spot_img

ذات صلة

جمع

كوكبة من الوظائف الإعلامية الشاغرة لدى إذاعة الجمهورية العربية السورية “إذاعة دمشق”

تعمل إذاعة دمشق على استقطاب الكفاءات الإعلامية المؤهلة لتعزيز...

الكاميرا مقابل الدقيق: تأمل فلسفي في انهيار الإنسانية في غزة

في عام 1995، أطلقت الأمم المتحدة برنامج "النفط مقابل...

هل على فينيسيوس مغادرة ريال مدريد؟

في قلب “سانتياغو برنابيو”، حيث تتداخل الأحلام مع الواقع،...

خطاب أبو عبيدة ما بين الإنجاز واللوم على أمة الخذلان

في يوم الجمعة، 18 يوليو 2025، ألقى الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أبو عبيدة، خطابًا مصورًا بثته وسائل إعلامية مختلفة، بما في ذلك قناة الجزيرة. جاء هذا الخطاب في سياق معركة طوفان الأقصى المستمرة، التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، وفي ظل تصاعد التوترات العسكرية والسياسية في قطاع غزة والمنطقة. يهدف هذا المقال إلى تحليل أبعاد الخطاب، الجمهور المستهدف، والسياق السياسي والعسكري المحيط به، مع التركيز على دلالاته وتأثيراته المحتملة.

أبعاد خطاب أبو عبيدة

البعد العسكري: إبراز قوة المقاومة وتكتيكاتها

أشار أبو عبيدة في خطابه إلى أن المقاومة الفلسطينية، بقيادة كتائب القسام، تواصل تطوير تكتيكاتها العسكرية، مما مكنها من إيقاع “مئات القتلى والجرحى” في صفوف القوات الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية، إلى جانب “آلاف المصابين بأمراض نفسية وصدمات”. هذا التركيز على الخسائر البشرية والنفسية للجيش الإسرائيلي يعكس استراتيجية المقاومة في حرب الاستنزاف الطويلة الأمد، التي تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للقوات الإسرائيلية والجمهور الداخلي. كما أكد على محاولات أسر جنود إسرائيليين في مناطق متعددة من القطاع، من بيت حانون وجباليا شمالًا إلى خانيونس ورفح جنوبًا، واصفًا المقاومة بأنها “أعظم مدرسة عسكرية لمقاومة شعب في مواجهة محتليه في التاريخ المعاصر”.

هذا البعد العسكري يهدف إلى إبراز قدرة المقاومة على الصمود رغم الفارق الكبير في موازين القوى، مع الإشارة إلى استخدام أساليب مبتكرة مثل الكمائن، القنص، والالتحام المباشر. كما أشار إلى إعادة تدوير الذخائر الإسرائيلية غير المنفجرة لتصبح أسلحة في يد المقاومة، مما يعكس مرونة عسكرية وإبداعًا في مواجهة الحصار.

البعد السياسي: التأكيد على المفاوضات وتبادل الأسرى

تناول أبو عبيدة في خطابه الوضع السياسي، مشيرًا إلى نقض إسرائيل للاتفاقيات السابقة واستئنافها للعدوان على غزة بعد أربعة أشهر من هدنة مؤقتة. أكد دعم المقاومة للمفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل عبر الوسطاء، لكنه حذر من استمرار العدوان، مشددًا على أن “عودة الحرب تعني فقدان الأسرى الإسرائيليين لحياتهم”. هذه الرسالة موجهة بشكل مباشر إلى الحكومة الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي، حيث يشكل ملف الأسرى ضغطًا كبيرًا على القيادة السياسية الإسرائيلية.

كما دعا إلى استقرار المنطقة من خلال إلزام إسرائيل بالالتزام بالاتفاقات، مشيرًا إلى أن دعمًا سياسيًا أو شعبيًا خارجيًا يمكن أن يعزز موقف المقاومة. هذا يعكس وعيًا بأهمية الضغوط الدبلوماسية الإقليمية والدولية في تغيير ديناميكيات الصراع.

البعد التعبوي: رفع الروح المعنوية وتوجيه اللوم

جاء الخطاب محملًا بنبرة عاطفية قوية، حيث وجه أبو عبيدة لومًا شديدًا إلى الأنظمة العربية والإسلامية التي “تتفرج” على معاناة الفلسطينيين في غزة، في حين تمد القوى الغربية إسرائيل بـ”قوافل لا تتوقف من السلاح والذخيرة”. عبارات مثل “رقاب قادة الأمة الإسلامية والعربية مثقلة بدماء عشرات آلاف النساء والأطفال” و”نشكو خذلان أمتنا إلى الله” تعكس محاولة لإثارة مشاعر الغضب والمسؤولية لدى الجماهير العربية والإسلامية.

في الوقت نفسه، أشاد أبو عبيدة بصمود الشعب الفلسطيني، واصفًا إياه بأنه “أشد ما يغيظ أعداءه”، مما يعزز الروح المعنوية للفلسطينيين في غزة ويؤكد على دورهم المركزي في المقاومة.

البعد الإعلامي: الحرب النفسية والمصداقية

يعتمد أبو عبيدة في خطاباته على أسلوب إعلامي دقيق يجمع بين الوضوح والمصداقية. يُعتبر الناطق العسكري للقسام “أيقونة” إعلامية بسبب قدرته على التأثير في الرأي العام الفلسطيني والعربي، بل وحتى الإسرائيلي. تقارير إسرائيلية أشارت إلى أن الجمهور الإسرائيلي يثق بتصريحات أبو عبيدة أكثر من الناطقين الرسميين الإسرائيليين، نظرًا لدقته في الإعلان عن العمليات العسكرية والخسائر.

خطاب 18 يوليو 2025، بعنوان “خيبة الأمل”، كان موجهًا لإحداث تأثير نفسي على الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال التأكيد على استمرار المقاومة وقدرتها على إلحاق الخسائر، بينما يحث الجماهير العربية على التحرك لدعم القضية الفلسطينية.

الجمهور المستهدف

الشعب الفلسطيني: لتعزيز الروح المعنوية وتأكيد صمود المقاومة رغم الحصار والعدوان. الإشارة إلى صبر الشعب الفلسطيني وقدرته على تحدي القهر تهدف إلى تعزيز الوحدة الداخلية.

الجمهور الإسرائيلي: للضغط على الحكومة الإسرائيلية من خلال ملف الأسرى، وإبراز فشل الجيش في تحقيق أهدافه العسكرية. الخطاب يسعى لإثارة القلق في الشارع الإسرائيلي، خاصة مع تصاعد الخسائر النفسية والعسكرية.

الأنظمة العربية والإسلامية: توجيه اللوم والعتاب لتحفيزها على اتخاذ مواقف داعمة للفلسطينيين، سواء من خلال الضغط الدبلوماسي أو تقديم الدعم العسكري والإنساني.

الرأي العام العالمي: لفضح ممارسات إسرائيل ولفت الانتباه إلى معاناة الفلسطينيين، خاصة مع اتهامات بالإبادة الجماعية وسياسة التجويع.

الفصائل المقاومة الأخرى: تعزيز التنسيق بين الفصائل الفلسطينية والجبهات الإقليمية في لبنان، اليمن، والعراق، لتوحيد الجهود ضد إسرائيل.

السياق السياسي والعسكري

الوضع العسكري

منذ بداية معركة طوفان الأقصى في أكتوبر 2023، شهد قطاع غزة تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق، حيث أدى العدوان الإسرائيلي إلى استشهاد وإصابة أكثر من 139 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب دمار هائل في البنية التحتية. في المقابل، تواصل المقاومة الفلسطينية عملياتها، محققة خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك تدمير مئات الآليات العسكرية وتنفيذ عمليات قنص وكمائن.

خطاب أبو عبيدة جاء في سياق استمرار هذه المعركة، مع التركيز على مرحلة جديدة من الاستنزاف، حيث أشار إلى إعادة انتشار المقاومة في محاور رئيسية مثل رفح وجباليا، مما يعكس قدرتها على التكيف مع التطورات الميدانية.

الوضع السياسي

سياسيًا، يعكس الخطاب حالة من التوتر في المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة وإسرائيل، حيث تتهم المقاومة إسرائيل بالتنصل من الاتفاقيات، خاصة فيما يتعلق بملف تبادل الأسرى. إسرائيل تواجه ضغوطًا داخلية متزايدة من عائلات الأسرى، بينما تحاول الحفاظ على صورة النصر العسكري، وهو ما وصفه أبو عبيدة بـ”الأكذوبة”.

على الصعيد الإقليمي، يأتي الخطاب في ظل دعم غربي مستمر لإسرائيل، خاصة من الولايات المتحدة، بينما تواجه الأنظمة العربية اتهامات بالتقاعس عن دعم الفلسطينيين. كما أن الجبهات الإقليمية، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، تواصل دعمها للمقاومة، مما يعزز من تماسك “جبهات الإسناد”.

الوضع الإنساني

يعاني قطاع غزة من حصار مشدد، مع سياسات تجويع ممنهجة، كما وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، مما يزيد من معاناة أكثر من مليوني فلسطيني. هذا الوضع الإنساني الكارثي يشكل خلفية أساسية لخطاب أبو عبيدة، الذي دعا إلى تحرك عالمي وعربي لمواجهة هذه المأساة.

خطاب أبو عبيدة يمثل حلقة جديدة في سلسلة خطاباته التي تجمع بين الأبعاد العسكرية، السياسية، التعبوية، والإعلامية. من خلال تأكيده على صمود المقاومة، تطوير تكتيكاتها، ودعمها للمفاوضات، يسعى الخطاب إلى تعزيز الروح المعنوية الفلسطينية، الضغط على إسرائيل، وحث الأمة العربية والإسلامية على التحرك. في سياق عسكري وسياسي معقد، يبرز الخطاب كأداة فعالة في الحرب النفسية والإعلامية، معززًا مكانة أبو عبيدة كرمز للمقاومة وصوت للقضية الفلسطينية.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

spot_imgspot_img