spot_img

ذات صلة

جمع

تحقيق استقصائي: مؤسسة غزة الإنسانية – آلة القتل المُقنعة بقناع المساعدات

يكشف هذا التحقيق الاستقصائي المعمق عن الحقيقة المروعة وراء...

ريتشارد هيوز.. مهندس ميركاتو ليفربول التاريخي

عندما ترى ريتشارد هيوز يصافح المدرب الهولندي آرني سلوت...

متى نصر الله؟ سؤال جوهري في ضوء الأحداث والمجريات الحاصلة في غزة وسوريا

يُطرح في الأوساط الفكرية المعاصرة تساؤل عميق حول علاقة...

الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة: سوريا في مواجهة أعلى الرسوم عالمياً

تشهد السياسة الأميركية تجاه سوريا تناقضاً صارخاً يثير تساؤلات...

تحالف الـ125 دولة يضع إسرائيل في المواجهة: بريطانيا وفرنسا تقودان موجة الاعتراف بفلسطين

في خطوة دبلوماسية تحمل أبعاداً تاريخية، اختتم المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين أعماله في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، مُصدراً “إعلان نيويورك” الذي يشكل تحدياً واضحاً للسياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. المؤتمر، الذي امتد من 28 إلى 30 يوليو تحت الرئاسة المشتركة للسعودية وفرنسا، شهد مشاركة أكثر من 125 دولة، بينما قاطعته إسرائيل والولايات المتحدة بشكل تام.

التحول الجذري في الموقف الأوروبي

يأتي المؤتمر في سياق تحول دراماتيكي في المواقف الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن أن فرنسا ستعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لتصبح أول دولة من مجموعة السبع تتخذ هذه الخطوة التاريخية. هذا القرار وضع فرنسا في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، التي وصفت الاعتراف بـ”مكافأة للإرهاب”.

في تطور أكثر إثارة، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن المملكة المتحدة ستعترف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر ما لم تتخذ إسرائيل “خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المروع في غزة” والالتزام بوقف إطلاق النار وعملية سلام مستدامة. هذا الإنذار البريطاني، الذي جاء بعد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، يمثل تحولاً جذرياً في السياسة البريطانية تجاه الصراع.

“إعلان نيويورك”: خارطة طريق للتحرير

الوثيقة المكونة من سبع صفحات والمعروفة بـ”إعلان نيويورك” تضع خطة مرحلية محددة زمنياً لإنهاء الصراع. الإعلان يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة وتسليمها للسلطة الفلسطينية، وتوحيد غزة مع الضفة الغربية تحت حكومة فلسطينية واحدة. كما يرفض الإعلان أي احتلال أو حصار أو تهجير قسري، ويدعو لإنهاء جميع الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية.

في سابقة تاريخية، أدانت جميع الدول العربية للمرة الأولى هجوم 7 أكتوبر، ودعت حماس لنزع سلاحها وإنهاء سيطرتها على غزة وتسليم جميع الرهائن. هذا الموقف العربي الموحد يعكس رغبة واضحة في إيجاد حل شامل ومستدام للصراع.

العزلة الإسرائيلية-الأمريكية المتنامية

المقاطعة الإسرائيلية-الأمريكية للمؤتمر تكشف عن عزلة متنامية لهذا المحور أمام الإجماع الدولي. الولايات المتحدة وصفت المؤتمر بأنه “غير مثمر وسيء التوقيت”، بينما رفضت إسرائيل حتى المشاركة في النقاشات حول السلام. سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون انتقد الـ125 دولة المشاركة، قائلاً إن “هناك من يحارب الإرهابيين ومن يغض الطرف عنهم”.

الكارثة الإنسانية في غزة: أرقام صادمة

بينما يناقش العالم الحلول السياسية، تشهد غزة كارثة إنسانية مروعة. وفقاً لوزارة الصحة في غزة، تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 60,000 شخص منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023. تحليل جديد لبيانات الأمم المتحدة يكشف أن يوليو 2025 هو الشهر الأكثر دموية في غزة منذ 18 شهراً، حيث يُقتل شخص واحد كل 12 دقيقة، بمعدل 119 فلسطينياً يومياً.

منظمة الصحة العالمية حذرت من أن سوء التغذية “خارج عن السيطرة”، مع تسجيل 147 وفاة مرتبطة بالجوع، بينهم 88 طفلاً. تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي يؤكد أن غزة تواجه “سيناريو المجاعة الأسوأ”، حيث لا يحصل ثلث السكان على طعام لأيام متتالية.

مجازر توزيع المساعدات: استهداف منهجي للجياع

في تطور مروع، شهدت مواقع توزيع المساعدات الغذائية مجازر منهجية ضد المدنيين الفلسطينيين. منذ 27 مايو 2025، قُتل أكثر من 1,054 مدنياً فلسطينياً أثناء محاولتهم الحصول على الطعام من مواقع التوزيع التي تديرها “مؤسسة غزة الإنسانية” المدعومة أمريكياً وإسرائيلياً. مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وثق أن 766 من هؤلاء القتلى سقطوا بالقرب من مواقع المؤسسة، و288 آخرين بالقرب من قوافل المساعدات الأممية.

صحيفة هآرتز الإسرائيلية كشفت أن جنود الجيش الإسرائيلي تلقوا أوامر بإطلاق النار على الحشود العزل “لإبعادهم عن مراكز توزيع الطعام”. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع نفيا هذه المزاعم، واصفين التقرير بـ”الافتراء الدموي”.

التوسع الاستيطاني: ضم فعلي للضفة الغربية

بالتوازي مع الحرب في غزة، تشهد الضفة الغربية تصعيداً استيطانياً غير مسبوق. في مايو 2025، أعلنت إسرائيل عن أكبر توسع استيطاني منذ عقود، بإقرار 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية. وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، المستوطن المتطرف، وصف القرار بأنه “خطوة تاريخية” و”الخطوة التالية: السيادة”.

في 23 يوليو، صوت الكنيست الإسرائيلي بأغلبية 71 مقابل 13 لصالح قرار رمزي يدعو لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بالكامل. وفي اليوم التالي، أقرت الحكومة الإسرائيلية ميزانية بقيمة 274.6 مليون دولار لتطوير البنية التحتية الاستيطانية، بهدف جلب مليون مستوطن جديد للضفة.

العقوبات الدولية: ضغط متصاعد على إسرائيل

تشهد الساحة الدولية تحركاً متسارعاً لفرض عقوبات على إسرائيل. الاتحاد الأوروبي، تحت ضغط من إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا، يدرس عشرة خيارات للعقوبات ضد إسرائيل، تشمل تعليق اتفاقية الشراكة الأوروبية-الإسرائيلية وفرض عقوبات مستهدفة على مسؤولين إسرائيليين.

بريطانيا فرضت بالفعل عقوبات على الوزيرين الإسرائيليين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بينما علقت حوالي 30 ترخيص تصدير سلاح لإسرائيل. هولندا قيدت صادرات جميع السلع العسكرية وذات الاستخدام المزدوج لإسرائيل.

الصوت الفلسطيني: إرادة التحرر الصامدة

وزارة الخارجية الفلسطينية رحبت بـ”إعلان نيويورك” ووصفته بأنه “تطور بارز في الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية وتأكيد الحقوق الفلسطينية”. الوزارة أكدت أن المبادرة تمثل “تحولاً حاسماً نحو تحقيق السلام والأمن والاستقرار الإقليمي من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتطوير حل الدولتين”.

رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى، الذي مثل فلسطين في المؤتمر، أكد أن الشعب الفلسطيني “أبدى مرونة واضحة” في قبول الحلول التدريجية رغم ظروف الاحتلال والانقسام الداخلي. هذا الموقف يعكس النضج السياسي الفلسطيني والرغبة في إنهاء المعاناة الإنسانية.

التداعيات المستقبلية: نقطة تحول تاريخية

مع اعتراف 147 دولة من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، وانضمام قوى غربية كبرى للاعتراف، تتقلص دائرة الدعم للاحتلال الإسرائيلي بشكل مطرد. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أكد أن المؤتمر “يجب أن يكون نقطة تحول حاسمة تحفز تقدماً لا رجعة فيه نحو إنهاء الاحتلال”.

“إعلان نيويورك” يمثل لحظة فاصلة في النضال الفلسطيني من أجل التحرر. فللمرة الأولى منذ عقود، تتضافر الإرادة الدولية لفرض حل عادل ومستدام، مع تحديد جدول زمني واضح وآليات تنفيذ ملزمة.

التحدي الآن يكمن في ترجمة هذا الزخم الدبلوماسي إلى ضغط فعلي على إسرائيل لإنهاء احتلالها وقبول الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

spot_imgspot_img