوير الصحفي، حيث فازت إحدى صوره التي لخصت معاناة أطفال غزة بالمركز الأول في مسابقة الصورة الصحفية عام 2023.

لكن رحلة طبش في توثيق المأساة لم تكن سهلة، فقد دفع ثمناً باهظاً من سلامته الشخصية في سبيل أداء واجبه المهني. ففي مايو 2025، أُصيب بشظية في رأسه نتيجة استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمستشفى الأوروبي في خان يونس، حيث كان يقوم بتغطية الأحداث هناك. وفي حادثة أخرى، نجا بأعجوبة من قصف إسرائيلي عنيف استهدف ساحة المستشفى الأوروبي أثناء إجرائه مقابلة صحفية.

رغم هذه المخاطر الجسيمة، يواصل طبش عمله بإصرار وعزيمة، مدركاً أن كاميرته هي سلاحه الوحيد لفضح الحقيقة ونقل معاناة شعبه للعالم. وفي تصريح مؤثر، قال طبش: “عجزت عدسة كاميرتي، وعجزت معها كل حروف اللغة، عن وصف المجاعة التي نعيشها اليوم في غزة”.

وفاة الشاب عادل ماضي (27 عامًا) في مجمع ناصر الطبي بخانيونس، نتيجة التجويع وسوء التغذية الحاد، ونقص الأدوية والعلاجات…

Posted by Amr Tabash on Thursday, July 31, 2025 

الكارثة الإنسانية: أرقام مفزعة خلف العدسة

تكشف الإحصائيات الرسمية عن حجم الكارثة الإنسانية التي يوثقها طبش وزملاؤه من المصورين الصحفيين في غزة. فحتى نهاية يوليو 2025، سجلت وزارة الصحة الفلسطينية 154 حالة وفاة بسبب المجاعة وسوء التغذية منذ بداية الحرب، من بينها 89 طفلاً، مما يعني أن الأطفال يشكلون أكثر من 57% من ضحايا التجويع

هذه الأرقام المرعبة لا تعكس فقط حجم المأساة، بل تُظهر أيضاً الاستهداف الممنهج للأطفال من خلال سياسة التجويع. فوفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يواجه حوالي 470 ألف شخص في غزة جوعاً كارثياً، بينما يحتاج أكثر من 71 ألف طفل إلى علاج عاجل لسوء التغذية الحاد.

تشير البيانات إلى أن الوضع يتدهور بسرعة مخيفة، حيث سُجلت 7 وفيات جديدة خلال 24 ساعة فقط في نهاية يوليو 2025، من بينها طفل، مما يُبرز الطبيعة الطارئة لهذه الأزمة. وتحذر منظمات دولية من أن 96% من النساء والأطفال في غزة لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.

وجوه المأساة: قصص حقيقية خلف العدسة

خلف كل رقم في هذه الإحصائيات المؤلمة، تكمن قصة إنسانية مفجعة وثقها طبش وزملاؤه من المصورين. ومن أبرز هذه القصص قصة الطفلة مسك المدهون، التي تدهور وزنها من تسعة كيلوغرامات إلى حوالي أربعة كيلوغرامات فقط، وما زال ينقص فيما تذوب الطفلة البريئة أمام أعين والديها.

كما وثقت الكاميرات قصة الطفل أنور الخضري البالغ من العمر ثلاثة أشهر، الذي استشهد في الرابع عشر من شهر فبراير 2024 جراء سوء التغذية. تقول والدته: “لم يكن هناك حليب صناعي بسبب الحصار، ولم يكن هناك حليب في ثديي بسبب نقص الغذاء… ابني بكى طوال الليل من الجوع”.

وفي مشهد آخر مؤلم، وثقت الصور وفاة الطفل عبد الحميد الغلبان في مجمع ناصر الطبي جراء معاناته من سوء التغذية الحاد والجفاف، حيث شيعت عائلته جثمانه وسط حالة من الحزن الشديد.

لكن الأمر لا يقتصر على الوفيات فحسب، بل يمتد إلى مشاهد صادمة لأطفال يأكلون الرمال من شدة الجوع، كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً لطفلة لا يتجاوز عمرها خمس سنوات تتناول الرمل من الأرض باستخدام حجر صغير.

الصحافة المصورة: سلاح التأثير على الرأي العام

تلعب الصحافة المصورة دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام العالمي، خاصة عندما تتناول قضايا إنسانية ملحة. فكما أكد خبراء الإعلام، تمتلك الصور قدرة استثنائية على تقديم عدد من المعاني الإضافية للمادة المكتوبة، مما يزيد في مصداقيتها ويحقق فهماً واستيعاباً أكبر للمتلقي.

وتؤكد الدراسات أن الصور الفوتوغرافية تحمل رسالة ذات معنى، مثلها مثل النص اللغوي، لذلك يمكن للمتلقي أن يقوم بتحليل عميق للصور لاستخراج المعنى أو الرسالة المراد إيصالها. كما تتمتع الصور بقدرة على تثبيت المعلومات في ذاكرة القارئ بدرجة أعلى من المادة المكتوبة

في سياق الأزمة الفلسطينية، تبرز أهمية خاصة للصحافة المصورة في كسر الحواجز اللغوية والثقافية. فالصور تتجاوز حدود اللغة وتصل إلى قلوب الناس مباشرة، مما يجعلها وسيلة فعالة لنقل المعاناة الإنسانية وإثارة التعاطف العالمي. وكما يؤكد خبراء التصوير الوثائقي، فإن التصوير الوثائقي الاجتماعي يخصص لتصوير الجماعات التي توضح المعيشة أو ظروف العمل التي يُنظر إليها على أنها مخزية أو تمييزية أو غير عادلة.

التأثير العالمي: كيف هزت الصور الضمير الدولي

استطاعت صور المجاعة في غزة، والتي ساهم عمرو طبش في توثيق جزء كبير منها، أن تُحدث تأثيراً عالمياً واسعاً على مستوى الرأي العام والسياسات الدولية. فقد أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تأثره الشديد هو والسيدة الأولى ميلانيا بصور المجاعة، قائلاً: “أعتقد أن الجميع، ما لم يكونوا قاسيي القلوب أو أسوأ من ذلك، لا يوجد شيء يمكن قوله سوى أن الأمر مروع عندما ترى الأطفال”.

وأضاف ترامب في تصريحات مؤثرة: “هؤلاء أطفال، سواء تحدثوا عن المجاعة أم لا، هؤلاء أطفال يتضورون جوعاً”. هذه التصريحات جاءت بعد رفضه لادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدم وجود مجاعة في القطاع.

صورة تعبر عن الجوع الشديد والكارثي الذي يعاني منه أهالي قطاع غزة منذ شهور
صورة تعبر عن الجوع الشديد والكارثي الذي يعاني منه أهالي قطاع غزة منذ شهور

كما أثارت الصور ردود فعل دولية واسعة، حيث واجهت إسرائيل انتقادات حادة من دول عديدة. فقد اتهمت مصر إسرائيل باستخدام “التجويع كسلاح” في انتهاك صارخ للقانون الإنساني، بينما وصفت السعودية قرار إسرائيل بأنه “أداة للابتزاز والعقاب الجماعي”.

وعلى الصعيد الأوروبي، رفضت دول أوروبية أبرزها بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا تصريحات ترامب حول السيطرة على غزة، مؤكدة أن غزة هي أرض الفلسطينيين ويجب أن يبقوا فيها.

عندما تصبح الكاميرا سلاحاً للحق

في عالم تتصارع فيه الروايات وتتضارب فيه الحقائق، تبرز الصحافة المصورة كشاهد لا يكذب على الأحداث والمآسي الإنسانية. وما يقوم به المصور عمرو طبش وزملاؤه من المصورين الفلسطينيين يُعتبر عملاً بطولياً يستحق كل التقدير والاحترام، فهم يخاطرون بحياتهم يومياً لنقل الحقيقة للعالم.

إن الصور التي التقطها طبش لأطفال يتضورون جوعاً ووجوه منهكة تحكي قصص المعاناة، لم تكن مجرد وثائق بصرية، بل كانت صرخات استغاثة صامتة وصلت إلى قلوب الملايين حول العالم. هذه الصور أثبتت أن القلم والكاميرا يمكن أن يكونا أقوى من السيف في مواجهة الظلم والطغيان.

وفي ظل استمرار المعاناة الإنسانية في غزة، تبقى الحاجة ملحة لمزيد من التوثيق البصري الصادق الذي يعكس حقيقة ما يجري، ويساهم في تحريك الضمير العالمي نحو اتخاذ إجراءات فعلية لوقف هذه المأساة الإنسانية. فكما قال طبش نفسه، رغم عجز عدسته عن وصف كامل المأساة، إلا أنها تبقى النافذة الوحيدة التي يطل منها العالم على حقيقة ما يحدث في غزة.

إن عمل المصورين الصحفيين أمثال عمرو طبش لا يقتصر على التوثيق فحسب، بل يمتد إلى كونه جسراً إنسانياً يربط بين معاناة الشعب الفلسطيني والضمير العالمي، وهو دور لا يقل أهمية عن دور المقاومة نفسها في الدفاع عن الحقوق والكرامة الإنسانية.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

فريق التحرير
فريق التحريرhttps://alwaqie-ar.net
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز
spot_imgspot_img

Get in Touch

1,619,217المشجعينمثل
1,899أتباعتابع
5,195أتباعتابع
spot_img

Latest Posts