spot_imgspot_img

الجيش الإسرائيلي يدق ناقوس الخطر: لماذا يطالب بإنهاء حرب غزة؟

تشهد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تحولًا جذريًا في موقفها من حرب غزة، حيث يوصي الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى المستوى السياسي بالتوصل لاتفاق نهائي مع حماس.

هذا التطور الجوهري يكشف عن حقائق مثيرة حول الأسباب الحقيقية التي تدفع المؤسسة العسكرية للضغط من أجل إنهاء الحرب، في تناقض صارخ مع الخطاب السياسي الرسمي لحكومة نتنياهو.

تنبع أهمية هذا التوجه من كونه يمثل اعترافًا عسكريًا ضمنيًا بفشل الحرب في تحقيق أهدافها المعلنة، ويعكس ضغوطًا متراكمة على الجيش الإسرائيلي جعلته يعيد حساباته الاستراتيجية.

الإنهاك العسكري: عامل حاسم في التوجه نحو الصفقة

أزمة القوات الاحتياطية

يشهد الجيش الإسرائيلي أزمة حقيقية في صفوف قواته الاحتياطية، حيث انخفضت نسبة الحضور من أكثر من 100% في بداية الحرب إلى 85% فقط في فبراير الماضي.

الأخطر من ذلك هو التراجع المستمر في هذه النسبة، حيث تشير التقارير الحديثة إلى أن معدل الحضور قد لا يتجاوز 60-70% في أي استدعاء جديد.

صورة تظهر جنود من الجيش الإسرائيلي
صورة تظهر جنود من الجيش الإسرائيلي

هذا التراجع ليس مجرد أرقام إحصائية، بل يعكس أزمة ثقة عميقة بين الجنود والقيادة السياسية. العديد من جنود الاحتياط رفضوا الخدمة لأسباب تتراوح بين الإنهاك الجسدي والنفسي، وفقدان الثقة في قدرة الحكومة على تحرير الرهائن، والمعارضة لسياسات الحكومة.

الخسائر البشرية المُخفاة

كشف رئيس الأركان الجديد إيال زامير عن تضارب صارخ بين الأرقام المُعلنة رسميًا وحقيقة الخسائر العسكرية الإسرائيلية. فبينما تشير الأرقام الرسمية إلى مقتل 844 ضابطًا وجنديًا منذ 7 أكتوبر، كشف زامير عن وجود 5942 عائلة ثكلى منذ بداية الحرب.

الأرقام الأكثر صدمة تشير إلى أن أكثر من 15 ألف جندي يعانون من إصابات جسدية ونفسية تم استيعابهم في نظام التأهيل. هذا يعني أن الجيش الإسرائيلي خسر عمليًا قوة قتالية تفوق فرقة عسكرية كاملة من القتلى والجرحى والمصابين نفسيًا.

الإرهاق التشغيلي والاستنزاف

خدم العديد من جنود الاحتياط أكثر من 275 يومًا منذ 7 أكتوبر، مما أدى إلى تدهور الحالة النفسية لآلاف العائلات الإسرائيلية. هذا الاستنزاف طال جميع أفرع القوات المسلحة، من الطيران والبحرية إلى الوحدات الخاصة وقوات المدرعات.

الأخطر من ذلك أن قادة الألوية والكتائب يتعاملون مع حالات رفض متزايدة للخدمة من قبل الضباط وضباط الصف، مما يهدد بانهيار منظومة القيادة الوسطى في الجيش.

الفشل الاستراتيجي: لماذا لم تحقق الحرب أهدافها؟

استحالة القضاء الكامل على حماس

رغم مرور أكثر من 21 شهرًا على الحرب، فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق هدفه المُعلن بـ”القضاء على حماس”. وزير الدفاع السابق يوآف غالانت اعترف بأن حماس لم تعد تشكيلاً عسكريًا منظمًا، لكنها تحولت إلى حرب عصابات، مما يجعل هزيمتها العسكرية مستحيلة عمليًا.

هذا الاعتراف يعني أن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية وصلت إلى طريق مسدود، حيث لا يمكن تحقيق النصر الحاسم بالوسائل العسكرية وحدها.

تحدي إدارة غزة المستقبلية

يواجه الجيش الإسرائيلي معضلة استراتيجية عميقة حول مستقبل غزة. فالسيطرة العسكرية الكاملة على القطاع ستعني تحمل عبء إدارة مليونين ونصف من الفلسطينيين، وهو ما يتطلب موارد عسكرية ومالية ضخمة لا يمكن للجيش الإسرائيلي تحملها على المدى الطويل.

صورة تظهر من سكان غزة - أثناء محاولة الحصول على المساعدات
صورة تظهر من سكان غزة – أثناء محاولة الحصول على المساعدات

الضغوط الداخلية: الرأي العام والعائلات

تحول الرأي العام الإسرائيلي

شهدت استطلاعات الرأي تحولًا جذريًا في موقف الإسرائيليين من الحرب. ففي استطلاع حديث، أيد 67% من الإسرائيليين إنهاء الحرب والتوصل لصفقة تبادل مع حماس. هذه النسبة ارتفعت من 56% في استطلاع سابق، لتصل في بعض الاستطلاعات إلى 73-74%.

الأهم من ذلك أن 52% من ناخبي الائتلاف الحكومي يدعمون الصفقة رغم معارضة قيادتهم السياسية لها. هذا يعكس انفصالًا خطيرًا بين الموقف الشعبي والسياسة الحكومية.

ضغط عائلات الرهائن

تشكل عائلات الرهائن قوة ضغط سياسية على الحكومة الإسرائيلية. هذه العائلات تنظم احتجاجات يومية وتطالب بـ”صفقة شاملة الآن”، محملة نتنياهو مسؤولية عدم بذل جهود كافية لتحرير أبنائها.

تأثير هذا الضغط تجاوز الساحة المدنية ليصل إلى داخل المؤسسة العسكرية، حيث يشعر العديد من الضباط والجنود بأن استمرار الحرب يعرض حياة الرهائن للخطر بدلاً من إنقاذهم.

الضغوط الخارجية: ترامب والمجتمع الدولي

الضغط الأمريكي المتزايد

تواجه إسرائيل ضغطًا أمريكيًا من إدارة ترامب للتوصل لصفقة في غزة. الرئيس الأمريكي أوضح أن “إسرائيل وافقت على شروط وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا”،

المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف يلعب دور في تحريك أجواء المفاوضات بين إسرائيل وحماس  في المفاوضات، يشمل ذلك الموافقة على الانسحاب من ممر موراج وتقليل الوجود العسكري في رفح.

العزلة الدولية المتزايدة

تواجه إسرائيل عزلة دولية متزايدة مع استمرار الحرب، حيث سحبت عدة دول سفراءها أو خفضت العلاقات الدبلوماسية. هذه العزلة تضع ضغطًا إضافيًا على المؤسسة العسكرية التي تحتاج للدعم الدولي لضمان استمرار التدفق اللوجستي والعسكري.

الأزمة السياسية الداخلية: تهديد الائتلاف

تفكك الائتلاف الحكومي

يشهد ائتلاف نتنياهو تصدعات خطيرة مع انسحاب حزب “يهدوت هتوراة” من الائتلاف، وتهديد حزب “شاس” بالانسحاب أيضًا. هذا التفكك يترك نتنياهو مع أغلبية هشة جداً تعتمد على الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تعارض أي صفقة.

صورة تظهر بعض من أعضاء اللائتلاف الحكومي الإسرائيلي
صورة تظهر بعض من أعضاء اللائتلاف الحكومي الإسرائيلي

المفارقة أن هذه الأزمة السياسية تدفع الجيش للضغط من أجل الصفقة، لأن انهيار الحكومة سيعني انتخابات جديدة وعدم استقرار سياسي في وقت حرج.

قضية التجنيد الإلزامي

تعمق أزمة تجنيد الحريديم (اليهود المتشددين) من الضغوط على الجيش، حيث يرفض عشرات الآلاف من الشباب الحريدي الخدمة العسكرية بينما يتحمل جنود الاحتياط عبئًا مضاعفًا. هذا الوضع خلق استياءً واسعاً في صفوف العسكريين الذين يشعرون بالظلم وعدم المساواة.

التحليل الاستراتيجي: إسرائيل في مفترق طرق

خيارات محدودة أمام المؤسسة العسكرية

يواجه الجيش الإسرائيلي ثلاثة خيارات استراتيجية صعبة:

  1. مواصلة الحرب: مما يعني مزيد من الخسائر والاستنزاف دون ضمانات للنصر

  2. الاحتلال الكامل لغزة: وهو ما يتطلب موارد ضخمة وإدارة مدنية معقدة لمليونين ونصف فلسطيني

  3. التفاوض على صفقة: تضمن عودة الرهائن مقابل تنازلات سياسية وعسكرية

المؤسسة العسكرية تدرك أن الخيار الثالث هو الوحيد القابل للتطبيق عمليًا، خاصة في ظل الضغوط المتراكمة.

الاستراتيجية المزدوجة للجيش

تبنى الجيش الإسرائيلي استراتيجية مزدوجة تهدف إلى تحقيق هدفين متزامنين:

  • الحفاظ على الضغط العسكري على حماس لإجبارها على تقديم تنازلات

  • التفاوض من موقع قوة للحصول على أفضل شروط ممكنة للصفقة

هذه الاستراتيجية تفسر توقيت توصية الجيش بالتفاوض، فهي تأتي بعد تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه عسكريًا دون الدخول في استنزاف لا نهاية له.

الدروس الاستراتيجية: لماذا فشلت العقيدة العسكرية الإسرائيلية؟

حدود القوة العسكرية

كشفت حرب غزة عن حدود واضحة للقدرة العسكرية الإسرائيلية في مواجهة حركات المقاومة المتجذرة شعبيًا. رغم التفوق التكنولوجي والعددي الساحق، فشل الجيش في تحقيق انتصار حاسم يُنهي التهديد نهائيًا.

هذا الفشل يعكس تغيرًا جوهريًا في طبيعة الحروب المعاصرة، حيث لم تعد القوة النارية والتفوق التقني كافيين لضمان النصر في بيئة حضرية معقدة.

تكلفة الحروب الطويلة

أثبتت الحرب أن التكلفة الإنسانية والاقتصادية للحروب الطويلة قد تتجاوز المكاسب المحققة. الجيش الإسرائيلي يدرك أن استمرار الحرب سيعني مزيدًا من الخسائر دون ضمانات لتحقيق الأهداف المطلوبة.

خلاصة: الواقعية العسكرية مقابل الأيديولوجية السياسية

توصية الجيش الإسرائيلي بإنهاء الحرب تمثل انتصار الواقعية العسكرية على الأيديولوجية السياسية. المؤسسة العسكرية، بخبرتها الميدانية وإدراكها لحدود قدراتها، وصلت إلى قناعة أن استمرار الحرب بات مضرًا بالمصالح الإسرائيلية أكثر من نفعه.

هذا التوجه العسكري يعكس تحولًا استراتيجيًا في التفكير الإسرائيلي، من استراتيجية الانتصار الكامل إلى استراتيجية إدارة الصراع والبحث عن حلول سياسية قابلة للعيش.

الرسالة الواضحة من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية هي أن الوقت حان لإنهاء هذه الحرب قبل أن تتحول إلى كارثة استراتيجية تهدد أمن إسرائيل على المدى الطويل. هذه النصيحة العسكرية تستند إلى حسابات استراتيجية واقعية بعيدًا عن الشعارات السياسية والأيديولوجية.

في النهاية، يبدو أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قد أدركت حقيقة أساسية: الحروب تُكسب بالسياسة وليس بالسلاح وحده، وأن التوقيت المناسب للتفاوض جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية العسكرية الناجحة.

فريق التحرير

منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز

فريق التحرير
فريق التحريرhttps://alwaqie-ar.net
منصة مستقلة من صحفيين في غزة وسوريا، تنقل الحقيقة كما هي، وتُظهر زوايا مغفلة من قلب الحدث. نرفض التبعية والتضليل، ونلتزم بمهنية تضع المتابع أمام صورة الواقع بلا تجميل ولا انحياز
spot_imgspot_img

Get in Touch

1,620,797المشجعينمثل
1,859أتباعتابع
5,150أتباعتابع
spot_img

Latest Posts