spot_img

ذات صلة

جمع

موجز أحداث اليوم 15 يوليو في السويداء

تصاعد الأزمة ودخول القوات الحكومية شهدت محافظة السويداء ذات الأغلبية...

القصف الإسرائيلي في السويداء: أداة لإعادة تشكيل سوريا أم حماية المصالح؟

في 14 و15 يوليو 2025، هزت الغارات الإسرائيلية على...

ما هي دوافع إسرائيل من قصف الأرتال السورية المتوجهة لفرض الأمن بالسويداء

في يوليو 2025، شهدت محافظة السويداء جنوب سوريا تصعيدًا...

استشهاد القيادي محمد فرج الغول: سيرة طاهرة ألهمت شعب فلسطين

استشهد فجر اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025، المستشار محمد...

من ربيع العرب إلى خريف الشبكات: سقوط حلم التواصل الرقمي

تُعد منصات التواصل الاجتماعي من أبرز مظاهر الثورة الرقمية في العصر الحديث، حيث أعادت تشكيل طرق التواصل البشري وتبادل المعلومات. تعتمد هذه المنصات على تقنيات الإنترنت الحديثة، وخاصة تكنولوجيا الويب 2.0، التي تتيح للمستخدمين إنشاء حسابات شخصية، مشاركة المحتوى (نصوص، صور، فيديوهات)، والتفاعل مع الآخرين عبر شبكات افتراضية. تُعتبر منصات مثل فيسبوك، تويتر (إكس حاليًا)، إنستغرام، وتيك توك أمثلة بارزة، حيث تجاوز عدد مستخدميها المليارات عالميًا. توفر هذه المنصات فضاءً للتعبير عن الآراء، الترويج للأفكار، التسويق التجاري، وحتى تنظيم الحركات الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك، تواجه المنطقة العربية تحديات كبيرة في إنشاء منصات تواصل اجتماعي محلية تنافس نظيراتها العالمية، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا الفشل والعوائق التي تحول دون تحقيق ذلك.

ظهور منصات التواصل الاجتماعي في الوطن العربي

لعبت منصات التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في الوطن العربي، خاصة خلال العقدين الماضيين. فقد أصبحت وسيلة أساسية للتواصل اليومي، تبادل الأخبار، والتأثير في الرأي العام. خلال الربيع العربي (2010-2012)، برزت منصات مثل فيسبوك وتويتر كأدوات فعالة لتنظيم الاحتجاجات ونشر الوعي السياسي. على سبيل المثال، استخدم النشطاء في مصر فيسبوك لتنظيم مظاهرات 25 يناير 2011، بينما كان تويتر بمثابة “لاسلكي” لنقل الأخبار اللحظية وتنسيق الحركات الشعبية.

لم تقتصر فوائد هذه المنصات على الجانب السياسي، بل شملت الحياة اليومية، حيث ساعدت في توسيع العلاقات الاجتماعية، دعم التعليم الذاتي، وتسهيل التسويق التجاري. على سبيل المثال، تُستخدم منصات مثل لينكدإن لربط الباحثين عن عمل بأصحاب العمل، بينما يستخدم إنستغرام ويوتيوب للترويج للمنتجات والخدمات. ومع ذلك، أدت هيمنة المنصات الغربية إلى نقاشات حول ضرورة إنشاء منصات عربية مستقلة تلبي احتياجات المستخدمين العرب وتعكس هويتهم الثقافية.

محاولات إنشاء منصات تواصل اجتماعي عربية وأسباب الفشل

على الرغم من الحماس الأولي لإنشاء منصات تواصل اجتماعي عربية، مثل منصة “باز” التي أُطلقت في 2017، إلا أن معظم هذه المحاولات باءت بالفشل. منصة باز، على سبيل المثال، سعت إلى دمج ميزات منصات عالمية مثل فيسبوك وتويتر في منصة واحدة، مع التركيز على تقديم أخبار و”ترندات” محلية. ورغم تميزها بتقنيات متطورة، مثل إمكانية مشاركة المحتوى عبر منصات أخرى، إلا أنها لم تحقق النجاح المطلوب.

منصة باز التي أُطلقت للجمهور العربي
منصة باز التي أُطلقت للجمهور العربي

الأسباب المادية للفشل

🟥 التكاليف الباهظة: إنشاء منصة تواصل اجتماعي يتطلب استثمارات ضخمة في التصميم، البرمجة، الاستضافة السحابية، قواعد البيانات، إدارة المحتوى، وضمان الأمن السيبراني. وفقًا لتقرير من الجزيرة نت، قد تستغرق المنصة من 5 إلى 7 سنوات لتغطية تكاليفها، مما يشكل عبئًا ماليًا على المستثمرين.

🟥 ضعف التسويق: المنصات العربية غالبًا ما تعاني من نقص في ميزانيات التسويق مقارنة بالمنصات العالمية التي تنفق مليارات الدولارات على الترويج. على سبيل المثال، بلغت قيمة سوق الإعلانات الرقمية عالميًا 176.46 مليار دولار في 2022، وهو مبلغ يصعب على المنصات العربية منافسته.

🟥 عدم وجود قاعدة مستخدمين كافية: المنصات العالمية مثل فيسبوك وتويتر تمتلك قواعد مستخدمين ضخمة، مما يجعل من الصعب على منصة جديدة جذب المستخدمين بعيدًا عن هذه المنصات الراسخة.

الأسباب التقنية

🟥 نقص البنية التحتية التقنية: تتطلب المنصات الناجحة خوادم قوية، تقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة، وأنظمة حماية بيانات متطورة. العديد من المنصات العربية فشلت في توفير هذه البنية بسبب قيود الموارد.

🟥 صعوبة المنافسة التقنية: المنصات العالمية تستفيد من فرق تقنية ضخمة وخبرات تراكمية، مما يجعل من الصعب على الشركات الناشئة العربية مواكبة الابتكارات السريعة في هذا المجال.

🟥 تحديات تجربة المستخدم: المنصات العربية غالبًا ما تعاني من واجهات مستخدم أقل جاذبية أو أداء تقني ضعيف، مما يدفع المستخدمين للعودة إلى المنصات العالمية.

قدرة الأجيال الشابة والمبرمجين العرب

يمتلك الشباب العرب والمبرمجون إمكانيات كبيرة لصناعة منصات تواصل اجتماعي تنافسية. فالعالم العربي يزخر بالمواهب التقنية، حيث يتخرج سنويًا آلاف المهندسين والمبرمجين من الجامعات العربية. على سبيل المثال، منصات مثل “أكاديميا دوت إيدو”، التي طورتها فرق عالمية بتمويل محدود نسبيًا، تُظهر أن الإبداع التقني ممكن بموارد متواضعة.

ومع ذلك، تواجه هذه المواهب تحديات مثل نقص التمويل، ضعف البنية التحتية التكنولوجية في بعض الدول العربية، والهجرة المتزايدة للعقول المبدعة إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى دعم مؤسسي من الحكومات والشركات الخاصة لتوفير بيئة حاضنة للابتكار.

تأثير السياسة على إنشاء منصات تواصل اجتماعي

تلعب السياسة دورًا كبيرًا في عرقلة إنشاء منصات تواصل اجتماعي عربية. أولًا، هناك نقص في التنسيق بين الحكومات العربية لدعم مثل هذه المشاريع، حيث تتطلب منصة ناجحة قرارات سياسية تدعم الاستثمار في التكنولوجيا. ثانيًا، ترتبط المنصات العالمية مثل فيسبوك وإكس بأجهزة أمنية غربية، مما يثير مخاوف بشأن الخصوصية ومراقبة المحتوى، خاصة في القضايا الحساسة مثل القضية الفلسطينية.

علاوة على ذلك، تعاني المنطقة العربية من تقييد حرية التعبير في بعض الدول، مما يجعل المستثمرين مترددين في تمويل منصات قد تواجه رقابة حكومية أو ضغوطًا سياسية. هذا الواقع يعيق بناء الثقة بين المستخدمين والمنصات المحلية، حيث يفضل العديد من العرب استخدام منصات عالمية راسخة على الرغم من عيوبها.

تكاليف إنشاء منصة تواصل اجتماعي: دراسة حالة منصة تروث

تتطلب منصة تواصل اجتماعي استثمارات مالية ضخمة تشمل:

  • التخطيط والتصميم: تطوير واجهة مستخدم جذابة وسهلة الاستخدام.
  • البرمجة والاستضافة: بناء خوادم قوية وأنظمة سحابية لدعم ملايين المستخدمين.
  • الأمن السيبراني: ضمان حماية البيانات والخصوصية.
  • التسويق: الترويج للمنصة لجذب المستخدمين.
  • إدارة المحتوى: توظيف فرق لمراقبة المحتوى والتأكد من الالتزام بالمعايير القانونية.

منصة “تروث سوشيال”، التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في فبراير 2022، تُعد مثالًا بارزًا. طُورت المنصة كرد فعل على حظر ترمب من منصات مثل تويتر وفيسبوك بعد أحداث اقتحام الكابيتول في يناير 2021. استهدفت تروث سوشيال توفير فضاء لحرية التعبير، خاصة للأصوات المحافظة. بحلول منتصف 2022، بلغ عدد مستخدميها حوالي 2 مليون مستخدم نشط شهريًا، وهو رقم متواضع مقارنة بمنصات مثل تويتر (254.5 مليون مستخدم يوميًا في نوفمبر 2022).

تكلفة إنشاء تروث سوشيال لم تُعلن رسميًا، لكن تقديرات الخبراء تشير إلى أن إنشاء منصة مماثلة قد يكلف مئات الملايين من الدولارات، مع تكاليف تشغيل سنوية تصل إلى عشرات الملايين. هذا يشمل استثمارات في البنية التحتية، البرمجيات، والتسويق المكثف لجذب المستخدمين. ورغم التمويل الكبير الذي حصلت عليه المنصة، واجهت تحديات تقنية مثل أعطال الخادم ومشكلات تجربة المستخدم، مما يعكس صعوبة بناء منصة تنافسية حتى مع وجود رأس مال ضخم.

منصة تروث المملوكة للرئيس الأميركي دونالد ترامب
منصة تروث المملوكة للرئيس الأميركي دونالد ترامب

أسباب التوجه لإنشاء منصات عربية

زاد الاهتمام بإنشاء منصات تواصل اجتماعي عربية بسبب القيود المفروضة على حرية التعبير في المنصات العالمية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وثّق مركز “حملة” 627 انتهاكًا رقميًا على منصات ميتا منذ أكتوبر 2023، شملت حذف منشورات وتقييد حسابات داعمة لفلسطين. كما أن منصة إكس، بعد استحواذ إيلون ماسك عليها، أصبحت مسرحًا لخطاب الكراهية ضد الفلسطينيين، مما دفع النشطاء العرب إلى المطالبة بمنصة مستقلة تحمي حرية التعبير وتعكس وجهات النظر العربية دون تحيز.

إضافة إلى ذلك، هناك دوافع اقتصادية، حيث ينفق العالم العربي مليارات الدولارات سنويًا على الإعلانات في المنصات الغربية. إنشاء منصة عربية يمكن أن يعيد توجيه هذه الأموال لتطوير الاقتصادات المحلية.

إمكانية إنشاء منصة عربية مستقلة

رغم التحديات، إنشاء منصة تواصل اجتماعي عربية مستقلة ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب استراتيجية شاملة تشمل:

  1. التمويل المستدام: يجب على الحكومات والمستثمرين العرب التعاون لتوفير تمويل طويل الأجل.
  2. التطوير التقني: استخدام تقنيات حديثة مثل الويب 3.0، التي تعتمد على قواعد بيانات لامركزية، لتقليل الاعتماد على الخوادم المركزية وتعزيز الخصوصية.
  3. بناء الثقة: تصميم منصة تحترم خصوصية المستخدمين وتتيح حرية التعبير دون رقابة غير مبررة.
  4. التسويق الفعال: استهداف الشباب العرب من خلال حملات تسويقية مبتكرة تجذبهم بعيدًا عن المنصات العالمية.
  5. دعم القضايا المحورية: يمكن للمنصة أن تكون منبرًا لدعم قضايا مثل القضية الفلسطينية، مما يعزز شعبيتها بين المستخدمين العرب.

تواجه منصات التواصل الاجتماعي العربية تحديات كبيرة، من تكاليف مالية ضخمة، نقص في البنية التحتية التقنية، وضغوط سياسية، إلى صعوبة منافسة المنصات العالمية الراسخة. ورغم ذلك، يمتلك العالم العربي المواهب والموارد اللازمة لإنشاء منصة ناجحة إذا تم التعامل مع هذه التحديات بشكل استراتيجي. إن إنشاء منصة تواصل اجتماعي عربية مستقلة ليس مجرد حلم تقني، بل ضرورة ثقافية وسياسية لضمان حرية التعبير ودعم القضايا العربية، مثل القضية الفلسطينية، في مواجهة التحيزات الغربية. من خلال الاستثمار في التكنولوجيا، تعزيز الثقة، وتوحيد الجهود، يمكن للعالم العربي أن يحقق طفرة في هذا المجال، ويؤسس لمنصة تعكس هويته وتطلعاته.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

spot_imgspot_img