spot_img

ذات صلة

جمع

تحقيق استقصائي: مؤسسة غزة الإنسانية – آلة القتل المُقنعة بقناع المساعدات

يكشف هذا التحقيق الاستقصائي المعمق عن الحقيقة المروعة وراء...

ريتشارد هيوز.. مهندس ميركاتو ليفربول التاريخي

عندما ترى ريتشارد هيوز يصافح المدرب الهولندي آرني سلوت...

متى نصر الله؟ سؤال جوهري في ضوء الأحداث والمجريات الحاصلة في غزة وسوريا

يُطرح في الأوساط الفكرية المعاصرة تساؤل عميق حول علاقة...

الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة: سوريا في مواجهة أعلى الرسوم عالمياً

تشهد السياسة الأميركية تجاه سوريا تناقضاً صارخاً يثير تساؤلات...

عجز مجلس الأمن عن حل الأزمات الكبرى: هل يدفع النظام الدولي نحو استبداله؟

أسست الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي في العام 1945، ليكون بمثابة حجر الأساس وتقع على عاتقه مسؤولية حفظ الأمن والسلام الدوليين في النظام متعدد الأقطاب.

وشهد العقدان الأخيران موجة أزمات تصاعدت حدتها في الشرق الأوسط وكان في مقدمتها الحرب في قطاع غزة، وسوريا، هذه الأزمات جعلت مجلس الأمن أمام تحدي حقيقي، حيث أنه عجز عن إصدار قرارات ملزمة تجبر أطراف الصراع على وجوب وقف إطلاق النار، هذا الأمر دفع الدول الأعضاء ولا سيما الأوروبيون إلى الخطو نحو إصدار بيانات مشتركة لا تحمل طابع الإلزام القانوني.

هذه الخطوة أثارت تساؤلات عميقة حول جدوى وفعالية مجلس الأمن، بل النظام الدولي ككل في التعاطي مع الأزمات التي تتطلب مواقف وقرارات حاسمة تحقيقًا للمسؤولية التي تأسس من أجلها.

ولعل المعظم يدرك أن المشكلة الأساسية تكمن في حق النقض الفيتو الذي تمتلكه فقط الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحق أُعطي لضمان التوازن بين القوى الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنه أصبح أداة لتعطيل العدالة ومنع التوصل إلى حلول للأزمات، فقد شهد العالم أجمع حين استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو لوقف أي إدانة لـ “إسرائيل” خلال حرب الإبادة في قطاع غزة، كما أن روسيا والصين استخدمتا حق الفيتو عدة مرات لتعطيل قرارات تتعلق بسوريا، فهل فعلاً تجوّل المجلس إلى ساحة صراع مصالح بدلاً من كونه أداة لحفظ السلام والأمن الدوليين؟.

وفي ظل هيمنة هذه القوى العظمى على قرارات مجلس الأمن أو تعطيلها، لم تصمت بعض الدول الأوروبية بل تحركت في ميدان لعله يكون بديلا عملياً، حيث أصدرت تلك الدول بيانات مشتركة عبّرت عن مواقفها الأخلاقية والسياسية تجاه أزمات إنسانية بحتة، لكن ومع كل أسف لم تُفضي هذه البيانات إلى إجراءات عملية.

ولعل هذه البيانات رغم أهميتها الرمزية، لا تمتلك قوة التنفيذ ولا تغيّر موازين القوى على الأرض، إلا أنها تعرّي المجتمع الدولي وتكشف حقيقة خطيرة بأننا أمام مجتمع دولي وهمي يتغنى بالإنسانية، ولا تزال المجازر مستمرة والحصارات مفروضة والانتهاكات قائمة والأبرياء يقتلون بكافة أشكال الموت.

حتى كتابة هذا النص، يدخل قطاع غزة في مجاعة حقيقية تسببت في موت أكثر من 1000 إنسان، ولك أن تتخيل كيف يعيش العالم في العام 2025 وهناك أُناس مدنيين أبرياء يموتون جوعًا، عدا عن حرب الإبادة المستمرة لأكثر من 666 يومًا والتي خلّفت أكثر من 60 ألف شهيد، عدا عن آلاف المفقودين والمصابين، كما تسببت في نزوح أكثر من مليون فلسطيني داخل القطاع، كل الجرائم سالفة الذكر ولا يزال مجلس الأمن غير قادر على إصدار قرار يدين هذه الحرب أو يلزم “إسرائيل” بوقفها، والسبب استخدام الفيتو الأمريكي المتكرر.

البيانات المشتركة: حل رمزي دون تأثير عملي

وهنا جاء دور البيانات الأممية والأوربية التي صدرت بشكل مشترك أو منفرد من الدول الأوروبية، إلا أنها ومع كل أسف كان بدون إجراءات حقيقية رادعة، ويمكن وصفها بأنها كانت مجرد لغة دبلوماسية مجاملة فقط لا غير.

ومن الأمثلة أيضًا على انقسام مجلس الأمن الدولي، الأزمة السورية التي استمرت لسنوات، وعجز المجلس عن إصدار قرارات إنسانية وإدانات لاستخدام الأسلحة الكيميائية، بسبب استخدام الفيتو من قبل روسيا والصين، فيما اكتفت بعض الدول الأعضاء إلى إصدار بيانات مشتركة للتعبير عن قلقهم البالغ تجاه الأزمة الإنسانية أو الدعوة إلى الهدوء، وذلك لم يوقف معاناة المدنيين.

تلك الأمثلة حوّلت مجلس الأمن إلى متفرج وعاجز أمام كوارث إنسانية حقيقية موثقة بالصوت والصورة، وأثرت على مكانة الأمم المتحدة ومؤسساتها، عدا عن أنها هزت ثقة الشعوب بالدبلوماسية الدولية.

تحول مجلس الأمن إلى متفرج أمام الكوارث

ففي الوقت الذي تتحول فيه القوانين الدولية إلى ما يمكن أن نسميه سياسة “اختيارية التطبيق” تفتح الأبواب أمام انتهاكات حقوق الإنسان، وتعزز ثقافة الإفلات من العقاب لدى الدول العظمى أو حلفائها، وفي ذات الوقت ترسخ نظرة لدى الدول الضعيفة أو النامية في مجلس الأمن أنه منبر غير محايد، بل هو مجرد أداة في يد الدول الكبرى لتمرير مصالحهم.

الخلل البنيوي في النظام الدولي متعدد الأقطاب

وبأي حال من الأحول لا يمكن وصف ما يجري في مجلس الأمن أنه مجرد خلل عابر، إنما هو خلل بنيوي وأزمة جوهرية في النظام الدولي متعدد الأقطاب، ومع تزايد الاعتماد على البيانات المشتركة بدل القرارات بات من الواضح أن المجلس يفقد قدرته على التأثير في الأزمات الكبرى، وهو ما يؤكد أن المصالح السياسية لا تزال تعرقل أي تغيير حقيقي رغم الدعوات لإصلاح بنية مجلس الأمن.

التساؤل حول مستقبل مجلس الأمن والبحث عن بدائل

ما تقدم يطرح تساؤلا مهماً: هل يمكن للأمم المتحدة والنظام الدولي إعادة إحياء دور مجلس الأمن ليكون فاعلاً حقيقيًا في القضايا والأزمات الكبرى؟ أم أن النظام الدولي بات بحاجة إلى بدائل جديدة أكثر عدالة تحقق العدالة وتحفظ الأمن والسلام الدوليين.

خضر بكر

كاتب وباحث في العلاقات الدولية.. أُقدم تحليلات معمّقة وشاملة للسياسات الدولية والقضايا الجيوسياسية، مستندًا إلى منهج بحثي دقيق ورؤية فكرية تربط بين الواقع المحلي والسياق العالمي.

spot_imgspot_img