في 14 يوليو 2025، شهدت محافظة السويداء، جنوب سوريا، تصعيدًا أمنيًا غير مسبوق مع دخول وحدات من الجيش السوري، بما في ذلك لواء الدبابات الفرقة 42، إلى المنطقة لفض الاشتباكات بين فصائل درزية وعشائر بدوية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 50 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين. هذا التدخل العسكري، الذي تزامن مع هجمات إسرائيلية تحذيرية على دبابات سورية في قرية سميع، يعكس التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها الحكومة السورية الانتقالية بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد في ديسمبر 2024.
خلفية الأحداث
الوضع في السويداء
تشهد السويداء، ذات الغالبية الدرزية، توترات متصاعدة منذ سقوط نظام الأسد، حيث برزت تحديات أمنية ناتجة عن فراغ مؤسساتي وسيطرة فصائل محلية مسلحة. اندلعت اشتباكات عنيفة في 13 يوليو 2025 بين مجموعات درزية، بقيادة حركة “رجال الكرامة” التي يتزعمها حكمت الهجري، وعشائر بدوية، مما أدى إلى سقوط 50 قتيلًا وأكثر من 100 جريح، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. هذه الاشتباكات، التي تضمنت استخدام قذائف هاون، عكست تصاعد التوترات الطائفية والعشائرية، مما دفع الحكومة السورية إلى التدخل العسكري.
دخول لواء الدبابات الفرقة 42 ووحدات الجيش
في 14 يوليو 2025، أعلنت وزارة الدفاع السورية نشر وحدات عسكرية متخصصة، بما في ذلك لواء الدبابات الفرقة 42، إلى السويداء لفض الاشتباكات وتوفير ممرات آمنة للمدنيين. وشملت التعزيزات دبابات وعربات مدرعة ومدافع ومئات الجنود، مع التركيز على قرية سميع ومناطق أخرى تشهد توترات. كما أعلن العميد أحمد الدالاتي، قائد الأمن الداخلي، فرض حظر تجوال في مدينة السويداء اعتبارًا من الساعة 8 صباحًا يوم 15 يوليو 2025، حتى إشعار آخر. وأفادت مصادر رسمية أن ستة جنود سوريين قتلوا خلال هجوم شنته مجموعات “خارجة عن القانون” على وحدات الجيش أثناء محاولتها فض النزاع.
🟥 لواء الدبابات فرقة 42 تصل السويداء
Posted by الواقع العربي on Tuesday, July 15, 2025
التدخل الإسرائيلي
في الوقت نفسه، أعلن الجيش الإسرائيلي استهداف دبابات سورية في قرية سميع، مدعيًا أنها كانت تتحرك نحو مناطق مأهولة بالدروز، مما قد يشكل تهديدًا لهم. ومع ذلك، نفت مصادر عسكرية سورية ومحلية وقوع إصابات مباشرة، مؤكدة أن الضربات كانت تحذيرية وسقطت بالقرب من الدبابات دون خسائر بشرية أو مادية. هذا التدخل الإسرائيلي، الذي بررته تل أبيب بحماية الأقلية الدرزية، أثار مخاوف من محاولات لتأجيج الصراع الطائفي وتعزيز النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.
مصير حكمت الهجري وجماعته
حكمت الهجري، زعيم حركة “رجال الكرامة”، يُعتبر شخصية بارزة في السويداء، حيث يقود فصيلًا درزيًا يرفض سيطرة الحكومة السورية على المحافظة، معتبرًا أنها لا تمثل مصالح المجتمع الدرزي. هذه الحركة، التي تشكلت في 2012، كانت تطالب بحماية الهوية الدرزية وتوسيع الصلاحيات المحلية. مع دخول الجيش السوري، يواجه الهجري وجماعته عدة سيناريوهات:
🟥 التفاوض والاندماج: أشارت مصادر محلية إلى أن حركة “رجال الكرامة” و”لواء الجبل” أبدتا استعدادًا للانخراط في الجيش الوطني، شريطة تشكيل هيئة حكم انتقالية وإعلان دستوري لتأسيس جيش وطني غير فئوي. ومع ذلك، يبقى هذا الخيار مرهونًا بقدرة الحكومة على تقديم ضمانات للمجتمع الدرزي.
🟥 المواجهة العسكرية: إذا رفض الهجري نزع السلاح، قد تواجه جماعته حملة عسكرية لفرض سيطرة الدولة. تصريحات وزارة الداخلية السورية تشير إلى نية الحكومة نزع سلاح “المجموعات الخارجة عن القانون”، مع توقعات بحسم الوضع قريبًا.
🟥 الاعتقال أو التصفية: أفادت تقارير أن عددًا من المسلحين المشاركين في الاشتباكات تم اعتقالهم ونقلوا إلى جهة مجهولة. إذا استمر الهجري في رفض التعاون، قد يواجه مصيرًا مشابهًا، خاصة إذا تم تصنيفه كتهديد للأمن القومي.
السيناريوهات المستقبلية
السيناريو الأول: استعادة الاستقرار
في حال نجحت الحكومة السورية في فرض الأمن عبر التفاوض مع الفصائل المحلية، قد تشهد السويداء مرحلة استقرار نسبي. هذا يتطلب:
-
حوار شامل: كما أكدت وزارة الداخلية، يجب إجراء حوار يعالج أسباب التوتر، بما في ذلك مطالب الدروز بالحكم الذاتي.
-
إعادة هيكلة الأمن: دمج الفصائل المحلية في الجيش الوطني قد يعزز الثقة بين الحكومة والمجتمع الدرزي.
-
التعاون الدولي: دعوات الأمم المتحدة ودول غربية لضبط النفس قد تدعم جهود التهدئة.
السيناريو الثاني: تصعيد الصراع
إذا فشلت المفاوضات، قد تتصاعد الاشتباكات، مما يؤدي إلى:
-
تدخل إقليمي: إسرائيل قد تستغل الوضع لتوسيع نفوذها، خاصة إذا استمر الادعاء بحماية الدروز.
-
تفاقم الطائفية: استمرار الصراع بين الدروز والبدو قد يؤدي إلى انقسامات طائفية أعمق، مما يهدد وحدة سوريا.
-
عدم الاستقرار الإقليمي: تدخل قوى خارجية، مثل إيران أو تركيا، قد يعقد المشهد، خاصة مع وجود قوات سوريا الديمقراطية في الشمال.
السيناريو الثالث: تقسيم السويداء
في حالة استمرار الفوضى، قد تطالب الفصائل الدرزية بحكم ذاتي أو حتى انفصال جزئي، مستغلة دعم إسرائيل. هذا السيناريو يحمل مخاطر تقسيم سوريا، كما أشار إليه حمد بن جاسم في تغريدته حول “تقسيم سوريا ومصير دول الخليج”.
هل هذا مصير قوات سوريا الديمقراطية؟
قوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، تواجه تحديات مشابهة لتلك التي تواجهها الفصائل في السويداء، لكن مع فروقات جوهرية:
-
الدعم الخارجي: تتلقى قسد دعمًا مباشرًا من الولايات المتحدة، مما يعزز موقعها مقارنة بالفصائل الدرزية التي تعتمد على دعم إسرائيلي محدود.
-
التنظيم العسكري: قسد هي قوة منظمة بشكل أفضل، مع هيكلية عسكرية متماسكة، على عكس الفصائل المحلية في السويداء.
-
الأهداف السياسية: تسعى قسد إلى إقامة إدارة ذاتية في المناطق الكردية، بينما تركز الفصائل الدرزية على حماية الهوية المحلية دون طموحات انفصالية واضحة.
ومع ذلك، فإن تدخل الجيش السوري في السويداء قد يكون مؤشرًا على نية الحكومة الانتقالية فرض سيطرتها على كامل الأراضي السورية. إذا نجحت هذه الاستراتيجية، قد تواجه قسد ضغوطًا مماثلة لنزع السلاح أو الاندماج في الجيش الوطني. ومع ذلك، فإن الدعم الأمريكي والوضع الجيوسياسي المعقد في الشمال يجعل من الصعب تطبيق نموذج السويداء على قسد في المدى القريب.
يمثل دخول لواء الدبابات الفرقة 42 ووحدات الجيش السوري إلى السويداء محاولة لاستعادة السيطرة على محافظة تعاني من فوضى أمنية وصراعات طائفية. مصير حكمت الهجري وجماعته يعتمد على نتائج المفاوضات مع الحكومة، مع احتمالات تتراوح بين الاندماج والمواجهة. السيناريوهات المستقبلية تشير إلى إمكانية استعادة الاستقرار أو تصعيد الصراع، مع مخاطر التدخل الإقليمي. بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، فإن أحداث السويداء قد تكون مؤشرًا على تحديات مستقبلية، لكن الدعم الدولي والتنظيم العسكري يمنحها مرونة أكبر. تتطلب هذه الأزمة جهودًا دبلوماسية وعسكرية متوازنة لضمان استقرار سوريا ومنع تقسيمها.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز