في يونيو 2025، شهد الصراع بين إسرائيل وإيران تصعيدًا غير مسبوق، ليس فقط في المجال العسكري، بل في ساحة الحرب النفسية التي أصبحت سلاحًا مركزيًا في النزاع. مع تزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الذكاء الاصطناعي، تحولت المواجهة إلى حرب معلوماتية معقدة، حيث أصبحت الأكاذيب المصممة بعناية والمحتوى المزيف أدوات للتأثير على الرأي العام، زرع الخوف، وإضعاف الخصم. هذا التقرير يستعرض بالتفصيل هذا التحول، مع التركيز على هجوم سجن إيفين في طهران يوم 23 يونيو 2025 كدراسة حالة، ويحلل الأساليب، الأهداف، والتداعيات الإقليمية والدولية لهذه الحرب النفسية الجديدة.
خلفية الصراع
بدأت الضربات الإسرائيلية على إيران في 13 يونيو 2025، تحت اسم العملية الرمزية “عَم كِلافي”، واستهدفت منشآت نووية، مصانع صواريخ باليستية، وقادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين. ردت إيران بعملية “الوعد الصادق 3″، وهي سلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على أهداف إسرائيلية. خلال هذه المواجهات التي استمرت 12 يومًا، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة معركة موازية، حيث استخدم الطرفان تقنيات متطورة للتضليل والدعاية.
هجوم سجن إيفين: دراسة حالة
في 23 يونيو 2025، استهدفت إسرائيل سجن إيفين في طهران، وهو مكان يُحبس فيه المعارضين السياسيين. قبيل الهجوم، لوحظ نشاط مكثف على منصات التواصل الاجتماعي باللغة الفارسية، يحث الإيرانيين على “تحرير السجناء” ويلمح إلى هجوم وشيك. بعد الانفجارات، انتشرت مقاطع فيديو وصور تُزعم أنها تُظهر دمار أبواب السجن، مصحوبة بهاشتاغ “#حرروا_إيفين”. ومع ذلك، أكدت تحليلات أن العديد من هذه المقاطع كانت مفبركة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

هذه الحملة لم تكن مجرد دعاية، بل كانت جزءًا من استراتيجية مدروسة لإثارة الفوضى داخل إيران. الهدف كان زعزعة الثقة في النظام الإيراني، خاصة من خلال استغلال السجن كرمز للاضطهاد، وتحفيز السكان على التمرد. ومع ذلك نشرت وسائل الإعلام الإيرانية روايات مضادة، قللت من شأن الأضرار، وحذرت من “تلوث معلوماتي” يهدف إلى إثارة القلق بين المواطنين.
أدوات الحرب النفسية
الذكاء الاصطناعي التوليدي
لعب الذكاء الاصطناعي التوليدي دورًا محوريًا في هذا الصراع. استخدمت إسرائيل نماذج مثل تلك التي طورتها وحدة الاستخبارات 8200 لإنشاء محتوى مضلل، بما في ذلك مقاطع فيديو مزيفة تُظهر دمارًا واسعًا أو إسقاط طائرات إسرائيلية مثل F-35. على الجانب الإيراني، استخدمت حسابات مثل “Daily Iran Military”، التي تضاعف عدد متابعيها بشكل مفاجئ، تقنيات مماثلة لنشر صور ومقاطع تُظهر هجمات صاروخية ناجحة على تل أبيب، والتي تبين لاحقًا أنها مفبركة.
وسائل التواصل الاجتماعي
تحولت منصات مثل “إكس” إلى ساحات رئيسية لنشر المعلومات المضللة. استخدمت إسرائيل حسابات وهمية وروبوتات ذكاء اصطناعي لتضخيم الدعاية المؤيدة لها، بينما نشرت إيران رسائل تحذيرية مزيفة لإثارة الذعر بين الإسرائيليين، مثل تحذيرات من نقص الوقود أو تفجيرات وشيكة. هذه الحملات استهدفت العقول قبل الميدان، مما جعل التمييز بين الحقيقة والكذب تحديًا كبيرًا للجمهور.
BREAKING: IDF bombs the notorious Evin prison’s security, administrative and legal buildings, in addition to the gates. Evin prison has long served as a symbol of oppression with some of the most known political prisoners suffering horrendous torture and abuse there.
THIS is… pic.twitter.com/HL15i6pUGF
— Emily Schrader – אמילי שריידר امیلی شریدر (@emilykschrader) June 23, 2025
الحرب السيبرانية
تزامنت الحرب النفسية مع هجمات سيبرانية معقدة. استهدفت إيران الوحدة 8200 الإسرائيلية، وحاولت اختراق أنظمة مصرفية وتجارية لتقويض الاستقرار الاقتصادي. في المقابل، نفذت إسرائيل هجمات سيبرانية على البنية التحتية الإيرانية، بما في ذلك أنظمة الاتصالات، مما زاد من الارتباك والخوف بين السكان.
أهداف الحرب النفسية
- نشر الخوف والارتباك: استهدفت الحملات النفسية إثارة الذعر بين السكان. على سبيل المثال، أدت الرسائل الإيرانية المزيفة إلى نزوح جماعي من طهران، بينما حاولت إسرائيل زعزعة الثقة في قدرات الحرس الثوري.
- التأثير على صناع القرار: سعت كلتا الدولتين إلى التأثير على قرارات القادة السياسيين والعسكريين من خلال تضخيم الخسائر أو تقليل الانتصارات.
- إضعاف الروح المعنوية: كان الهدف إثارة الانقسامات الداخلية، مثل استهداف إسرائيل للمعارضة الإيرانية عبر الدعوة إلى التمرد، أو محاولات إيران لإثارة الشكوك حول فعالية الدفاعات الإسرائيلية.
- كسب التعاطف الدولي: استخدم الطرفان روايات متضاربة لكسب تعاطف الرأي العام الإقليمي والدولي. بينما روجت إسرائيل لرواية “الدفاع عن النفس”، صوّرت إيران نفسها كضحية لـ”عدوان غير مبرر”.
التداعيات
على المستوى الإقليمي
أدت هذه الحرب النفسية إلى تعقيد المشهد الإقليمي. في لبنان، عززت مقاطع الفيديو الإيرانية من شعبية حزب الله، بينما عبرت دول الخليج مثل السعودية والإمارات عن قلقها من تصعيد إيراني محتمل.
على المستوى الدولي
أثارت الحرب النفسية قلقًا دوليًا، حيث دعت الأمم المتحدة إلى ضبط النفس وحذرت من عواقب وخيمة. كما أعربت دول مثل فرنسا وألمانيا عن قلقها من استهداف المنشآت النووية، بينما دعمت الولايات المتحدة إسرائيل مع تحفظات دبلوماسية.
على المستوى التكنولوجي
كشفت هذه المواجهة عن محدودية الأدوات الحالية في كشف المحتوى المزيف. يرى خبراء مثل أستاذ جامعة كاليفورنيا أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تُصمم لنقل معلومات دقيقة، مما يجعلها بيئة خصبة للأكاذيب.
يمثل هذا الصراع تحولًا جذريًا في طبيعة الحروب في الشرق الأوسط، حيث أصبحت الحرب النفسية، المدعومة بالذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي، سلاحًا لا يقل أهمية عن الصواريخ. مع استمرار تطور التكنولوجيا، من المتوقع أن تصبح هذه الأساليب أكثر تعقيدًا، مما يتطلب جهودًا دولية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب المعلوماتية وضمان حماية الرأي العام من التضليل.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز