spot_img

ذات صلة

جمع

الجوع في غزة: تحليل فلسفي متعدد الأبعاد في ظل أزمة إنسانية

تشهد غزة أزمة إنسانية كارثية، حيث يعاني جميع سكانها،...

التحول الاستراتيجي الأمريكي في سوريا: دلالات التصريحات الجديدة وسيناريوهات المستقبل

تشهد السياسة الأميركية تجاه سوريا منذ يوليو 2025 تغيرًا...

برشلونة وميلان والهلال والنصر في صراع رباعي لضم داروين نونيز: تحليل شامل للسوق والفرص

تتصدر صفقة انتقال المهاجم الأوروغوياني داروين نونيز، البالغ من...

الجيش الإسرائيلي يدق ناقوس الخطر: لماذا يطالب بإنهاء حرب غزة؟

تشهد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تحولًا جذريًا في موقفها من...

بالفيديو.. فضحتهم حفلة موسيقية: ليس دائمًا سجل رجال الأعمال نظيف

في عالم الأعمال، حيث تُبنى الإمبراطوريات على أسس من...

التحول الاستراتيجي الأمريكي في سوريا: دلالات التصريحات الجديدة وسيناريوهات المستقبل

تشهد السياسة الأميركية تجاه سوريا منذ يوليو 2025 تغيرًا دراماتيكيًا؛ إذ ضخت واشنطن إشارات قوية على لسان وزير الخارجية مارك روبيو والمبعوث توم باراك، مؤكدين أن مستقبل سوريا أصبح على المحك، وأن وقف الفوضى والعنف جنوب البلاد شرط لبقاء سوريا موحدة. ارتكزت التصريحات على لغة أكثر حزمًا وصرامة، ما أثار تساؤلات حول دوافع هذا التحول وتبعاته على الساحة السورية والإقليمية.

تغير الموقف الأميركي: ملخص وتحليل

أكد مارك روبيو في تصريحات متلفزة أن بلاده منخرطة بشكل مكثف مع إسرائيل والأردن ودمشق إزاء التطورات جنوب سوريا. أبرز روبيو أن استمرار العنف وجرائم قتل واغتصاب المدنيين في السويداء يهدد أي أمل لسوريا موحدة وخالية من الإرهاب أو السيطرة الإيرانية. شدد على أن واشنطن تريد تدخلًا فعّالًا من سلطات دمشق لوقف تدفق “المتطرفين” حسب وصفها إلى الجنوب، وفرض الأمن، ومحاسبة كل من ارتكب فظائع حتى من داخل النظام.

من جانبه، أوضح المبعوث الأميركي توم باراك أن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا كان خطوة لإعطاء الشعب فرصة جديدة، لكن استمرار العنف والفوضى يهددان بتقويض سلطة الحكومة الناشئة. وفق باراك، سوريا اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما حوار وسلام أو فوضى ومصير مجهول.

أسباب ودوافع التحول الأميركي

معادلة التوازنات الإقليمية الجديدة

تتزامن تصريحات واشنطن مع تراجع متسارع في النفوذ الإيراني والروسي داخل سوريا بفعل الأزمات الممتدة لدى طهران وموسكو. تستغل الولايات المتحدة اللحظة لترسيخ دورها كضامن لاستقرار المنطقة، وسد أي فراغ قُد يستغله روس أو تنظيمات متطرفة مثل داعش.

إسرائيل بدورها، تكثّف ضغوطها الدبلوماسية على واشنطن للضغط على دمشق؛ خوفًا من انفلات الأمن جنوب سوريا ووصول الميليشيات أو السلاح النوعي إلى حدودها الشمالية. التقاء المصالح الأميركية-الإسرائيلية يظهر بوضوح في الصياغة الموحدة للتحذيرات والدعوات لوقف القتال.

حماية وحدة سوريا والحدّ من المخاطر الإنسانية

تخشى الإدارة الأميركية من أن استمرار العنف وتعمّقه بين الفصائل العشائرية والطوائف (خاصة الدروز والبدو) قد ينزع شرعية الحكومة الناشئة ويهدد بتقسيم فعلي على الأرض. أي انهيار أمني أو تكرار سيناريو الفوضى سيعني عودة داعش وتهديد مصالح واشنطن والأردن وإسرائيل، عدا عن احتمالات موجات لجوء جديدة نحو أوروبا.

استراتيجية إعادة تموضع أميركي براغماتي

تعكس التصريحات الجديدة توجّه إدارة ترامب إلى إعادة بلورة دورها السوري. والدفع بمسار سياسي متماسك واشتراط الاستقرار والسلام للمجتمع المدني. يظهر ذلك في الحديث عن أولوية العدالة لجميع الضحايا، ومحاسبة الجناة دون استثناء أي طرف

ملامح المشهد السوري بعد التغيرات الأميركية

الضغط على دمشق: فرصة أخيرة أم إنذار؟

تحميل البيان الأميركي المسؤولية للنظام—مع الدعوة الفورية لوقف دوامة العنف والانتقام القبلي—يمثل عمليًا إنذارًا نهائيًا: إما فرض الأمن أو مجابهة عزلة وتراجع دعم دولي، بل وربما فقدان سيطرة فعلية على الجنوب السوري لصالح القوى المحلية أو الإسرائيلية أو حتى فلول الإرهاب.

السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا في ضوء التحول الأميركي

السيناريو الأول: نجاح الحوار والسلام

  • تنجح الحكومة السورية في استيعاب الأزمة بالسويداء وإعادة بسط النظام عبر التعاون مع القوى المحلية والتعهد بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم.

  • يؤدي ذلك إلى تخفيف الضغوط الدولية، وقد يشجع المانحين على المساهمة في إعادة الإعمار ورفع المزيد من العقوبات.

  • يساعد الاستقرار المدعوم أميركيًا على إعادة اللاجئين وفتح قنوات دبلوماسية مع الجوار والعواصم الغربية، وفتح الباب لاحقًا لإعادة دمج سوريا إقليميًا ودوليًا.

السيناريو الثاني: فشل الحكومة وتصاعد الفوضى

  • في حال عجز دمشق عن ضبط الأمن وانتشار العشائرية والاقتتال الأهلي، تتدهور سلطة الدولة وتنمو بؤر للفوضى التي تستغلها جماعات إرهابية.

  • تستغل إسرائيل والمحاور الإقليمية الفراغ الأمني، ما قد يؤدي لصراع أوسع يهدد وحدة سوريا الديموغرافية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

  • يتقلّص الدعم الدولي، وتعود العقوبات وربما تظهر دعوات لمساءلة دولية أو حتى تدخلات محدودة بذريعة حماية الأقليات أو الأمن الإنساني.

السيناريو الثالث: تقسيم فعلي أو حكم ذاتي مناطقي

  • في ظل فشل المركز على فرض السيطرة أو القيام بمصالحات موسعة، قد تتكرّس الفيدرالية أو التقسيم الواقعي.

  • تحصل مناطق على استقلال أمني أو إداري نسبي، تكون خاضعة لتأثيرات إقليمية متنوعة (تركيا في الشمال، الأردن بالجنوب، إيران شرقاً).

  • هذا السيناريو يعقّد ملف إعادة الإعمار، ويؤجل عودة الاستقرار والسلم الأهلي لفترة أطول.

العوامل المؤثرة في تطورات السيناريوهات

الدور الإسرائيلي

إسرائيل معنية مباشرة بأمن الجنوب السوري وحدوده مع الجولان. أي انفلات أمني يصب مباشرة بالمخاطر على تل أبيب، ما يبرر تدخلاً استخباراتياً أو عسكرياً إن لزم. وتتلاقى مصالحها مع واشنطن في ضرورة مواجهة أي نشاط متطرف أو تهديد إيراني-حزب الله في نقاط التماس.

الوضع الإنساني ودور منظمات المجتمع الدولي

مساع المنظمات الدولية والأممية لحماية المدنيين ودعم الاستقرار تكمّل الضغوط السياسية. تدهور الأوضاع الإنسانية من شأنه دفع المجتمع الدولي نحو مزيد من التدخلات الطارئة—سواء بالمساعدات أو بفرض مناطق آمنة لوقف الانتهاكات، وقد يُستخدم الفيتو الأميركي بالمقابل كورقة ضغط أو تشجيع إنجاز تسويات.

تأثير العوامل الداخلية السورية

تتوقف احتمالية الخروج من الأزمة على قدرة الحكومة الجديدة على استيعاب المكون الدرزي وإيجاد توازن في العلاقة مع بقية المكونات (العشائر البدوية، القوى الكردية، المعارضة). العدالة الانتقالية وتغيير سلوك الأجهزة الأمنية هما عاملان حاسمَان في تحديد ما إذا كان الحوار سيثمر فعلاً.

مستقبل الدور الأمريكي بعد التحول

عودة “الديبلوماسية النشطة”

الخطاب الأميركي الأخير يمهد لمرحلة جديدة من التدخل الدبلوماسي الأمريكي “الناشط” بديلاً عن سياسة العقوبات والعزلة فقط. الهدف أن تظل واشنطن طرفاً مركزياً في صياغة مستقبل سوريا، بالتوازي مع العمل مع الحلفاء (أوروبا، إسرائيل، الأردن، تركيا).

تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا عبر الشروط الأمنية والإنسانية

تشترط واشنطن اليوم على دمشق حماية الحدود الجنوبية، تقليص نفوذ الحرس الثوري والمليشيات المرتبطة بإيران، ومكافحة عودة خلايا داعش. المقاربة الأميركية تجعل من الدور الأمني المحلي شرطاً للاستمرار في دعم النظام الجديد.

الخيارات والمصير السوري

تشدد التصريحات الأميركية الأخيرة على أن السلام والحوار ليسا خيارين، بل ضرورة حتمية. لم يعد أمام الحكومة السورية والمجتمع المحلي سوى التصالح وإرساء العدالة، وإلا فإن البلاد ستكون أمام دوامة جديدة من العنف، قد يودي بمستقبل سوريا ووحدة أراضيها.

يبقى مصير سوريا رهين إرادة الفاعلين المحليين وقدرتهم على تحمّل مسؤولياتهم، وسط اختبارات وضغوط لم تشهدها البلاد بهذا الشكل منذ أكثر من عقد. التحول الأميركي يُعد رسالة واضحة: زمن التسويف أو الرهان على سياسة العصا والجزرة انتهى، والمطلوب اليوم أفعال على الأرض، أو مواجهة سيناريوهات قاتمة تهدد كيان الدولة وتماسك المجتمع السوري.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

spot_imgspot_img