بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية حساسة. الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع تواجه تحديات معقدة تشمل تهديدات أمنية، أزمات بيئية، وتوترات طائفية. يستعرض هذا التقرير ثلاث أزمات رئيسية: حرائق ريف اللاذقية، انتهاكات “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، واشتباكات السويداء، مع التركيز على الأحداث الأخيرة في السويداء في 13 يوليو 2025، وبيانات وزارة الداخلية ووزيرها أنس خطاب، إلى جانب رؤية الدولة السورية الجديدة.
المشهد السياسي بعد سقوط النظام
خلفية السقوط
وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية، أُطيح بنظام الأسد في ديسمبر 2024 بعد عقود من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان. تولى أحمد الشرع، الذي كان يُعرف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، قيادة حكومة انتقالية تعهّدت بإعادة هيكلة المؤسسات وبسط سيادة القانون.
التحديات الأمنية
تواجه الحكومة تهديدات متعددة:
🟥 فلول النظام السابق: فصائل عسكرية موالية للأسد تسعى لزعزعة الاستقرار.
🟥 المجموعات الكردية: قسد تخشى خسارة نفوذها، مما يعيق الاندماج الوطني.
🟥 الفصائل المحلية: تستغل الفوضى لتعزيز اقتصاد الحرب.
اتفاق آذار
في مارس 2025، وقّع الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي اتفاقًا للاندماج الإداري والعسكري بحلول نهاية 2025. لكن التنفيذ يواجه تأخيرات بسبب مطالب قسد بهيكلية لا مركزية، مما أثار تحذيرات من المبعوث الأميركي توم باراك بإعادة النظر في الدعم العسكري.
حرائق ريف اللاذقية
اتساع الكارثة البيئية
في 2 يوليو 2025، اندلعت حرائق واسعة في جبل التركمان وكسب، دمرت أكثر من 14,000 هكتار من الغطاء الحرجي والزراعي. ساهم الجفاف الشديد والذخائر غير المنفجرة في تفاقم الأزمة، مما عرقل جهود الإطفاء.
فرضيات الفاعل
تشير تقارير إلى احتمالية الإشعال المتعمد، مع اتهامات لفلول النظام السابق. ومع ذلك، شككت منصات تدقيق في بعض الفيديوهات المنسوبة إلى هذه الفلول، مما يتطلب تحقيقات إضافية.

الاستجابة
🟥 الحكومة السورية: نشرت 150 فريق إطفاء و300 آلية، بدعم جوي من تركيا، الأردن، ولبنان.
🟥 الدعم الدولي: خصص صندوق سوريا الإنساني 625,000 دولار للطوارئ.
🟥 الدفاع المدني: شكل خطوط نار عازلة لمنع تجدد الحرائق.
التأثير
أدت الحرائق إلى نزوح أكثر من 1,100 شخص، وتضررت خطوط الكهرباء والمياه، مما أثر على مئات العائلات. يحذر خبراء من أن تجدد الحرائق قد يضاعف انبعاثات الكربون ويؤخر استعادة الغطاء الأخضر لعقود.
انتهاكات قوات سوريا الديمقراطية
قتل الأطفال وتجنيدهم
- حادثة الرقة: في 2 يوليو 2025، قُتل الطفل علي عباس العوني (14 عامًا) برصاص عنصر من قسد عند حاجز شمال الرقة، مما أثار احتجاجات عشائرية.
- تجنيد الأطفال: وثقت هيومن رايتس ووتش ويونيسف استمرار تجنيد الأطفال دون 18 عامًا عبر “حركة الشبيبة الثورية”. تشير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى وجود 156 طفلاً مجندًا في صفوف قسد.

التصفيات والاعتقالات
تشير تقارير حقوقية إلى إعدامات ميدانية في سجون الحسكة والرقة، وحملات اعتقال استهدفت صحافيين وناشطين، مثل رامان حسو في عامودا، وسط اتهامات بالتعذيب والإخفاء القسري.
عرقلة الاندماج
تطالب قسد بهيكلية لا مركزية، مما يعرقل تنفيذ اتفاق آذار. يحذر المبعوث الأميركي من أن استمرار التباطؤ قد يؤدي إلى إعادة النظر في الدعم العسكري.
السويداء: من الاحتجاجات إلى النزاع المسلح
جذور الاحتقان
ظلت السويداء محايدة نسبيًا خلال الحرب، لكن الانفلات الأمني ومحاصرة العصابات لطريق دمشق–السويداء أدى إلى تصاعد التوترات.
اشتباكات يوليو
في 13 يوليو 2025، اندلعت مواجهات عنيفة في حي المقوس بين فصائل درزية وعشائر بدوية، أسفرت عن مقتل أكثر من 30 شخصًا وإصابة 100 آخرين . وتشير تقارير أخرى إلى أن العدد قد يصل إلى 37 قتيلًا، بما في ذلك طفلان.
الأسباب
بدأت الاشتباكات بسلب شاحنة خضار، لكن الخطاب الطائفي عبر وسائل التواصل أجج العنف. اتهم شيوخ الدروز “جهات خارجية” بإثارة الفوضى.

الاستجابة الحكومية
- بيان وزارة الداخلية: أكدت أن الاشتباكات أدت إلى مقتل 30 شخصًا وإصابة 100، مشيرة إلى أن غياب المؤسسات الرسمية هو سبب رئيسي للانفلات الأمني. وأعلنت عن تدخل القوات الأمنية بالتنسيق مع وزارة الدفاع لفض النزاع وملاحقة المسؤولين.
- بيان وزير الداخلية أنس خطاب: أشار إلى أن غياب المؤسسات العسكرية والأمنية هو سبب رئيسي للتوترات، مؤكدًا أن الحل يكمن في فرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات لضمان السلم الأهلي.
التأثير
تسببت المواجهات في نزوح مئات العائلات وإغلاق جزء من طريق دمشق الدولي، مما أثر على التجارة مع الأردن.
رؤية الدولة السورية الجديدة
الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع ملتزمة باستعادة الأمن والاستقرار في جميع أنحاء سوريا. في خطاب سابق في مارس 2025، أكد الشرع على ضرورة احتكار السلاح في يد الدولة وإزالة الأسلحة غير المنظمة، وهو ما ينطبق على الوضع في السويداء حيث تشارك مجموعات مسلحة محلية في الاشتباكات (Wikipedia). كما أكدت وزارة الداخلية أن غياب المؤسسات الرسمية هو سبب رئيسي للانفلات الأمني، وأعلنت عن تدخل القوات الأمنية لوقف الاشتباكات وملاحقة المسؤولين. وشدد وزير الداخلية أنس خطاب على ضرورة تفعيل المؤسسات لضمان السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها.

تشابك الأزمات
مصالح مشتركة
- فلول النظام: يسعون لإظهار عجز الحكومة.
- قسد: يهدفون لتعزيز موقفهم التفاوضي.
- عصابات السويداء: يحافظون على مكاسب اقتصاد الحرب.
التحليل
يحذر المحللون من أن تواتر الأزمات يخلق “صدمة ثقة”، مما يعيق تشكيل جيش وطني موحد قبل نهاية 2025.
المخاطر المستقبلية
- تجدد الحرائق في موسم الخماسين بسبب الاحتباس الحراري.
- انتشار الثأر العشائري في الجنوب إذا لم تُحترم آليات العدالة الانتقالية.
- خطر استقطاب خلايا داعش لمقاتلين ساخطين داخل معسكرات قسد.
مسارات الاستجابة المقترحة
تثبيت الأمن المحلي
- نشر وحدات شرطة مدنية مختلطة في ريف اللاذقية بعد إزالة الألغام.
- إنشاء نقاط مراقبة مشتركة في السويداء تضم ممثلين عن الدروز والبدو.
- تفعيل “لجان الحماية المجتمعية” في مناطق قسد لإحلالهم محل قوات الشبيبة الثورية.
مساءلة الجناة وتعويض الضحايا
- تكليف النيابة العامة العسكرية بتحقيق في قتل الأطفال وإعدامات الأسرى.
- تقديم تعويضات فورية لمزارعي الساحل المتضررين عبر صندوق تحريك الطوارئ الزراعي.
دور المجتمع الدولي
- دعم محكمة مختلطة لجرائم تجنيد الأطفال برعاية الأمم المتحدة.
- تأمين فرق إزالة ألغام إضافية من “يونماس” للعمل في أحراج كسب.
- ربط المساعدات لقسد بتقارير امتثال ربع سنوية لإشراف وزارة الدفاع السورية.
تكشف الأحداث في اللاذقية، الشرق، والسويداء أن سوريا تواجه “امتحان الدولة” الحقيقي: القدرة على حماية المدنيين من أخطار بيئية وصراعات هوية وانتهاكات مسلحة. الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع ملتزمة باستعادة الأمن والاستقرار من خلال تفعيل المؤسسات وفرض سيادة القانون، كما أكدت وزارة الداخلية ووزيرها أنس خطاب. استعادة الثقة تتطلب عودة المؤسسات الرسمية، تنفيذ اتفاق دمج قسد، واستئصال اقتصاد الحرب. بدون هذه الخطوات، ستستمر الأزمات في تقويض الانتقال نحو مستقبل مستقر.
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز